مسيرة عام نحو الآخرة
أبو محمد بن عبد الله
آخر جمعة في هذا العام الهجري 1435هـ، بعد ثلاث مائة وستين يومًا، مرَّت على البشر بحالات مختلفة، من فرح وترح، واغتناء وافتقار، وموت وميلاد، ومعصية وطاعة، وصلة وقطيعة، وفوز وخسران... فأين مِن هذه المتقابلات تكون أنت؟!
أما علمت أنك بهذا قد تقدمت نحو الآخرة بعام من حياتك، لقد قطعت نحو مثواك الأخير مسيرة عام كامل، واقتربتَ من قبرك مسافة عام كامل؛ توشك أن تحط الرحال هناك، فما أنت آخذٌ معك من زاد..
- التصنيفات: التوبة - مناسبات دورية - الطريق إلى الله -
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
صلينا اليوم آخر خُطبة في آخر جمعة في هذا العام الهجري 1435هـ، بعد ثلاث مائة وستين يومًا، مرَّت على البشر بحالات مختلفة، من فرح وترح، واغتناء وافتقار، وموت وميلاد، ومعصية وطاعة، وصلة وقطيعة، وفوز وخسران... فأين مِن هذه المتقابلات تكون أنت؟!
دعك من هذا، وهاك التي هي أعظم.. إذا كانت هذه هي آخر جمعة في عامٍ من الدهر، فكيف لو كانت الجمعة الأخيرة في الدهر.. أما علمتَ أن آخر الدنيا يكون يوم الجمعة، وأن الساعة لا تقوم إلا يوم الجمعة؟ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: « »(مسلم؛ صحيح مسلم، برقم [854]).
أما علمت أنك بهذا قد تقدمت نحو الآخرة بعام من حياتك، لقد قطعت نحو مثواك الأخير مسيرة عام كامل، واقتربتَ من قبرك مسافة عام كامل؛ لقد قطعت من طريقك إلى الله مسيرة عام، توشك أن تحط الرحال هناك، فما أنت آخذٌ معك من زاد..
تـــــــــــزود من حياتك للمعاد * * * وقم لله أَجمع خير زاد
ولا تــــــــركن إلى الدنيا كثيرا * * * فإن المال يُجمعُ للنفاد
أترضى أن تـــكون رفيق قوم * * * لهم زادٌ وأنت بغير زاد
لا شك أنَّ مِن بيننا من لا يبلغ آخر جمعة من العام القادم، وقد كانت جمعته الأخيرة هذه، آه على طول الأمل، لقد كان السلف لا يأملون أن يعيشوا إلى الفجر، فعملوا للآخرة كأنها غدا، فأعطاهم الله الدنيا والآخرة، حتى يقول القائل منهم:
تزود مــن التقوى فإنك لا تدري **** إذا جنَّ ليلٌ هل تعيش إلى الفجـــر
وكم من صحيح مات من غير علةٍ **** وكم من سقيم عاش حينًا من الدهر
فكم من فتى أمسى وأصبح ضاحكًا **** وقد نُسِجَتْ أكفانُه وهو لا يدري
وكم من صغارٍ يُرتجى طول عمرهم **** وقد قبضت أرواحُهم ليلة القدرِ
وكم من عروس زينوها لزوجها **** وقد أُدخلت أجسادُهم ظلمة القبرِ
وقبل هذا، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «البخاري، صحيح البخاري، رقم [6416]).
» وكان ابن عمر، يقول: « »(أخي الحبيب، أختي الكريمة.. في العام اثنا عشر شهرًا، فماذا لم يعصٍ أحدُنا ربَّه إلا مرة في الشهر؟ اثني عشر معصية فقط، أيستطيع أن يلقى بها ربَّه، خاصة إن نسيها ولم يتذكرها فيتوب منها؟
وفي الشهر ثلاثين يومًا، فما بالك إن عصى في كل يوم معصية، فمعناه أنه يلقى الله تعالى بثلاث مائة وستين معصية ... يا إلهي!
أوّهٍ أوّه، لو عصى في كل ساعة معصية، فإنه سيلقاه بثمانية آلاف وستمائة وأربعين معصية (8640). فهل يلقاه وثمانية آلاف وستمائة وأربعين توبة؟!
آه لو تلبَّس بمعصية طيلة العام، كهجر مؤمنٍ، وقطيعة رحم، أو ترك واجب، فمعناه أنه تلبس به، بعدد ثواني العام.. وكأنما في كل ثانية يعصي الله تعالى بذلك الذنب، فيلقى الله تعالى بهذا الذنب وحده بعدد ثوانيه، بـ (31104000)، بأكثر من واحد وثلاثين مليون معصية، فهل تزوَّد بواحد وثلاثين مليون توبة أو طاعة؟!
حتى ما نحتقره من الذنوب ونستهين به، قد يكون أخطر من الكبائر، لأننا ننساها ونغفل عن التوبة منها: « » (الألباني؛ السلسلة الصحيحة، رقم [389])، وقال أنس رضي الله عنه: « ت» قال أبو عبد الله: «يعني بذلك المهلكات»(البخاري في صحيحه، رقم [6492]).
فاللهم ألهمنا رشدنا، واهدِ قلوبنا، وحبب إلينا الإيمان زينه في قلوبنا وكرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين، اللهم اجعل هذا العام شاهدا لنا، لا شاهدا علينا، واجعلنا فيه من الغانمين لا من الغارمين.