جامع فضائل الخير
والحياء من الله يكون بامتثال أوامره والكف عن زواجره، قيل لعمر بن عبد العزيز: "إذا ذهب الحياء ذهب نصف الدين"، قال: "لا بل إذا ذهب الحياء ذهب الدين كله".
الحياء لفظ جامع لكل فضيلة، مانع عن كل رذيلة، وهو يدفع صاحبه إلي الخير ويعصمه من الشر، ألا ترى أن الإنسان يهم أن يأتى بالمنكر ولكنه ما يكاد يهم حتى تنازعه نفسه، فلا يكاد يقبل حتى يدبر، ولا يكاد يخطو حتى يغلبه الحياء ويعود الى عقله.
وما ذهب ماء الحياء عن وجه إنسان إلا كسته العيوب، وارتكب المآثم وغرق فى المعاصى، واستخف بالدين، ولم يبال حتى بالناس، فلا وازع له من دين ولا رادع له من خلق، ولاتنفع فيه موعظة، ولا تجدى فيه نصيحه ولا يستجيب الا لهواه، ولا ينقاد الا لشهواته قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « » (أخرجه مسلم).
فالحياء زينة يتزين بها الإنسان الصالح سواء أكان رجلًا أو أمرأة، ففى الحديث عن أبى هريرة رضي الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: « » (صحيح البخاري).
فالحياء خلق كريم أمرنا به النبي صلى الله عليه وسلم، واتصف به الأنبياء فعن أبى سعيد الخدري: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء فى خدرها، وكان إذا كره شيئًا عرفناه فى وجهه".
وليس ذلك مما استحدثه الإسلام بل إنه من أصول رسالات الأنبياء جميعًا، ففى صحيح البخارى من حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إ ».
والمقصود أن الحياء لم يزل مستحسنًا فى شرائع الأنبياء جميعًا وأنه لم ينسخ، فهو خلق كريم فى كل أوان وزمان، ويجب أن يتصف به جميع الخلق لأنه زينه للإنسان ورفعه لشأنه.
قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف « » (صحيح أبي داود).
فكل هذه الأحاديث التى تدل على أن الحياء صفه من صفات الله عز وجل وخلق كريم اتصف به أنبياؤه صلوات الله عليهم وسلامه، فأولى الناس باتباع هذا الخلق هم المسلمون .
والحياء إما من الناس، وإما حياء من النفس، أو حياء من الله وهو أعظمهم وأفضلهم، جاء فى حديث ابن مسعود رضى الله عنه ان النبى صلى الله عليه وسلم قال: «ا »، فقيل: "يا رسول الله كيف نستحيى من الله عز وجل حق الحياء؟"، قال: “ « » (أخرجه الترمذى).
إذا فالحياء طريق من الطرق الموصلة لتقوى الله، فإذا الإنسان راقب الله فى كل أقواله وأفعاله وأصبح كل همه إرضاءه عز وجل أرتفع قدره بين الناس واتخذوه قدوة حسنة.
قال الماوردى عن نفسه: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فى المنام ذات ليلة فقلت: "يا رسول الله أوصنى"، فقال: "استحيى من الله عز وجل حق الحياء"، ثم قال: "تغير الناس"، فقلت: "وكيف ذلك يا رسول الله؟"، قال: "كنت أنظر إلى الصبى فأرى من وجهه البشر والحياء، وأنا أنظر إليه اليوم فلا أرى ذلك فى وجهه".
والحياء من الله يكون بامتثال أوامره والكف عن زواجره، قيل لعمر بن عبد العزيز: "إذا ذهب الحياء ذهب نصف الدين"، قال: "لا بل إذا ذهب الحياء ذهب الدين كله".
وأما الحياء من الناس فيكون بكف الأذى وترك المجاهرة بالقبيح، روى في الأثر أنه: "من تقوى الله اتقاء الناس".
وأما الحياء من النفس فيكون بالعفة وصيانة الخلوات، قال بعض العلماء: "من عمل فى السر عملًا يستحى منه فى العلانية فليس لنفسه عنده قدر".
فالحياء خلق كريم يبعث على فعل كل مليح وترك كل قبيح فهو من صفات النفس المحمودة، وهو رأس مكارم الأخلاق، كما فى قوله صلى الله عليه وسلم: «إ » (صحيح ابن ماجة [3389]). ورغم كل هذه الأدلة على أهمية الحياء إلا إن كثيرًا من الناس تخلو عنه بل أصبح فى زمننا هذا شييء نادر الوجود.
فالواقع الذى نعيشه فيه صور محزنه ومؤلمة من التخلي عن الحياء، هذه الصور تهدد حياتنا مالم يتحرك الغيورون منا لتغييرها، ومن هذه الصور قلة احترام الوالدين ورفع الصوت عليهما.
ومنها عدم احترام المعلمين والمعلمات وترك الادب معهم والأستهانة بتوجيهاتهم، وهذه من أسباب تدنى التعليم فى مجتمعنا، بل أصبح الكثير لايحترمون حق الآخرين فى تنفس الهواء النقي وذلك بالتدخين العام وما يسببه للمدخن ولمن بجانبه، فالتدخين معصيه يزيد قبحها بالمجاهرة بها فقد ثبت فى الصحيح: قوله صلى الله عليه وسلم: « ».
ومن أبشع صور قلة الحياء تفشي العري بين النساء فى المجتمع، وظهور بعضهن بملابس فاضحة خليعة وخروجهن بملابس ضيقه خليعة، ولا يوجد من يعظهن من أب أو أم، قال صلى الله عليه وسلم: « » ا(صحيح البخاري [893]).
وبحسب حياة القلب يكون الحياء، وقلة الحياء من علامات موت القلب والروح..
ومع أن الحياء كله خير إلا أنه إذا منع صاحبه من طلب العلم أو منعه من الأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر فهو مذموم، قالت عائشة رضي الله عنها: "نعم النساء نساء الأنصار لم يكن يمنعهن الحياء أن يتفقهن فى الدين".
نهال عبد الله | 1/1/1436 هـ
- التصنيف:
- المصدر: