ومن الناس (2)

منذ 2014-11-13

ربما إلتاث بعض المسلمين بلوثة نفاق، أو ببعض أخلاق اليهود والنصارى من حيث شعر، أو لم يشعر. والمقصود ها هنا التعرف على هذا الصنف المريض، المندس في الصف، والحذر من الوقوع في حبائله وكشفه وتزييفه، وإعانته على التخلص من هذه الأوصاف الاجتماعية الذميمة.

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. أما بعد:
فقد صنَّف الله الناس في صدر سورة البقرة ثلاثة أصناف:
1- مؤمنون خُلَّص: وعرفهم بأربع آيات.
2- كافرون خُلَّص: وعرفهم بآيتين.

3- منافقون: وعرفهم ببضع عشرة آية! وإنما أفاض في توصيفهم أكثر من غيرهم لخفاء أمرهم، وتلبسهم بما ليس فيهم ومراوغتهم؛ فلا إلى هؤلاء، ولا إلى هؤلاء. والنفاق نوعان:
1- نفاق اعتقادي: وهو إظهار الإسلام، وإبطان الكفر، وصاحبه مخلد في النار.

2- نفاق عملي: وهو التخلق بأخلاق تنافي الصدق، وارتكاب أعمال تنافي مقتضى الإيمان.
ففي الصحيحين، مرفوعاً: «آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاَثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ».
وفيهما أيضاً: «أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا: إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ».

فربما إلتاث بعض المسلمين بلوثة نفاق، أو ببعض أخلاق اليهود والنصارى من حيث شعر، أو لم يشعر.
والمقصود ها هنا التعرف على هذا الصنف المريض، المندس في الصف، والحذر من الوقوع في حبائله وكشفه وتزييفه، وإعانته على التخلص من هذه الأوصاف الاجتماعية الذميمة.

وجملة ما وصفه الله به، ورسوله، ما يلي:
أولاً: البجاحة في الكذب: فأحدهم يتبجح بالدعاوى العريضة في وصف حاله وماله وعياله، والأمر خلاف ذلك، كما قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} [البقرة:8]، وقال نبيه صلى الله عليه وسلم: «...إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ...»، والكذب خلق ذميم مكتسب، منافٍ للإيمان، ففي الموطأ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ، أَنَّهُ قَالَ: "قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ جَبَانًا؟ فَقَالَ: «نَعَمْ»، فَقِيلَ لَهُ: أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ بَخِيلاً؟ فَقَالَ: «نَعَمْ»، فَقِيلَ لَهُ: أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ كَذَّابًا ؟ فَقَالَ: «لاَ»"، وفي أطباق المجتمع أناس استمرؤوا الكذب حتى صار لهم سجية، واندلقت ألسنتهم في تشقيق الكلام والمزاعم الجريئة، دون حياء أو ورع.

ثانياً: الخداع: أي التمويه والتضليل للوصول إلى مقاصد باطلة، بحيث يبدو الأمر على خلاف ما هو عليه في الواقع، فيستدرجون الخب ومخموم القلب للوقوع في شراكهم، وإن من سوءات المدنية الزائفة أن تمتهن (الدعاية) المضللة، للإيقاع بالمستهلكين في حبائل إغراءاتها المصطنعة، فتروج بضاعتهم على الغِر، ويتجرع الأقساط غصصاً، ويبقى أسيراً، مرتهناً، لبضع سنين، نتيجة الكلمات المعسولة.

ثالثاً: مرض القلوب: هذه الممارسات المشينة نضحٌ لداء أصاب القلب، وتمكن منه، فلا يزال يحمل صاحبه على اقتحام المحارم، وسقوط الحياء، وخرم المروءة، ويزين له القبيح، ويسمي له الأشياء بغير أسمائها الحقيقية، ثم لا تزال تتعاظم، وتتفاقم مع التمادي، قال تعالى: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا...} [البقرة:10]، ومن ثم يجب أن يبدأ العلاج من القلب، باجتثاث هذه الآفة الخبيثة، بمعاول الإيمان، والخلق الكريم.

رابعاً: فساد التصور: ينشأ عن هذا الخلق الذميم، والشهوة الخبيثة، شبهة فاسدة، فيعتل التصور، كما اعتل القلب، فتبدو لهم الحقائق على غير صورتها، ويخيل إليهم أن ما يرتكبونه من مخازي هو عين المصلحة! قال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ} [البقرة:11]، وكم رأينا وسمعنا، وقرأنا لبعض الكتاب من يزوق الباطل، ويسعى لتغريب المجتمع وجره إلى الرذيلة، وتلويث صبغة الله التي صبغ بها أهل دينه، بصبغات ملوثة من صبغات اليهود، والنصارى، والذين لا يعلمون زاعماً أنه مصلح مجدد، متنور حداثي!

خامساً: الكبر والاستعلاء وازدراء الناس: تنفث بها صدورهم، وتفوه بها ألسنتهم، وتجري بها أقلامهم، في (شنشنة نعرفها من أخزم) قال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ} [البقرة:13]. فلطالما نبزوا أولياء الرحمن، وأهل الحسبة والإيمان، بألقاب السوء، من جنس: (رجعيون)، (ظلاميون)، (إرهابيون)، في قائمة طويلة من السباب، والشتائم، والمهاترات.

سادساً: موالاة الكافرين، وخيانة المؤمنين: يبذلون الادعاءات الرخيصة في الوطنية والولاء والانتماء، وقلوبهم مع الأجنبي، والغازي، والمستعمر، قال تعالى: {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} [البقرة:14]. انخلعوا من رابطة الدين واللغة، والتاريخ والجغرافيا، وولَّوا وجوههم شطر المشرق والمغرب، يستجدون الأعطيات، ويرتادون السفارات، ثم يقابلون قومهم بالوجه الآخر!

سابعاً: الغدر في الخصومة: ما إن يظفروا من ناصح هفوة، أو يقتنصوا من عالم زلة، حتى يطيروا بها في الآفاق، ويجعلوا من الحبة قبة، ويصيحوا في كل واد وناد، معلنين النفير، مستعملين جميع ضروب التشهير، لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة، ولا يلتمسون المعاذير. ولعمر الله! إنهم لحقيقون بالوصف النبوي: وإذا خاصم فجر.

تلك بعض سمات المنافقين قديماً، وحديثاً، وهم فيها ما بين مستقلٍ، ومستكثر، والمعصوم من عصمه الله، والمعافى من عافاه الله.
 

المصدر: مركز المشير للاستشارات التعليمية والتربوية

أحمد بن عبد الرحمن القاضي

أستاذ في قسم العقيدة بجامعة الإمام محمد بن سعود

  • 0
  • 0
  • 3,957

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً