من دروس الحج 2
سهام علي
ومن أجمل ما يشعر به المسلم في رحلة الحج هو الشعور بالزهد والتعالي على آفة حب المظاهر وعمل حساب لنظرة الآخرين وانتقاداتهم، فالأمر أبسط من ذلك بكثير وأكبر من ذلك في نفس الوقت، فهو أبسط لأن رأى الآخرين لن يضر شيئا مع رضا الله ، وهو أكبر لأن الله تعالى ينظر إلى القلوب والأعمال.
- التصنيفات: ملفات الحج وعيد الأضحي -
من أهم الدروس المستفادة هو أن المسلم يعود من رحلة الحج وقد أصبح إنساناً جديداً وقد تخلّص من ذنوبه تماماً، وعليه أن يبذل قصارى جهده ليحفظ صفحته نقية حتى يلقى ربَّه؛ فالحج هو رحلة الروحانيات حيث أن المسلم يذهب متجرداً إلى الله، شاغله الأكبر هو إرضاء ربه وترك دنيا الشهوات والشبهات خلف ظهره الى المكان الذى طهره الله ورفع قدره ليغتسل من آثامه وخطاياه، ويجدد عهده مع الله بالإخلاص في العبادة والثبات عند الإبتلاء وعبادة الله على النحو الذي يريده الله لا الذي يريده هو أو يريده الناس.
والمسلم يجد في الحج مشقة بسبب الزحام والحر والتدافع، ومالم يخلص العبد نيته عند القيام بأداء العبادة ويستحضر عظم الجزاء؛ فلن يشعر باللذة التي تيسر له الأمر كذلك الشأن بالنسبة للصوم والصلاة وسائر العبادات.
ومن أجمل ما يشعر به المسلم في رحلة الحج هو الشعور بالزهد والتعالي على آفة حب المظاهر وعمل حساب لنظرة الآخرين وانتقاداتهم، فالأمر أبسط من ذلك بكثير وأكبر من ذلك في نفس الوقت، فهو أبسط لأن رأى الآخرين لن يضر شيئا مع رضا الله ، وهو أكبر لأن الله تعالى ينظر إلى القلوب والأعمال كما في الحديث فعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « » (صحيح مسلم؛ رقم: [4651]).
فنحن نتعامل دائما مع عليم خبير ينظر في أعماقنا ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور؛ ومن هنا يحاول المسلم ألا يغالي في تقدير نظرة الناس إليه في حين أنه يحاول قدر جهده أن يَقدُرُ الله حق قدره.
وحيث أن الحج يتيح للمسلم الالتقاء والتداخل مع الآخرين فإنه يستفيد من تجاربهم وخبراتهم فيتعلم من عالِمهم، ويتحلى بالحلم وضبط النفس مع جاهلهم، وهو بحق فرصة رائعة لتعلم مكارم الأخلاق، والتخلي عن قبيحها بشكل عملي، لأنه يدرك تماما أن ذلك شرط أساسي للحج المبرور.
ومن الدروس المستفادة من رحلة الحج كذلك أن يصبح الحاج مرجعية للآخرين ولنفسه بالطبع عند تكرار الرحلة ليس ليخبر الآخرين ما يحتاجون من متاع ومصروفات؛ ولكن ليُعلِمَهُم أن الحج المبرور يحتاج إلى إعداد مسبق للذات لتتعلم كيفية التحلّي بخلق المسلم؛ ومعنى كلمة الحج المبرور، وكيفية الفوز به. كما أنه يساهم في تعليم المقبلين على الحج مناسك الحج الصحيحة حتى لا توجد كل تلك الأخطاء البسيطة منها والجسيمة بعد العودة من رحلة الحج لأناس لم يتعلموا مناسك الحج قبل الرحلة.
ومن أفضل ما يتعلمه المسلم في الحج هو حسن إدارة الوقت فهو خلال تلك الأيام المعدودة في هذه الرحلة يقوم بأعمال كثيرة في وقت محدود، ويكتشف في نفسه طاقات هائلة، وأنه لو أمضى بقية عمره بنفس القدر من الهمة لفاز فوزاً عظيما في الدنيا والآخرة.
وللحج كرامات كثيرة يجود بها الله على عباده أثناء أداء هذه الفريضة العظيمة نذكر إحداها على سبيل المثال: ذهب أحد محارمي ليحج في أحد الأعوام وعندما بدأ بالطواف سقطت عدسة نظارته التي لا يستغنى عنها أبداً على الأرض مع بداية الشوط الأول؛ فشعر بأنه في مأزق شديد؛ فهو لا يستغنى عنها ولا يستطيع في نفس الوقت النزول للبحث عنها وسط هذا الزحام وإلا فالضياع له في هذه المرة محقق لا محالة، فأكمل طوافه مفوضاً أمره إلى الله، وفي ختام الشوط السابع وجد العدسة تحت قدمه فتناولها وهو في طريقه للإنصراف فكانت أشبه بالمعجزة فوضعها في مكانها قبل أن يتورط في السير بدونها وسط هذه الجموع الغفيرة من البشر.