الأحكام السلطانية للماوردي - (83) تقدير العطاء (4)

منذ 2014-10-27

وإذا جرّد الجيش لقتال فامتنعوا، وهم أكفاء من حاربهم سقطت أرزاقهم، وإن ضعفوا عنهم لم تسقط، وإذا نفقت دابَّة أحدهم في حرب عوِّض عنها، وإن نفقت في غير حرب لم يعوض

الباب الثامن عشر: في وضع الديوان وذكر أحكامه

تقدير العطاء (4)

فصل:

وأمَّا تقدير العطاء فمعتبر بالكفاية حتى يستغني بها عن التماس مادة تقطعه عن حماية البيضة.

والكفاية معتبرة من ثلاثة أوجه:

أحدها: عدد من يعوله من الذراري والمماليك.

والثاني: عدد ما يرتبطه من الخيل والظهر.

والثالث: الموضع الذي يحله في الغلاء والرخص، فيقدَّر كفايته في نفقته وكسوته لعامه كله، فيكون هذا المقدر في عطائه، ثم تعرض حاله في كل عام، فإن زادت رواتبه الماسَّة زيد، وإن نقصت نقص.

واختلف الفقهاء إذا تقدَّر رزقه بالكفاية، هل يجوز أن يزاد عليها؟ فمنع الشافعي من زيادته على كفايته، وإن اتسع المال؛ لأنَّ أموال بيت المال لا توضع إلَّا في الحقوق اللازمة، وجوَّز أبو حنيفة زيادته على الكفاية إذا اتسع المال لها، ويكون وقت العطاء معلومًا يتوقَّعه الجيش عند الاستحقاق، وهو معتبر بالوقت الذي تستوفي فيه حقوق بيت المال، فإن كانت تستوفي في وقت واحد من السنة جعل العطاء في رأس كل سنة، وإن كانت تستوفي في وقتين جعل العطاء في كل سنة مرتين، وإن كانت تستوفي في كل شهر جعل العطاء في رأس كل شهر؛ ليكون المال مصروفًا إليهم عند حصوله، فلا يحبس عنهم إذا اجتمع، ولا يطالبون به إذا تأخَّر، وإذا تأخَّر عنهم العطاء عند استحقاقه وكان حاصلًا في بيت المال كان لهم المطالبة به كالديون المستحقة، وإن أعوز بيت المال لعوارض أبطلت حقوقه أو أخرتها كانت أرزاقهم دينًا على بيت المال، وليس لهم مطالبة وليّ الأمر به، كما ليس لصاحب الدَّيْن مطالبة من أعسر بدينه، وإذا أراد وليّ الأمر إسقاط بعض الجيش لسبب أوجبه، أو لعذر اقتضاه جاز، وإن كان لغير سبب لم يجز؛ لأنهم جيش المسلمين في الذبِّ عنهم.

وإذا أراد بعض الجيش إخراج نفسه من الديوان جاز مع الاستغناء عنه، ولم يجز من الحاجة إليه، إلَّا أن يكون معذورًا، وإذا جرّد الجيش لقتال فامتنعوا، وهم أكفاء من حاربهم سقطت أرزاقهم، وإن ضعفوا عنهم لم تسقط، وإذا نفقت دابَّة أحدهم في حرب عوِّض عنها، وإن نفقت في غير حرب لم يعوض، وإذا استهلك سلاحه فيها عوض عنه إن لم يكن يدخل في تقدير عطائه، ولم يعوض إن دخل فيه. وإذا جُرِّدَ لسفر أعطي نفقة سفره إن لم تدخل في تقدير عطائه ولم يعط إن دخلت فيه. وإذا مات أحدهم أو قتل كان ما يستحق من عطائه موروثًا عنه على فرائض الله تعالى، وهو دين لورثته في بيت المال.

واختلف الفقهاء في استبقاء نفقات ذريته من عطائه في ديوان الجيش على قولين:

أحدهما: أنه قد سقطت نفقتهم من ديوان الجيش لذهاب مستحقه، ويحالون على مال العشر والصدقة.

والقول الثاني: أنه يستبقي من عطائه نفقات ذريته ترغيبًا له في المقام، وبعثًا له على الإقدام.

واختلف الفقهاء في سقوط عطائه إذا حدثت به زمانة على قولين:

أحدهما: يسقط؛ لأنه في مقابلة عمل قد عدم.

والقول الثاني: أنه باقٍ على العطاء ترغيبًا في التجند والارتزاق.

 

الكتاب: الأحكام السلطانية

المؤلف: أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن حبيب البصري البغدادي، الشهير بالماوردي (المتوفى: 450هـ)

الناشر: دار الحديث  القاهرة

عدد الأجزاء: 1

[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي]

المصدر: المكتبة الشاملة
  • 1
  • 0
  • 2,683
المقال السابق
(82) ترتيبهم في الديوان (3)
المقال التالي
(84) الرسوم والحقوق (5)

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً