خطط القلوب وبرامج النفوس
من القلوب من لا يعرف لنفسه مخططًا ولا يدري لنفسه منهجًا، هو يحب الخير ولكنه يضع نفسه مكان السوء، ويتمنى الصدق وهو ممارس دائم للكذب، ويريد النور وهو ساكن في بيت من ظلام، ومن القلوب من يتردد بين سبيلين، فساعة في خير وأخرى في سوء، ولحظة في هدى ولحظات في غي، وهذا القلب قد بنى خطته على ما يهواه لا على ما يصلحه، والواقع أن خطته غالبًا ما تفشل وأن الغي والسوء يجرانه نحو هلكته.
- التصنيفات: الزهد والرقائق - أعمال القلوب -
تحتاج القلوب -كما تحتاج الأفكار- إلى وضع خطط لتصل إلى أهدافها وآمالها، كما تحتاج إلى ترتيب أحوالها ووضع وسائل وصولها لما ترجو وترنو، والقلب الهائم بلا خطة محكمة لآدائه غالبًا ما يستشعر الألم والحزن ويأخذ صاحبه إلى متاهات غير معلومة من الكآبة والضيق والاستشعار بالفشل المحيط.
إننا نخطىء كثيرًا عندما ننسى خطط القلوب في زحمة خطط الأفكار والأعمال، فإذا بنا نرتب لأنفسنا كل شيء غافلين عن أهم الآلات وأقوى الدوافع للنجاح وهو القلب، إنه المحرك الأكبر الذي يمد الجوارح بالدافعية الذاتية، وهو الحكيم الناصح لكل حركة وسلوك، وهو المستشعر الحساس لصحة أي قرار.
قلوبنا هي ذواتنا الفعلية إذا نحن تجردنا عن المظاهر والأشكال، وهي حقيقتنا إذا نحن خلعنا أقنعة الأجساد، وهي مقياس فعاليتنا ومحور دوران نفوسنا في كل لحظة تمر بها الحياة، وخطط القلوب ليست كخطط الأفكار والأعمال في طبيعتها، إذ إن لها طبيعة أخرى ونسقًا مختلفًا، ومعنى غير معتاد..
إننا نخطىء كثيرًا عندما ننسى خطط القلوب في زحمة خطط الأفكار والأعمال، فإذا بنا نرتب لأنفسنا كل شيء غافلين عن أهم الآلات وأقوى الدوافع للنجاح وهو القلب، خطط القلوب دومًا هي خطط سرية مخبوءة، لا يكاد يعرفها أحد غير صاحبها، وقد يحاول صاحبها أن يبدو بها بغير حقيقتها في أحيان، إلا أنها تبدو عليه في لفظات لسانه وقد تبدو في المواقف الصعبة والشدائد، كلنا يمر بذلك.
وكثير منا يفاجأ بمواقف لم يكن يتوقعها من أناس يراهم ليل نهار، مواقف في التضحية والعطاء، ومواقف في الشجاعة والبذل، ومواقف في الرقة والعاطفية، ومواقف في المحبة والتفاني.. وآخرين نفاجأ بمدى سوء طويتهم في الشدائد، فتفاجئنا قسوة قلوبهم، ويفاجئنا بخلهم، وحرصهم، وربما -في بعض الأحيان- تفاجئنا حتى خيانتهم! إن كلاً من هؤلاء قد أعد خطته واختار سبيله.
فالأول أبيض مثل الصفا والآخر أسود بدرجاته! وخطط القلوب إما علوية وإما سفلية، والقلوب بين الصفتين تتدرج، فالقلب صاحب الخطة العلوية يتدرج بين النظافة والطهارة والصدق والإخلاص، فتراه يقترب -كلما نجحت خطته- من الشفافية والنقاء والنورانية، والآخر هو يقترب دومًا من الظلمة، ويتدرج بين المكر والكذب والظلم.
ومن القلوب من لا يعرف لنفسه مخططًا ولا يدري لنفسه منهجًا، هو يحب الخير ولكنه يضع نفسه مكان السوء، ويتمنى الصدق وهو ممارس دائم للكذب، ويريد النور وهو ساكن في بيت من ظلام، ومن القلوب من يتردد بين سبيلين، فساعة في خير وأخرى في سوء، ولحظة في هدى ولحظات في غي، وهذا القلب قد بنى خطته على ما يهواه لا على ما يصلحه، والواقع أن خطته غالبًا ما تفشل وأن الغي والسوء يجرانه نحو هلكته.
وقلب آخر قد بنى لنفسه خطة محكمة وقعد قواعدها وحبك مبانيها على أساسٍ حسن، ثم ابتدأ في تطبيقها وبينما هو سائر إذ عاقته العوائق وتنافسته المغريات، فإن هو استرسل معها فقد جهده وإن هو أعرض عنها قفز من نجاح إلى نجاح.
فيا ترى أين نلقاه في نهاية السبق؟
خالد رُوشه