الفقهُ الواقِع

منذ 2014-11-08

عندما اقتربَ جيشُ التتار من أسوار بغدادَ، تذكرُ الرواياتُ أنَّ من الفقهاء في عاصمة الخلافة المُحاصَرة بالأعداء والمهدَّدة بالسقوط والدمار كان قد طرَحَ في مجلسه العلميّ مسألةً فقهيةً للنقاش، هي ليست من الفقه الافتراضيّ فحسب، بل هي من الفقه الخياليّ المُحلّق في فضاء الغفلةِ وعدم الشعور بمسؤلية العالم وأمانة الكلمة وواجب الوقت.

عندما اقتربَ جيشُ التتار من أسوار بغدادَ، تذكرُ الرواياتُ أنَّ من الفقهاء في عاصمة الخلافة المُحاصَرة بالأعداء والمهدَّدة بالسقوط والدمار كان قد طرَحَ في مجلسه العلميّ مسألةً فقهيةً للنقاش، هي ليست من الفقه الافتراضيّ فحسب بل هي من الفقه الخياليّ المُحلّق في فضاء الغفلةِ وعدم الشعور بمسؤلية العالم وأمانة الكلمة وواجب الوقت. إنَّ الحياء ليمنعُني من مجرَّد ذكر تلك المسألة وهي تتعلَّقُ بحالةٍ غير محتَملةِ الوقوع ولا في الذهن لصورةٍ في المعاشَرة الزوجية، هل يجبُ معها الغسلُ أم لا؟! 

أُحَدّثُ نفسي كلَّما تذكَّرتُ ذلك الفقيهَ وتلك المسألة، وأتساءلُ: ربَّما كان الرجُلُ ملتزمًا بتوجيهات وزارةِ الأوقاف في دولةِ المُستعصم للخطباء بأن لا يتكلَّموا إلا في الفقهِ الواقِع لغرض تغييب وعي الناس عن فقه الواقِع؟! ثمَّ أتساءلُ عن دَور باقي العلماء الصادقين في توعية الناس وتعبئتهم للتصدّي لهذا العدوان على البلاد ووجوب الإعداد للدفاع عنها؟!

وسُرعان ما ألتَمِسُ لهم الأعذارَ فأقولُ: لعلَّهم زُجَّ بهم في السجون لأنَّهم يتكلمون في السياسة ويتدخلون فيما لا يعنيهم!

أو لعلهم مُنعوا من الخطابة ونُحُّوا عن المنابر لأنَّهُم لم يتقيدوا بتعليمات وزارة الأوقاف في حدود المواضيع "المقترحة"!

الخليفةُ كان منشَغِلًا بالترَف واللهو وجمع نفائس الكنوز، وسلَّم قيادةَ البلاد لوزيره الرافضيّ الخبيثِ ابن العلقميّ الذي كان يكاتب التتار سرًا ويشجّعُهم على اقتحام البلاد، وقد مهَّد لهم الطريقَ بتسريح عددٍ كبيرٍ من الجيش، وأذاقَ الناسَ العلقَم.

دخل التتارُ بغدادَ وقتلوا الخليفةَ ركلًا بالأقدامِ بعدما قادَهم إلى كنوزه بنفسه، وسُبيَ أهلُ بيته، وقُتِلَ ألفا ألفٍ من المسلمين، وذُبحَ العلماءُ والفقهاءُ أصحابُ الفقه الخيالي، وحُرّقَت كتبُ العلم، واحترقَ كثيرٌ من تراث الأمة الفقهي.

العجيبُ أنَّ مما لم يندَثر وشاء اللهُ أن يُخلّدَه في ذاكرةِ الأمة تلك المسألةُ الغريبةُ التي لم تقع لليوم ولن تقع، لتبقى شاهدًا تاريخيًا على فسادِ رؤوس الدين وأثرِهم في نكَباتِ الأمَّةِ وضياع مقدَّساتها.

المصدر: صفحة الشيخ على الفيسبوك

جمال الباشا

مؤهلات الشيخ جمال بن محمد الباشا: ماجستير في القضاء الشرعي، دكتوراه في الفقه وأصوله، رسالة الدكتوراه في السياسة الشرعية، مدرس في أكاديمية العلوم الشرعية.

  • 5
  • 0
  • 2,205

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً