الهمة العالية - (20) أسباب اكتساب الهمة العالية (3)
فبالجهاد تشرف الهمة، ويرفع الذل عن الأمة، وبه يحق الحق، ويرفع الظلم، وتصحو الأمة من رقدتها، وتنهض من كبوتها. فإذا استولى حب الجهاد على الأمة، وسار في أوصالها، وسرى في مسارب عروقها، عاد لها عزها، ورجع إليها سالف مجدها، وأصبحت أمة مهيبة الجناب، موفورة الكرامة، وأصبح أفرادها متعشقين للبطولة، مترفعين عن كل رذيلة.
10. الجهاد في سبيل الله:
فبالجهاد تشرف الهمة، ويرفع الذل عن الأمة، وبه يحق الحق، ويرفع الظلم، وتصحو الأمة من رقدتها، وتنهض من كبوتها. فإذا استولى حب الجهاد على الأمة، وسار في أوصالها، وسرى في مسارب عروقها، عاد لها عزها، ورجع إليها سالف مجدها، وأصبحت أمة مهيبة الجناب، موفورة الكرامة، وأصبح أفرادها متعشقين للبطولة، مترفعين عن كل رذيلة.
أما إذا تركت الجهاد، وأخذت بأذناب البقر، واشتغلت بمحقرات الأمور، أصابها الوهن، وجثم عليها الذل، وتسلط عليها العدو فاستباح حماها، وسلبها عزها.
11. قوة الإيمان بالله عز وجل:
فالإيمان بالله عز وجل هو الباعث الأعظم للهمة، وهو السبب الأول لشرفها، ذلك أن الإيمان بالله يبعث على الإقدام، والشجاعة، ويدعو إلى الحزم، والجد، والتشمير. ثم إنه السبب الأعظم لتيسير الأمور، والحصول على البركات في الأعمال والأعمار. وأهل الإيمان كما قال ابن تيمية: "ينالون في المدة اليسيرة من حقائق العلوم والأعمال أضعاف ما يناله غيرهم في قرون وأجيال"[1].
وهذا شيء مشاهد محسوس، فالإيمان الصحيح الثابت يقوي الإدارك، ويشحذ القريحة، ويزيد العلم والإيمان، ويبارك في الأعمال وإن قلت، وفي الأوقات وإن قصرت. وكلما ضعفت إرادة العبد، ووهنت قوته في السعي في المعالي، أمده هذا الإيمان الصادق بقوة قلبية ، تتبعها الأعمال البدنية. وكلما أحاطت به المخاوف كان هذا الإيمان حصناً حصيناً يلجأ إليه المؤمن، فيطمئن قلبه، وتسكن نفسه[2].
12. الدعاء:
وقد مر بنا قريباً أن بالدعاء تشرف النفس، وتعلو الهمة.
ثم إن الدعاء سبب لنيل الهمة، وذلك أن الله عز وجل أمر بالدعاء، ووعد بالإجابة، قال عز وجل: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ٱدْعُونِىٓ أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر من الآية:60]، فثمرة الدعاء مضمونة بإذن الله إذا أتى العبد بشرائط الإجابة. فإذا سأل العبد ربه أن يعلي همته، وأن يهديه لكل خير، ويجنبه كل شر، كان ذلك سبباً لعلو الهمة. ولهذا كان من دعاء عباد الله الصالحين أنهم يقولون: {وَٱجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان من الآية:74]، وإمامة المتقين من أعلى مراتب علو الهمة إن لم تكن أعلاها.
13. الحياء:
فالحياء من أقوى البواعث على الفضائل، والحيي لا يرضى بالدون، ولا أن يكون من سقط المتاع، ولا أن يكون غرضاً للوم. فيبعثه حياؤه إلى التحلي بالفضائل، والتخلي من الرذائل، وإلى فعل ما يزين، وترك ما يشين.
14. قراءة القرآن بتدبر وتعقل:
فالقرآن يهدي للتي هي أقوم، وعلو الهمة من جملة ذلك. والقرآن قد دفع إلى الكمالات، إذ ميز بين الطيب والخبيث، وبين الذين يعلمون والذين لا يعلمون، وبين المجاهدين والقاعدين، وبين السابقين والمتخلفين[3].
والقرآن يملأ النفوس بعظم الهمة، وهذا العظم هو الذي قذف بأوليائه ذات اليمين، وذات الشمال، فأتوا على عروش كانت ظالمة، ونسفوها من وجه البسيطة نسفاً، ثم رفعوا لواء العدل والحرية، والمساواة، وفجروا أنها العلوم تفجيراً.
وإذا رأيناه من بعض قرائه همماً شئيلة، ونفوساً خاملة، فلأنهم لم يتدبروا آياته، ولم يتفقهوا في حكمه[4]. فالقرآن هو الذي ربى الأمة، وأدبها، وزكّى منها النفوس، وصفى القرائح، وأذكى الفِطن، وجلا المواهب، وأرهف العزائم، وأعلى الهمم، وصقل الملكات، وقوَّى الإرادات، ومكَّن للخير في النفوس، وغرس الإيمان في الأفئدة، وملأ القلوب بالرحمة، وحفز الأيدي للعمل النافع، والأرجل للسعي المثمر، ثم ساق هذه القوى على ما في الأرض من شر وباطل فطهرها منه تطهيراً، وعمرها بالحق والإصلاح تعميراً.
ثم إن القرآن حرر الأرواح من العبودية للأوثان الحجرية والبشرية، والأبدان من الطاعة والخضوع لجبروت الكسروية والقيصرية، وجلا العقول على النور الإلهي فأصبحت كشافة عن الحقائق العليا، وطهر النفوس من أدران السقوط، والإسفاف إلى الدنايا، فأصبحت نزاعة إلى المعالي، مقدمة إلى العظائم، فلم يزل بها القرآن حتى أخرج من رعاة النعم رعاة الأمم، وأخرج من خمول الأمية أعلام العلم والحكمة.
وبهذه الروح القرآنية اندفعت تلك النفوس بأصحابها تفتح الآذان قبل البلدان، وتمتلك بالعدل والإحسان الأرواح قبل الأشباح،ولقد أحسن من قال:
الله أكبر إن دين محمدٍ *** وكتابه أقوى وأقوم قيلاً
طلعت به شمسُ الهداية للورى *** وأبى لها وصفُ الكمال أُفولاً
والحق أبلجُ في شريعته التي *** جمعت فروعاً للهدى وأصولاً
لا تذكر الكتب السوالفُ عنده *** طلع الصباحُ فأطفا القنديلاً
ولكن سرَّ القرآن ليس في هذا الحفظ الجاف فحسب، ولا في تلك التلاوة الشلاء، وليس من مقاصد القرآن التي أنزل لتحقيقها تلاوته في المآتم وعلى الموتى، ولا اتخاذه مكسبة ونحو ذلك. وإنما السرُّ كل السر في تدبره، وعقله، وفهمه، واتباعه، وتحكيمه، والاهتداء بهديه، والتخلق بأخلاقه [5].
15. الأحداث التي تمر الأمة:
فالأحداث الجسام التي تمر بالأمة هي مما يبعث الهمم، ويوقظ العزائم، لأن تلك الأحداث بمثابة جرس الإنذار، وناقوس الخطر الذي يؤذن بهلاك الأمة وفنائها. فإذا رأت الأمة ما هي عليه من الضعف والتردي، وتسلط الأعداء، بدأت في التفكير السليم، والعمل الجاد، الذي ترد به المعتدي،وتستعيد بها عزها ومجدها.
وإذا استعرضنا تاريخ الأمة السالف، وجدنا أن الأحداث الجسام التي مرت بالأمة كانت، أعظم الأسباب لحفز الهمم، وإيقاظ العزائم، والتي كان نتيجتها أن ظهر في تلك الأثناء أبطال مجاهدون، وعلماء عاملون خلد التاريخ ذكرهم، وأحيا مآثرهم.
فعندما قام الصلييبون بما قاموا به من فساد ودمار في بلاد الإسلام إبان الحروب الصلييبة خرج من أثمال ابن قدامة في العلم، وعماد الدين زنكي، ونور الدين زنكي، وصلاح الدين الأيوبي في الجهاد رحمة الله عليهم أجمعين.
فجمع الله به شمل الأمة، ورد كيد المعتدي، وطهر الأرض من رجسه.
وعندما أغار التتار على بلاد الإسلام وفعلوا ما فعلوا في عاصمة الخلافة بغداد خرج على أنقاض تلك الغارة الشعواء علماء عاملون مجاهدون، جددوا لهذه الأمة أمر دينها جدالاً باللسان، وجلاداً بالسيف والسنان.
وذلك من أمثال شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلاميذه كابن القيم والذهبي، وابن كثير، وغيرهم رحمة الله عليهم أجمعين.
وعندما غشت الديار النجدية غواشي الشرك والبدع وذلك في القرن الثاني عشر وما قبله، خرج في ذلك الجو المظلم شيخ الإسلام، ومجدد الدين في عصره، الإمام محمد بن عبدالوهاب فقام لله، ورفع عقيرته داعياً لتوحيد الله، حتى أظهر الله على يديه السنة، وقمع به ضلالات الشرك والبدعة.
وفي هذا العصر الحديث عندما أتى الاحتلال بشقيه العسكري والفكري، ورام القضاء على الأمة حتى لا تقوم لها قائمة، وظن أنه قد نجح في خطته، وتحقق له ما يصبو إليه خرجت تلك الصحوة المباركة، التي فاح شذاها، وضاع عبيرها في شتى بقاع المعمورة.
فهذه الأحداث وغيرها تؤثر تأثيراً بالغاً في الأمة أفراداً وجماعات.
-----------------
[1] (نقض المنطق لابن تيمية ص [8]، وانظر: هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى لابن القيم ص [234- 248]).
[2] (انظر: الرياض الناضرة لابن سعدي ص [8]).
[3] (انظر: الأخلاق الإسلامية [2/485]).
[4] (رسائل الإصلاح [2/88]).
[5] (انظر آثار الشيخ محمد البشير الإبراهيمي [1/88-93، و252-253، و298]).
- التصنيف: