الغيرة بين الأبناء؛ متى ولماذا؟

منذ 2014-11-15

الغيرة هي أحاسيس إنسانية خلقها الله فوجودها طبيعي عند الطفل، فالقليل منها يُشكِّل دافعًا نحو تطور المنافسة، لكن الكثير منها يُفسِد الحياة. فعندما نرى سلوكًا عدوانيًا عند أبنائنا -عندها- يجب أن نعلم أنه من الآثار الناجمة عن الغيرة بين الأطفال ولا بد معرفة أسبابها وعلاجها فورًا.

تحدث الغيرة عندما يمتزج الغضب والخوف وحب التملُّك، وعندما يشعر الطفل باغتصابٍ فردٍ آخر لما يَعتبره حقًا لنفسه يُصبح طفلًا غيورًا، فالغيرة عند الأطفال ليست -كما يعتقد البعض- مرضًا، بل هي ألمٌ داخلي ومعاناةً نتيجة منافسة حقيقية بُغية الفوز والسيطرة.

ويرتبط الشعور بالغيرة بنمو المشاعر والعلاقات، فالطفل يبني علاقته الحقيقية الأولى مع الأم، وهذا الإحساس "بتملُّك" الأم هو الذي يُظهِر شعور الغيرة لديه.

فالغيرة هي أحاسيس إنسانية خلقها الله فوجودها طبيعي عند الطفل، فالقليل منها يُشكِّل دافعًا نحو تطور المنافسة، لكن الكثير منها يُفسِد الحياة. فعندما نرى سلوكًا عدوانيًا عند أبنائنا -عندها- يجب أن نعلم أنه من الآثار الناجمة عن الغيرة بين الأطفال ولا بد معرفة أسبابها وعلاجها فورًا.

فلكل ابنٍ من الأبناء شخصية فريدة به، ومختلفة عن الآخرين اختلاف بصمات اليد الواحدة، وهذا الاختلاف في طباع وشخصية الأبناء هو من أهم جوانب التشابه بينهم، وعلى الآباء إدراك ذلك واحترامه.

فالتفرُّد يعني أن سلوك كل ابنٍ وطباعه ورغباته مختلفة عن الآخرين، وبالتالي يختلف التعامل مع كل واحد فيجب ألا نقارن بين أبنائنا ولا نسمح للآخرين بعقد هذه المقارنات إن أمكن، ولا نشجع أبنائنا على أن يقارنوا أنفسهم بالآخرين.

ومن الآثار التي تترتب على غيرة الطفل هو إظهار عدم السعادة بشكلٍ عام نتيجة شعوره بأنه فقد الحب والحنان الذي كان يحظى به من والديه، وقد تتحوّل هذه المشاعر إلى سلوكٍ عدواني إما نحو الطفل الصغير الذي يَعتبره مُنافِسًا له بعد أن استولى على عرشه في حضن أُمه أو متوجهًا نحو الوالدين، أو الممتلكات الشخصية بمحاولة إتلافها وتخريبها، إضافة إلى التقلُّب المزاجي وعدم الرضا بالهبات التي قد تُقدَّم له من المحيطين مهما كانت غالية الثمن؛ كمحاولةٍ منهم عن تعويضه بما فقده من حنانٍ وإن قبلها فإن ذلك يكون وقتيًا وسرعان ما يتذكّر الهبة الكبرى التي فقدها وهي "حضن أُمه" الدافئ.

فعلى الآباء استثمار ظاهرة الغيرة إيجابيًا إذا شعرنا بوجودها بين أبنائنا، كإيصال الطفل الكبير لمراحل مُتقدِّمة من النضج بأن نَغرِس في نفسه قِيم النضج العقلي - مثل أن نعتمد عليه في رعاية أخيه الصغير وإقناعه بأنه سيكون قدوته الذي يتعلّم منه، ويمكن تكليف الكبير ببعض الواجبات منها مراقبة أخيه الصغير حتى يشعر بأنه لا زال محبوبًا وموضع اهتمام والديه.

أيضًا يمكن استثمار الغيرة بين الأطفال كتوليد المنافسة الإيجابية للوصول إلى الأفضل على أن لا تصل المنافسة لمستوى الصراع ودون مقارنة الأبناء بعضهم ببعض واحترام قدراتهم جميعًا.

فالاضطرابات السلوكية لدى الأبناء يمكن أن نرجعها لبعض الأسباب: منها تفضيل الذكر على الأنثى في مجتمعنا، ولذلك نسبة الغيرة في البنات أكثر منها في البنين، وعند الأذكياء أكثر منها عند قليلي الذكاء، وبين الأطفال الذين لا يوجد فارق في السن بينهم.

فالتمييز في المعاملة بين البنت وأخيها لكونه ذكرًا وبالتالي هو مُفضَّل من قبل والده والآخرين - حيث يعاقبون البنت على أي سلوك مزعج تقوم به، وبالمقابل لا يعاقبون أخاها على أي شيءٍ يفعله! إضافةً إلى الهدايا والكلام اللطيف غالبًا ما يكون من نصيبه مما يُسبِّب الحزن لها مع إظهار مشاعر كراهية لأخيها ولكل من يهتم به.

إن الآباء والمعلمين يلعبون دورًا رئيسيًا في تشكيل الغيرة لدى الأطفال من خلال الاهتمام الذي يظهرونه لأحد الأولاد دون سواه، فقد يخلق ذلك في نفوس باقي الأولاد عقدة الغيرة أو عقدة التنافس المرضي. فبعض الآباء أو المدرسين يظنون أن التنافس ظاهرة صحية ويسعون لزرعها في الأولاد وذلك من خلال تشجيع أحد الأولاد دون غيره لتميزه في شيءٍ ما. إلا أن ذلك يُنمِّي الضغينة والبغضاء في نفوس الأولاد وخاصةً إذا كان عن طريق عقاب الآخرين وتركه يفعل ما يشاء فذلك يُولِّد عقدة التنافس التي تحول بعد ذلك إلى الحق المتبادَل.

فالمقارنات التي يجريها الكبار بين الأطفال الذين يعانون من صعوباتٍ ما مع غيرهم من الأطفال الناجحين فغالبًا ما تخلق في نفوس الأطفال عدم الثقة بالنفس، وأيضًا ينشأ شعورٌ بالنقص مع عدم إمكانية التغلُّب عليه كنقص الجَمال أو القدرة الجسمية أو الثياب والممتلكات من الألعاب.

إن الخوف من فقدان محبة والدَيهم أو أحدهما سببٌ رئيس في الغيرة بين الإخوة، ومن المنطقي أن يحاول الطفل الغيور -بصورةٍ لا شعورية غالبًا- إزالة منافسه بالاعتداء عليه، أو بالاستهزاء منه، بمحاولة تحقيره، بالمنافسات، أو بالمشاجرات، أو بالأحقاد أحيانًا، وأحيانًا أخرى بتفريغ غيرته بصورةٍ رمزية بالانقضاض على لُعبه، أو أي شيءٍ يخص منافسه، فيضربها بقسوة، أو يدوسها ويُحطِمها أو يرسم منافسه "أخاه" بصورةٍ غير جميلة. وقد يكبِت الطفل الميولَ العدوانية نتيجة تأثير والدَيه، ويُسبِّب هذا الكبت تأثيرًا نفسيًا حسب شدته ومدى استمراره.

فالأبناء تزداد لديهم مشاعر النقص بسبب ما يلجأ إليه الكبار باستمرار من أساليب اللوم أو الاستهزاء، وغالبًا ما يتوهم الآباء بأنهم يستحثون الأطفال إلى الأفضل لكنهم لا يدركون الدلالة التربوية والنفسية حيث أنها تُولِّد في نفوسهم تاثيرًا عكسيًا.

وللتغلُّب على هذه المشكلة يجب أن نكون على علمٍ بالداء لأنه نصف الدواء كما يقول الحكماء؛ فمعرفة أسباب الغيرة تنفعنا كثيرًا في العلاج حين نتوقى العوامل المسببة للمرض، إضافةً إلى أن أهم علاج للغيرة يتركّز في إشباع حاجتهم للحب والحنان مع الاهتمام بوجودهم وهي نفس الأسباب التي تدفعهم للعناد وعدم طاعة الوالدين..

فالغيرة والعناد قرينان حين يوجد أحدهما تجد الآخر، وهي نتاج للعناد. ففي بادئ الأمر يكون الطفل مُعانِدًا لأسبابٍ مرّت معنا، فإذا لم يتم علاجه، يتفاقم الأمر عليه ويُصاب بمرض الغيرة فلا ينسى الوالدان أن يسمّعاه كلمات الحب والإطراء والتقدير والمديح والاهتمام بوجوده.

فالأم لا بدّ لها من إشعار الطفل بأنه كبير وإن اهتمامها بالصغير لعجزه وعدم مقدرته إضافةً إلى إعطائه جملة من الامتيازات لأنه كبير. فلا يصح الاهتمام بالوليد دون أن يحصل هو على امتيازات الكبار، ولا بدّ من الحرص على إعطائه بعض الأشياء لأنه كبير، مثل أن تخصّه بقطعةٍ من الحلوى مع القول له: هذه لك لأنك كبير، ولا تعطيها لأخيك لأنه صغير، وهذه اللعبة الجميلة لك لأنك كبير، أمّا هذه الصغيرة فهي للصغير، وكذلك يجب الحذر من إعطائه لعبة بعنوان أنها هدية له من أخيه الوليد، لأنّ هذا التصرّف يُوحي له بالعجز عن تقديم هديةٍ لأخيه مثلما فعل الأصغر منه، وتزيد غيرته منه.

أيضًا لا بدّ أن تمنع الأم بحزمٍ محاولة الطفل الكبير إيذاء أخيه الصغير بأن يرفع يده ليهوي بها عليه. بأن تمسكي يديه أو الحاجة التي يحملها لضربه، ومع ذلك إمسكيه واحضنيه بعطفٍ واحمليه بعيدًا عن أخيه. لأن الطفل بالحقيقة لا يريد إيذاء أخيه، ولكن سوء تعامل الوالدين واهتمامهم بالرضيع دونه دفعه إلى هذا الفعل، لذا ينبغي على الأم أن تمنع الأذى وتقبل مشاعره الغاضبة عنده لأنه لا يملك القدرة على التحكم بها.

ويجدر بالوالدين عدم التدخل في الخلافات بين الأبناء، ما دام التدخل لا فائدة مرجوّة منه بسبب الغيرة التي هي وقود النزاع بين الإخوة والتي تحتاج إلى علاج كما أسلفنا. هذا إن كانت الخلافات لا تتعدى الإيذاء الشديد بأن يكسر أحدهما يد الآخر، أو يكون أحدهما ضعيفًا يتعرّض للضرب الشديد دون مقاومة.

إن الأفضل في مثل هذه الحالة إيقاف النزاع، ولو أن عدم تدخل الوالدين تنهي الخلاف بشكلٍ أسرع، ولكن لعل نفاد صبر الوالدين يجعلهم يتدخلون في النزاع، وهنا يجدر بهم أن لا يستمعوا إلى أي أحد من أطراف النزاع، ولا الوقوف مع المظلوم أو العطف عليه، لأن الاستماع وإبداء الرأي وإبراز العواطف لأحدٍ دون آخر يزيد في الغيرة التي تدفعهم إلى العِراك. كما يجدر بالوالدين عدم إجبار طفلهم الذي انفرد باللعب أن يشارك إخوته الذين يريدون اللعب معه أو بلعبته، إن إجباره يُولِّد حالة الشجار فيما بينهم.

فيجب أن نُعوِّد الأبناء على تقبُّل مدح الآخرين لهم أو مدح المدرِّس لأحد الطلبة دون بقيتهم، ويجب أن يعلموا أيضًا أن يبحثوا عن أسباب المدح ليوجدوها في أنفسهم دون أن يتضايقوا أو تنبُت مشاعر غيرة عدائية عندهم وهذا لن يكون إلا بالتدريب على التعامل مع هذه المشاعر داخل نطاق الأسرة.

ونصيحة للأم.. بأن يبقى حضنها الدافئ الحنون الذي لا يخذل الطفل مهما كبر ويكون هو ملاذه الأول والأخير.


 كوثر خليل
 

  • 8
  • 0
  • 22,501

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً