على قدر سيركِ على صراط الدنيا ستسيرين على صراط الآخرة
سوزان بنت مصطفى بخيت
على قدر سعينا وتقرُّبنا إلى الله في هذه الدنيا، سيكون سيرنا على الصراط يوم القيامة، والله المستعان، وعلى قدر محبتنا وشوقنا إلى الله وسعينا لمرضاته في هذه الدنيا بالأفعال والأقوال وما تُخفي القلوب، سيكون سعيُنا يوم القيامة على الصراط المستقيم، والله المستعان.
- التصنيفات: تزكية النفس - أعمال القلوب - الحث على الطاعات - الطريق إلى الله -
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه.
أما بعد، فتمر بنا الأيام والليالي وسط انشغالات الحياة، تتخوَّلها موعظة وراء الأخرى؛ لتذكرنا بالهدف الأساسي من خَلْقِنا؛ لنعود لله عز وجل ونتقرب إليه، ثم ننشغل مرة أخرى، وتستمر الحياة حتى تأتي اللحظة الفاصلة حين تأتينا المَنية، ونموت وندفن في القبور في انتظار اليوم الموعود؛ يوم الحساب.
يوم يفرُّ المرء من أخيه، وأمه وأبيه، وصاحبته وبنيه!
يوم تَذهلُ كلُّ مرضعة عما أرضعت، وتضع كل ذات حمل حملها، وترى الناس سكارى من شدة الخوف والهلع!
يوم لا يأمن العبد على نفسه، ولا يعلم إلى أين مصيره: أجنات تجري من تحتها الأنهار، أم نار وقودها الناس والحجارة؟!
يقول القرطبي رحمه الله: "تفكَّر الآن فيما يحل بك من الفزع بفؤادك إذا رأيت الصراط ودقَّتَه، ثم وقع بصرك على سواد جهنم من تحته، ثم قرَع سمعَك شهيق النار وتغيُّظُها، وقد كُلِّفت أن تمشي على الصراط، مع ضعف حالك، واضطراب قلبك، وتزلزل قدمك، وثقل ظهرك بالأوزار المانعة لك من المشي على بساط الأرض، فضلًا عن حدة الصراط، فكيف بك إذا وضعت عليه إحدى رجليك، فأحسست بحدَّته، واضطررت إلى أن ترفع قدمك الثانية، والخلائق بين يديك يزِلُّون ويتعثرون، وتتناولهم زبانية النار بالخطاطيف والكَلاليب، وأنت تنظر إليهم كيف ينكسون إلى جهة النار رؤوسهم وتعلو أرجلهم، فيا له من منظر ما أفظعَه، ومرتقًى ما أصعبَه، ومجال ما أضيقَه، فاللهم سلِّم سلم" (التذكرة للقرطبي، ص: [757]).
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في وصف السائرين على الصراط: « »، قالَ: قُلتُ: بأبي أنتَ وأمِّي، أيُّ شيءٍ كمرِّ البرقِ؟ قالَ: « »، قالَ: « » (رواه مسلم: [195]).
لو تأمَّلنا هذا الحديث، لوجدنا مشهدًا مخيفًا توجل منه القلوب، نتناساه كثيرًا، لكن حين نتذكره نتساءل:
يا ترى كيف سيكون حالنا؟
وكيف سنسير على الصراط؟
وكيف السبيل إلى معرفة ذلك؟
يقول ابن قيِّمِ الجوزية رحمه الله: "على قدر ثبوت قدم العبد على هذا الصراط الذي نصبه الله لعباده في هذه الدار، يكون ثبوت قدمه على الصراط المنصوب على متن جهنم، وعلى قدر سيره على هذا الصراط يكون سيره على ذاك الصراط؛ فمنهم من يمر كالبرق، ومنهم من يمر كالطيف، ومنهم من يمر كالريح، ومنهم من يمر كشد الركاب، ومنهم من يسعى سعيًا، ومنهم من يمشي مشيًا، ومنهم من يحبو حبوًا، ومنهم المخدوش المسلَّم، ومنهم المكردس[1] في النار" (مدارج السالكين ج1، ص: [16]).
أي على قدر سعينا وتقرُّبنا إلى الله في هذه الدنيا، سيكون سيرنا على الصراط يوم القيامة، والله المستعان، وعلى قدر محبتنا وشوقنا إلى الله وسعينا لمرضاته في هذه الدنيا بالأفعال والأقوال وما تُخفي القلوب، سيكون سعيُنا يوم القيامة على الصراط المستقيم، والله المستعان.
فهل بذلنا ما في وسعنا من التقرُّب إلى الله، أم ألهتْنا الدنيا وشهواتها ولذاتها؟!
فإن سألت سائلة: وكيف السبيل إلى ذلك وقد شغلتني مسؤوليات البيت والزوج والأولاد، وبالكاد أؤدي الفروض؟!
فأقول لكِ أختاه: وهل نسيتِ عبادة الذِّكر والاحتساب؟!
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: « » (رواه البخاري: [1]).
فكل عمل تقومين به، لو قمتِ به لله عز وجل واحتسبتِ الأجر عنده، لكان لكِ عبادة: فحينما ترتِّبين البيت وتنظفينه، احتسبي أجر إدخال السرور على الزوج والأولاد لرؤيتهم البيت نظيفًا، وأن الطهارة شطر الإيمان.
وحين تهتمين بنفسكِ، احتسبي أجر حُسن التبعُّل للزوج.
وحين تطبخين الطعام، احتسبي أجر إطعام مسلم.
وهكذا، اجعلي لكل عملٍ نية أنك تؤدينه لله عز وجل، واحتسبي الأجر فيه، وكلما أكثرتِ من النيات في العمل الواحد، كلما حصلتِ على أجور وثواب أكبر.
وكذلك عبادة الذكر، فهي من أيسر وأسهل العبادات، ولا تحتاج منكِ سوى تحريك اللسان بالحمد والتهليل، والتسبيح والاستغفار، مع إيمان بالقلب لما تردِّدينه.
فإن سألت سائلة: وهل هناك من عمل أقوم به يدخلني الجنة؟!
فأقول: لقد سبقكِ بسؤالكِ الصحابيُّ معاذ بن جبل رضي الله عنه، فقال: قلتُ: يا رسول الله، أخبرني بعمل يدخلني الجنة، ويباعدني من النار؟!
قال: «تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ . فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة:16-17]، ثمَّ قال: « »، قلت: بلَى، يا رسولَ اللهِ، قال: « »، ثمَّ قال: « »، قلتُ: بلَى، يا نبيَّ اللهِ، فأخذَ بلسانِهِ، وقال: « »، فقُلتُ: يا نبي الله، إِنَّا لَمؤاخَذونَ بما نتَكلَّمُ به؟ قال: « » (مشكاة المصابيح: [28]، حسَّنه الألباني).
أي إن المطلوب منكِ أختاه أن تستعيني بالله وتقومي بالتالي:
• التوحيد: ويشمل توحيد الألوهية، وتوحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفات.
• الصلاة: الفروض والنوافل، بالأخص قيام الليل، ولو ركعتين قبل الفجر.
• الزكاة والصدقة فهي مما يمحو الخطيئة كما تطفئ الماء النار.
• الصوم، فهو جُنة المؤمن.
• الحج (إن استطعتِ).
• الجهاد، ويشمل مجاهدة النفس والفتن والمعاصي والشهوات والملهيات وغيرها.
• وأخيرًا، حفظ اللسان، من الغِيبة والنميمة وإيذاء الناس وغيرها.
فهل تستطيعين تحقيقها لتنالي الجنة؟!
هل اشتياقكِ لله عز وجل يستحق التضحية بملذَّات الدنيا؟!
هل فعلًا ترغبين في جنة عرضها السموات والأرض؟!
تذكَّري: على قدر سيركِ على الصراط في الدنيا، سيكون سيركِ على الصراط في الآخرة إن شاء الله.
وآخر دعوانا أنِ الحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1]- (انقبض واجتمع بعضه إلى بعض).