عيادة التخيل
لا فرار في هذا اليوم! كل شيء محضر في هذا اليوم!! من هول الموقف.. يذهل كل مرء عن من يعرفه! حتى الأم عن وليدها والأب عن ولده!
(1)
ما هذا الصوت!
صوت قوي، يخلع القلوب!
صوت بدأ به بعث البشرية من قبورهم للقيامة!
صوت معه سيبدأ المشهد العظيم! المشهد الذي سيأخذ بالأنفاس!
معه سيبدأ الحساب ومن ثَّم حياة في دار الخلود في نعيم أو عذاب مهين!
{وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ. قَالُوا يَاوَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ. إنْ كَانَتْ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ. فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلا تُجْزَوْنَ إِلا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [يس:51-54].
ينظر حوله! فيرى مشهد لم يكن يتخيل يومًا أنه سيراه!
ينظر حوله فيرى طوفان من البشر في كل مكان.. كالموج الهادر.. ينظر الجميع بفزع من حوله..
ماذا يحدث! {قَالُوا يَاوَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ} [يس:52]
بشر من كل شكل ولون.. الأرض غير الأرض.. السموات غير السموات.. حتى الشمس أصبحت قريبة جدًا يلفحهم لهيبها!
يبدأ هذا الطوفان البشري بالتحرك.. فلا يعرفوا إلى أين يذهبون.. ولا ما سيحدث بعد لحظات بعد ساعات بعد أيام بعد سنوات! ولا متى سيبدأ الحساب..
وينظر حوله.. فيرى من يلجمه عرقه.. وكل على حسب عمله..
يرى من أظله الله في ظله.. فلا ظل اليوم إلا ظله! فهم أحد السبعة الذي ذكرهم النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه « » (صحيح البخاري [6806]).
لا فرار في هذا اليوم!
كل شيء محضر في هذا اليوم!!
من هول الموقف.. يذهل كل مرء عن من يعرفه! حتى الأم عن وليدها والأب عن ولده!
(2)
يشتد على الناس الوقوف وانتظار الحساب.. حتى ليتمنى الكافر أن يبدأ الحساب حتى ولو إلى جهنم مورده!
ويبحث الجميع عن من يشفع عند الله عزوجل لبدء الحساب..
ويشفع النبي صلى الله عليه وسلم للبشرية عند الله عزوجل لبدء الحساب.. ويقبل الله شفاعة نبيه.. وتوضع الموازين لبدأ الحساب!
وتتطاير الصحف!
من أخذ كتابه بيمينه فقد نجا!
ومن أخذ كتابه بشماله كان مع من ظلموا أنفسهم!
{فَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كِتَـٰبَهُۥ بِيَمِينِهِۦ. فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًۭا يَسِيرًۭا. وَيَنقَلِبُ إِلَىٰٓ أَهْلِهِۦ مَسْرُورًۭا. وَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كِتَـٰبَهُۥ وَرَآءَ ظَهْرِهِۦ. فَسَوْفَ يَدْعُوا۟ ثُبُورًۭا. وَيَصْلَىٰ سَعِيرًا. إِنَّهُۥ كَانَ فِىٓ أَهْلِهِۦ مَسْرُورًا. إِنَّهُۥ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ. بَلَىٰٓ إِنَّ رَبَّهُۥ كَانَ بِهِۦ بَصِيرًۭا} [الإنشقاق:7-15].
ويعرضوا على الله للحساب.. فمن نوقش هلك!
عن أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها عن رسول الله: « »، قلتُ: "يا رسولَ اللهِ! أليسَ اللهُ يقولُ: {حسابًا يسيرًا}؟"، قال: « » (صحيح مسلم [2876]).
يقف الجميع خاضعون صامتون!
لا يسمح لأحد أن يتحدث إلا من أذن له الرحمن!
يقف كل أمة وراء لواء نبيها..
وينتظر الجميع دوره!
{يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إِلا هَمْسًا . يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلا . يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا . وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا} [طه:108-111].
يا الله!
ينتظر الجميع دوره في الحساب ومن بعده ميزان الأعمال!
وفاز يومئذ من قدم لتلك اللحظة ولهذه الحياة.. حياة الآخرة!
وهلك من غفل عنها! وحاله يومئذ {يَقُولُ يَـٰلَيْتَنِى قَدَّمْتُ لِحَيَاتِى} [الفجر:24]..
(3)
الصراط.. هذا الجسر الذي أدق من الشعرة وأحد من السيف..
يمر عليه الجميع.. كل على حسب عمله!
من سيمر كالبرق.. ومن سيمر ببطء.. زحفًا يمره..
ومن ستتخطفه الكلاكيب وتسقط به في جهنم!
يا رب سلم سلم!
هكذا يدعوا الجميع..
«
» (صحيح مسلم [195]).بعدها يقف المؤمنون قبل دخول الجنة على قنطرة المظالم..
يفصل فيما كان بينهم.. تنقية للقلوب..
«صحيح البخاري [6535]).
» (يدخل الجنة أهلها.. ينعمون فيها.. بما وعدهم الله حقًا..
وأستحق النار أهلها.. يعذبون فيها بما أقترفت أيديهم!
(4)
هذه المشاهد العظيمة الثلاث..
بكل ما فيها.. قريبة..
لا يفصلنا عنها إلا غمضة عين ينقطع معها العمل في الدنيا..
وخروج للروح.. ويصبح الإنسان جسد باردًا!
لا يملك لنفسه شيء ولا سلطان له حتى على جسده!
يأخذونه ويغسلوه.. يقلبوه ولا يستطيع لنفسه يومئذ شيء!
يأخذونه لقبره.. وهناك يسأله الملائكة!
وعلى حسب إجابته.. يكون قبر من رياض الجنة أو حفر من النار..
يبقى فيه.. حتى يسمع صوت الصيحة! ويبعث!
هذه حقيقة.. أقرب إلينا مما نتخيل! فنحن لا ندري متى يخرج أخر نفس ومتى تغمض العين للمرة الأخيرة!
فليكن كل نفس يخرج في سبيل الله.. في مرضاته..
فيما يحب!
باب التوبة مفتوح لمن أرد.. لا يغلق إلا عندما يأتي وقت الموت!
فالله يحب التوابيين.. فلنكن منهم..
فلنجعل قلوبنا ملك له..
وأعمالنا في سبيله وإعلاء دينه..
اللهم أجعلنا من هؤلاء {يَـٰٓأَيَّتُهَا ٱلنَّفْسُ ٱلْمُطْمَئِنَّةُ. ٱرْجِعِىٓ إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةًۭ مَّرْضِيَّةًۭ. فَٱدْخُلِى فِى عِبَـٰدِى. وَٱدْخُلِى جَنَّتِى} [الفجر:27-30]..
فعندئذ يفرح المؤمنون.
- التصنيف:
- المصدر:
أبو محمد بن عبد الله
منذبنت سلامة
منذأم سارة
منذ