مِنْ وحْيِ الهِجْرة
- التصنيفات: ملفات شهر محرم -
ها قد أهلّ على الوجودِ (مُحَرّمُ) *** فالكونُ يزهو والحياةُ تَبسّمُ
ترنو إلى ركبِ النبي وقد مضى *** تَبْكيه مكةُ والمَقَامُ وزمزمُ
عوّدتُ نفسي الاحتفالَ بهجرةِ الْـ *** هادي الْبشيرِ، وعطرَها أتنسّمُ
لكنْ على الوجهِ الذي أبصرتُهُ *** عن حبِ خير المرسلين يُترجِمُ
فاخترتُ من شعرِ المديحِ قصيدةً *** أنشدتُها ووجدتُني أترنّمُ
وحَسِبتُ أني قد بلغْتُ ذرا التقى *** بل ليس مثلي في المحبة مسلمُ!!
وإذا بأعماقي دويّ صارخٌ *** يا غافلاً حتّى متى تتَوهّمُ!!
حتى متى والقولُ قد زخرفْتَهُ *** والفعلُ يفضحُ ما تقولُ وتزعُمُ
لمّا عَجزْتَ عن اتباعِ (محمدٍ) *** أَقنعْتَ نفسَكَ بالكلامِ ، ودُمْتمو!
ماذا اقترفتُ لكي تراني واهماً *** أَلأَنّنِي بهوى النّبيِ مُتيّمُ؟!
إني أرى حبّ النبي عبادةً *** ينجو بها يومَ الحسابِ المسلمُ
فأجابني: حبّ النبِي عبادةٌ *** فرضٌ على كل العبادِ محتّمُ
لكنْ إذا سَلَكَ المحبّ سبيلَهُ *** متأسّياً وَلِهدْيِهِ يَتَرَسّمُ
هل ضيّعَ الإسلامَ إلا قائلٌ *** أفعالُهُ تنفي المقالَ، وَتْهدِمُ؟
فالقدسُ ضاعت من كلامٍ دونما *** فعلٍ يؤيد قولَهم، ويُتَرْجِمُ
والطفلُ ملّ من الكلامِ؛ وليتهم *** يَدَعُونه يرمي اليهودَ، ويَرْجُمُ
والعدلُ ملّ من الكلامِ ؛ وقد رأى *** مَنْ يَدّعي عدلاً يجورُ، ويَظْلِمُ
والطهرُ ملّ من الكلامِ؛ وطالما *** زعمَ الطهارةَ داعرٌ لا يَرحمُ
حتى البطولةُ أَعْلنتْ إضرابَها *** لما ادّعاها من يَخافُ، ويُحْجمُ
فَصَرخْتُ: كُفّ القولَ؛ قد أَخْجَلْتَنِي *** وكلامُك الحقّ الذي لا يُكْتَمُ
تعني بهذا أن يجيء (محرمٌ) *** ويروحَ عنّا دونما يُستَلْهَمُ؟
فأجابني: كلاّ فهجرةُ (أحمدٍ) *** فيها الدروسُ لمن يُفيد، ويَفْهمُ
درسُ التوكلِ خالدٌ عنوانُهُ *** (الله ربي) يستجيبُ، ويعصِمُ
والأخذ بالأسبابِ درس مشرقٌ *** والعبقريّة باسم ربك ترسُمُ
فَهُنَا (عليّ) في الفراشِ مُدثرٌ *** يُلْهي عيونَ المشركين، ويوهِمُ
وهناك (أسماءُ) الأريبةُ أصْبَحَتْ *** مَثَلاً لكُلّ المسلماتِ يُقَدّمُ
وشقيقُها الشّهمُ الأبيّ ، ودورُهُ *** يأتي النبيّ بما يُحَاك ويُبْرَمُ
ويجيءُ (عامرُ) بالشياهِ يسوقُها *** نشوانةً، تمحو الخطا، وتُعتّمُ
حتى الدليلُ[1] على الطريق أتى بهِ *** ما قال أمشي، ثم ربي يُلْهمُ
تَمْتمتُ: قد تعِبَ الرسولُ مهاجراً *** بأبي وأمي كم له أتألُم!
فأجابني: قد كان ربّكَ قادراً: *** أن يستجيبَ المشركون، ويُسْلموا!
ما كان يُعْجِزُهُ انتقالُ رسولِهِ *** فوق الْبُراقِ؛ وأهلُ مكةَ نُوّمُ!!
لكنهُ الإسلامُ ليسَ بنزهةٍ *** دربٌ يُراقُ على جوانبهِ الدّمُ
ردّدتُ وَا أسفى على عمْرٍ مضى *** في غفْلةٍ؛ والآن كم أتندّمُ!
يا مسلمون: لهجرةِ الهادي ارجعوا *** واستوعبوا لدروسِها ، وتعلّموا
أحمد حسبو
-------
[1] الدليل: المقصود به عبد الله بن أريقط.