إغلاق الأقصى جرس إنذار!

منذ 2014-11-12

جرأة اليهود على إغلاق المسجد الأقصى أمر جاد وخطير، فالمتطرفون من اليهود جادون في بناء الهيكل المزعوم، استجابة لتوراتهم المحرفة، ووصايا ساستهم القدماء، كقول ابن غوريون: "لا قيمة لإسرائيل إلا بالقدس، ولا قيمة للقدس بدون الهيكل"، إذًا فلا بد من هدم المسجد الأقصى كما يزعمون، لبناء الهيكل المزعوم، فتوراتهم تشير أن هذا هو زمان الهيمنة اليهودية، ولن يكون لهذه الهيمنة أي صفة مع استمرار غياب قبلة اليهود، التي يزعمون أنها هدمت قبل ألفي عام، أي هيكل سليمان الذي انطلقت منه دعوات كل أنبياء بني إسرائيل، والذي ستنطلق منه -كما يعتقدون- دعوة نبي اليهود المنتظر..

الحمد الله، فضَّل ديننا على سائر الأديان، وجعلنا أهلَ الإسلام في الناس خير أمة، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، أعزنا بالإسلام، فمهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده، ورسوله، أظهر الله دينه على الدين كله، ولو كره المشركون، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله، وأصحابه، والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.


أما بعد:
أيها المسلمون فاتقوا الله، ونقوا قلوبكم، اجمعوا صفكم، فقد تكالب الأعداء من كل جهة على المسلمين، فبالأمس تجرأت دولة اليهود عن الإعلان بإغلاق المسجد الأقصى، فأعلن المقدسيون النفير العام نجدة للأقصى، وأعلن الفلسطينيون أن المقدسات خط أحمر، وأن إعلان إغلاق الأقصى بمثابة إعلان حرب، ولقد أصبحنا في الآونة الأخيرة نسمع أخبارًا متتالية وبكثرة عن عدد من المحاولات للمتطرفين اليهود للهجوم على المسجد الأقصى، وفي كل مرة يهب الشعب الفلسطيني الأعزل المجاهد الأبي ليُكَوِن حاجزًا بشريًا يدافع عن المسجد الأقصى، فهل هذه محاولات تمهيدية للاستيلاء وللهدم؟ وهل بثها إعلاميًا وبهذا الشكل كل مرة تمهيدًا نفسيًا للمسلمين؟ حتى إذا استمرؤوا مثل هذه المحاولات كانت المحاولة الجادة، وتم الهدم حقًا، ليصبح وقْعُها أخف وأقل أثرًا ، لقد كثرت صيحات وتحذيرات علماء الأقصى، والخبراء، وهم يرون الخطوات الجادة، والمخططات مستمرة؛ لحفر الأنفاق من كل اتجاه لتسهل عملية هدم الأقصى بأي طريقة، ولقد استغل اليهود ظروف العالم الإسلامي والعربي بثوراته وحروبه.

وجرأة اليهود على إغلاق المسجد الأقصى أمر جاد وخطير، فالمتطرفون من اليهود جادون في بناء الهيكل المزعوم، استجابة لتوراتهم المحرفة، ووصايا ساستهم القدماء، كقول ابن غوريون: "لا قيمة لإسرائيل إلا بالقدس، ولا قيمة للقدس بدون الهيكل"، إذًا فلا بد من هدم المسجد الأقصى كما يزعمون، لبناء الهيكل المزعوم، فتوراتهم تشير أن هذا هو زمان الهيمنة اليهودية، ولن يكون لهذه الهيمنة أي صفة مع استمرار غياب قبلة اليهود، التي يزعمون أنها هدمت قبل ألفي عام، أي هيكل سليمان الذي انطلقت منه دعوات كل أنبياء بني إسرائيل، والذي ستنطلق منه -كما يعتقدون- دعوة نبي اليهود المنتظر، والذي يعتقدون أن بناء الهيكل سيعُجل خروجه، والهيكل ليس له مكان آخر يقام فيه -في نظر اليهود- إلا على أرض المسجد الأقصى، والنصارى أيضًا يقدسون مكان الهيكل، ويصلون ويحجون إليه، ولكنهم يؤثرون أن يَدَعُوا لليهود ساحة الصراع عليه الآن حتى إذا أعيد، نَظَمَ النصارى جهودهم لتنصير اليهود، كما يعتقدون هم أيضًا، وهذه نقطة الاتفاق والافتراق بين اليهود والنصارى، ولهذا نرى أن اليهود هم المتصدون منذ دخولهم القدس للعمل لإعادة الهيكل، مع مواطأة ومساعدة من نصارى البروتستانت، الذين يشاركونهم معظم معتقداتهم في الأرض والمعبد.

فملايين النصارى في العالم يتزايد الاعتقاد بينهم بفعل الجماعات الأصولية النصرانية بأن المسيح عيسى بن مريم عليه السلام على وشك العودة، وهم يعتقدون أيضًا أن الهيكل سيكون منطلقًا لدعوته، هكذا يفهمون الإنجيل، وهكذا يفسرون التوراة التي يؤمنون بها مع الإنجيل، والأمر جاد، والنوايا مُبيّتة، والخطوات تتسارع رغم سيرها على درب الأساطير.

وعلى المسلمين أن يعوا أن هدم المسجد الأقصى صار عند يهود العالم ومن شايعهم من النصارى فريضة الوقت، ومسؤولية الجيل، ففي الشهر التاسع من العام الثامن والتسعين بعد التسعمائة والألف انعقد في القدس المؤتمر السنوي السابع لرابطة (إعادة بناء الهيكل)، وتقدر الأوساط الإسرائيلية عدد من حضروا المؤتمر بسبعة آلاف يهودي، وقد قال فيه زعيم منظمة (قائم وحي) اليهودية: "هلموا إلى جبل الهيكل، قاتلوا من أجله، ليس في القاعات ولا بالأقوال سيحرر الهيكل، نحن الآن مدعوون للتضحية بأنفسنا وأرواحنا.."، إلى أن قال: "..سنرفع راية إسرائيل فوق أرض الحرم، لا صخرة ولا قبة ولا مساجد، بل راية إسرائيل فهذا واجب مفروض على جيلنا" إلى آخر كلامه (الحياة 19/9/1998هـ).

ومما يدعم مصداقية هدم المسجد الأقصى: شق الأنفاق، والحفريات المستمرة تحته، والتي تهدف إلى تفريغ الأرض تحت المسجدين، لتركهما قائمين على فراغ، ليكونا عرضة للانهيار السريع، بفعل أي عمل تخريبي، أو حتى اهتزازات أرضية طبيعية أو صناعية، أو بأي سيناريو يُخدع فيه العالم الإسلامي، وخشية بركان الغضب الذي تكتمه أكذوبة المفاوضات والسلام، فقد تم اقتراح بناء السور العازل بين المسلمين واليهود بطول ستين وثلاثمائة كيلًا، وارتفاع ثلاثة أمتار، وقد تم تنفيذه فعلًا، وبناء السور تحقيق لأسطورة دينية عند اليهود، وله ذكر في كتبهم، فهم ينطلقون من موروثات دينية، وإن كانت مُحرفة.

وعندما نقول: بناء الهيكل؛ فالهيكل تسمية قديمة للمكان الكبير المختار للعبادة قبل الإسلام، وكان الهيكل في القدس قبلة لكل أنبياء بني إسرائيل طيلة عهودهم، واستمر المسلمون يصلون إلى بيت المقدس، حتى تحولت قبلة المسلمين إلى الكعبة، بأمر من الله كما قال تعالى: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة:144].

أما البناء والإعداد له، وتجهيز مواده فأسطورة تفوق الخيال، ولكن كل شيء يهون عند يهود اليوم من أجل معتقداتهم وتحويلها إلى واقع، حتى وإن كانت أساطير، وأما المعتقدات الصادقة والثابتة وإن كانت في القرآن والسنة فهي في نظر المنهزمين من بني الإسلام أوهام وتخيلات، ورجعية وتطرف، فماذا تراهم يقولون؟! وماذا تراهم سيفعلون هذه الأيام وهم يسمعون ويشاهدون المحاولات المتكررة الجادة لهدم الأقصى؟! ماذا كتبوا أو قالوا عن تلك الأساطير والخرافات والتي أصبحت حقائق واقعة؟!

فقد أذاعت وكالة الأنباء العالمية أن المتطرفين اليهود في القدس أعدوا كل شيء وفق طقوسهم لبناء الهكيل، وجاؤوا بأحجار لم تلمسها يد إنسان أو إزميل عامل حسب وصف التوراة المبدلة، تم قطعها من صحراء النقب وغيرها، ليتم صقلها في القدس، لاستخدامها في البناء، وسيحتاج المشروع -وفق التقرير- إلى ستة ملايين حجر، ونبه التقرير إلى أنه لم يعد سرًا أن الهيكل تم تصميمه الهندسي في أمريكا، على يد مستشارين هندسيين من يهود أمريكا، وأن التصميم وُضِعَ الآن تحت تصرف الحكومة اليهودية، وأنه تم إعداد فريق متكامل من عمال البناء سيظلون رهن الإشارة للعمل عندما يحين الوقت (الشرق القطرية 19/8/1997م) (الخليج 6/11/1997م )، ولأن هذا العمل عملًا تعبديٌ، فقد قال أحد زعماء جماعة يهودية تخصصت في إعداد الحجارة الأسطورية، قال: "عندما أحمل هذه الحجارة، أشعر بأن شيئًا من الجنة يتحرك فيها" إلى آخر كلماته (الخليج 9/8/1997م).

هذا في أسطورة الحجارة، فماذا في أسطورة الشمعدان السباعي المقدس؟! وماذا عن أسطورة التابوت؟! وماذا عن أسطورة المذبح المقدس؟! وماذا عن الأكاديمية التلمودية الموجودة الآن في القدس؛ والتي تؤهل طلبتها للقيام بالخدمة في الهيكل الكبير عند بنائه؟! كل هذه الأساطير تحولت إلى واقع حي ملموس، إذ لم يبق في زعمهم سوى هدم الأقصى حتى يتم البناء، نسأل الله أن يجعل كيدهم في نحورهم، وأن يكفي قدسنا شرورهم.

أما قصة المذبح المقدس، وماذا سيذبح عليه، فهذه أسطورة أخرى من أعجب أساطيرهم في زمن الحضارة، في زمن العلم والتقدم، إنها أسطورة البقرة الحمراء؛ العاشرة! فما هي قصة البقرة التي أطلق عليها اسم: ميلودي، ومتى وجدوها؟ ومتى ستذبح؟ وكيف سيتحول الشعب اليهودي كله بعد ذبحها إلى شعب أصولي شديد التمسك باليهودية؟ والذي لا يمكن أبدًا أن يمارس العبادة في الهيكل إلا بعد أن يتطهر برماد هذه البقرة بعد إحراقها، وفقًا لقول توراتهم المبدلة: "كل من لم يتطهر فإنه يُنجس مسكن الرب"، انتهت النقل من التوراة، هذه التساؤلات لا أريد أن أوذي أسماعكم بالإجابة عليها، وهذا ما يعتقده اليهود ويؤازرهم النصارى، ولذا فهم يهتمون بقدس الأقداس؛ أو المذبح الذي ستذبح به البقرة الحمراء، وقد انتهوا من بنائه، وهو جاهز للنقل إلى مكانه في الوقت المناسب، ويهتم حاخامات اليهود بهذه البقرة، وقد أُعلن عن ولادتها في عام ألف وتسعمائة وسبعة وسبعين، وبالتحديد في شهر أكتوبر، وبنفس المواصفات التي يزعمون وجودها في كتبهم، وذبحها إشارة من الرب بالبدء فورًا ببناء المعبد اليهودي أو الهيكل، مكان المسجد الأقصى.

هكذا زعموا؛ أساطير وغرائب، لكنها في دولة يهود أصبحت حقائق، فأين الأقلام، أين وسائل الإعلام عن فضح أساطير الجماعات الأصولية اليهودية ونشاطاتهم الخرافية المعلنة، بل الموثقة، من يجرؤ على الحديث عنها كما يُتحدث عن أصول العقيدة الإسلامية ومناشطها، واتهامها بالإرهاب والتطرف، سبحان الله! كيف يسوغ التدين والدعم والتسهيل لأصحاب الدين المحرف، ويـُعَـدّ ذلك تهمة للأنقياء المخلصين من أصحاب الدين الحق.

وهنا يجب أن نتساءل -نحن- معاشر المسلمين: ماذا فعلنا وماذا أعددنا لمواجهة هذه المحاولات؟ ماذا أعددنا لحماية مقدسات المسلمين في القدس؟ فإن على الجميع، وبالأخص العلماء والساسة ورجال الفكر والإعلام والتربية دور عظيم في إثبات الحق، وكشف زيف الباطل، وردعه، بكل الوسائل، ولن نعجز متى فعلنا ما نستطيع، وإذا فعلنا الأسباب، إذا تركنا الكسل والخمول والفتور، وبذلنا المستطاع، فبعدها للأقصى رب يحميه، وقد يقضي الله أمرًا كان مفعولًا، وإن هُدم الأقصى، فلن نيأس، فثقة المسلم بموعود الله أكبر، فَرُب محنة تكون منحة، ففي ثنايا هذه البلايا فرج للمسلمين، ومن يدري فربما تدفع تصرفات اليهود المتطرفة إلى إشعال جذوة الأخوة والتكاتف بين المسلمين، فلعل الخير في هذه الأحداث أن تجمع المسلمين وتوحد صفهم تجاه قضيتهم الكبرى، فلعل بركات أرض الأقصى تكون سببًا في وعي المسلمين وفي يقضتهم وفي جمع كلمتهم.

لكن ينبغي أن نَحذر كل الحذر من الهزيمة النفسية، حتى لو نجح تحقيق شيء مما يخططون له، أو حصول شيء مما يتوقعونه، فالله الله بجمع الكلمة، الله الله بتربية النفوس على العقيدة الصحيحة، على لزوم الصراط المستقيم، على كثرة العبادة لله على علم وبصيرة، والإلحاح والدعاء، والالحاح بالدعاء، فقد قال صلى الله عليه وسلم: «فَإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامًا، الصَّبْرُ فِيهِنَّ مِثْلُ الْقَبْضِ عَلَى الْجَمْرِ، لِلْعَامِلِ فِيهِنَّ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلًا يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِكُمْ» (رواه الترمذي، وقال: حسن غريب).

يا الله ، هذه بشارة للعاملين، للجادين، للباذلين أجر خمسين من الصحابة، فهنيئًا للعاملين، هنيئًا للجادين، للباذلين. فعلى المسلمين حكومات وشعوبًا أن يستشعروا أمانة المقدسات، وأن يفزعوا لنصرة المسجد الأقصى، وألا يتواكلوا ولا يتهاونوا، فاللهم احفظ المسجد الأقصى، وطهره من الأنجاس اليهود، اللهم عليك باليهود فإنهم لا يعجزونك، اللهم اجعل تدبيرهم تدميرًا عليهم، اللهم إنهم يمكرون مكر الليل والنهار فأنت خير الماكرين، فاللهم نجعلك في نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم، واجمع اللهم كلمة المسلمين، اللهم وحّد صفهم، اللهم نَقّ قلوبهم، واجمع كلمتهم، ووحد صفّهم يا رب العالمين، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب، إنه هو الغفور الرحيم.

إبراهيم بن عبد الله الدويش

دكتور في قسم السنة بكلية أصول الدين بالقصيم

  • 7
  • 0
  • 13,627

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً