لا دين حقا إلا الإسلام

منذ 2008-08-03

أساس الدين هو الاعتقاد بأن الله رب العالمين وأن هؤلاء العالمين منهم من آمن بالله تبارك وتعالى ومنهم من كفر بالله تبارك وتعالى ولم يجعل الله تبارك وتعالى صراط المؤمنين هو صراط الكافرين بل جعل صراط هؤلاء غير صراط هؤلاء....


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلله فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

أما بعد:
فإن خير الكلام كلام الله تعالى, وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم, وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة, وكل بدعة ضلالة, وكل ضلالة في النار.

وبعد إخواني يقول الله تبارك وتعالى: {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [التغابن: 1،2] ويقول جل وعلا: {حم (1) عسق (2) كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3) لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (4) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي الْأَرْضِ أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (5) وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَولِيَاء اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ (6) وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (7) وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن يُدْخِلُ مَن يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُم مِّن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ} [الشورى: 1 : 8] وقال جل وعلا {إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً (19) وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً (20) يُدْخِلُ مَن يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً} [المزمل: 19 : 21].

هذه مشيئة الله تبارك وتعالى وقدرته وخلقه جل وعلا, فالله خالق كل شيء وهو رب العالمين سبحانه وتعالى، ومن هذه العوالم "بني آدم" خلقهم الله تبارك وتعالى بدأ بآدم عليه السلام في الجنة, وكذلك من العوالم "الجن" عالم رأسه إبليس, وكان من شأن آدم وإبليس ما سمعتم ما قصه الله تبارك وتعالى علينا معصية من آدم بإغواء إبليس, ثم إهباط لهما من الله تبارك وتعالى إلى هذه الأرض, وقول الله تبارك وتعالى لهما: {قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى (126) وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى} [طه: 123 : 126] شاء الله أن يسكن آدم وذريته هذه الأرض, وأن يهبط معهم إبليس رأس الشر, وأن يكون هناك معركة بين أولياء الله تبارك وتعالى وأولياء الطاغوت أولياء الشيطان, هذه معركة مستمرة، شاء الله تبارك وتعالى أن يكون الأمر على هذا النحو مؤمن وكافر, وأن هذه القسمة قسمة في الدنيا وقسمة في الآخرة, يفصل الله تبارك وتعالى بين أولياءه وبين أعداءه قال الله جل وعلا: {إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (1) لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ (2) خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ (3) إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجّاً (4) وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسّاً (5) فَكَانَتْ هَبَاء مُّنبَثّاً (6) وَكُنتُمْ أَزْوَاجاً ثَلَاثَةً (7) فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (8) وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ (9) وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ} [القيامة: 1 : 11] فقول الله {وَكُنتُمْ أَزْوَاجاً ثَلَاثَةً} أشكالا ثلاثة, كل ينضم إلى شكله وزوجه، كما قال جل وعلا {وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ} [يس: 59] امتازوا تَمَيّزاً عن أهل الإيمان؛ فالفرقان في يوم القيامة بين أهل الإيمان وبين أهل الكفران، وقد جعل الله تبارك وتعالى مستقر أهل الإيمان الجنة ومستقر أهل الكفران النار، هذا الأمر هو أساس الدين؛ أساس الدين هو الاعتقاد بأن الله رب العالمين وأن هؤلاء العالمين منهم من آمن بالله تبارك وتعالى ومنهم من كفر بالله تبارك وتعالى ولم يجعل الله تبارك وتعالى صراط المؤمنين هو صراط الكافرين بل جعل صراط هؤلاء غير صراط هؤلاء، قال جل وعلا: {قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152) وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام: 151 : 153] هذه وصية الله تبارك وتعالى إلى خلقه, أمر ونهي؛ فَأَمَرَ الله تبارك وتعالى أهل الإيمان بهذه الأوامر العشر بأن يتخذوها إليه, ثم ختمها سبحانه وتعالى بأن هذا صراط الله المستقيم, وصراطه هو الذي بينه وأوضحه, وأرسل الرسول داعيا إليه {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (52) صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأمُورُ} [الشورى: 52، 53] فمن ظن ومن اعتقد أن الجميع واحد ولم يفرق بين أولياء الكفر والإيمان، وبين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان, وبين الطاعة والمعصية, وقال الكل شيء واحد ولكلٍ أن يختار السبيل الذي يراه, والحق ليس معلوماً بذاته وبعينه, فكل ما اعتقده من اعتقده فهو حق, فأي معتقد إذا اعتقد عقيدة فرأى أنها الحق فهي حق, هذا دين الكفر, دين الجاهلية الذين يُسَوّون بين الحق والباطل, فلا يفرقون بين الهدى والضلال، بين السنة والبدعة، بين الطاعة والمعصية، بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، من اعتقد وسوى بين هذا وهذا فهذا هدم أساس الدين الذي أرسل الله تبارك وتعالى به الرسل، هدم لأكبر حق بينه الله تبارك وتعالى في كتابه، وهذا الحق أن الله تبارك وتعالى أقام السماوات والأرض من أجل هذا، من أجل أن تقوم هذه الخصومة بين أهل الإيمان وبين أهل الكفران، بين أن يقوم هذا الفرقان بين من اتبع سبيل الله تبارك وتعالى ومن اتبع سبيل الشيطان، بين الله الإله الحق وبين الآلهة الباطلة التي تعبد من دونه سبحانه وتعالى، فمن سوى بين الله وبين ما يعبد من دونه فهو أكبر الكافرين، ومن سوى بين طريق الله تبارك وتعالى وطريق الشيطان فهو أكبر الكافرين بالحق الذي أقيمت عليه السماوات والأرض، قال الله تعالى {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ (27) أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ (28) كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} [ص: 27 : 29].
 فمن ظن أن الله تبارك وتعالى أقام هذا السماوات والأرض على غير الحق, وأن كل إنسان له أن يعتقد ما يشاء, وأنه لا فرق بين ما اعتقده من اعتقده من الأمم, فدين اليهود ودين النصارى ودين المسلمين ودين المجوس ودين كل صاحب دين إنما هو شيء واحد, وأن كل من اعتقد شيئا فهو على حق ما دام أنه يعتقده هو, وهو يحلو في نظره وقد ارتاح له, وأنه لا فرق بين الهدى والضلال, وبين مؤمن وكافر, وبين سنة وبدعة, وبين طاعة ومعصية, فهذا أكبر عدو لله تبارك وتعالى؛ لأنه يهدم أساس الخلق وأساس الحق الذي أقام الله تبارك وتعالى عليه هذه السماوات والأرض {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً} يعني: سدىً عبثا لا يحاسب الله تبارك وتعالى أحد على ما يعتقده بل كل من اعتقد شيئا فليعتقده فإن هذا اختيار؛ يعني ترك الله تبارك وتعالى الناس لاختيارهم, وأن كل إنسان يختار ما يشاء, وأنه لا حكم عند الله تبارك وتعالى, قال الله جل وعلا {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ (27) أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ} هذا سؤال للتوبيخ وللتقريع؛ يعني هل يجعل الله تبارك وتعالى أهل الإيمان كأهل الإفساد؟ {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} يعني هل يكون هذا في حكم الله؟ {فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ (7) أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ} [التين: 7، 8] الله أحكم الحاكمين سبحانه وتعالى، وإذا كان الله تبارك وتعالى لا يفرق من اعتقد أن الله تبارك وتعالى، لا يفرق في حكمه بين مؤمن وكافر, وطائع وعاصي, ومتبع لصراطه المستقيم ومتنكب عن صراطه المستقيم, فقد اتهم الله تبارك وتعالى بأعظم الظلم وأعظم الإثم, واعتقد في الله تبارك وتعالى عبثا وسدى, لا يأمرهم ولا ينهاهم, ولم يبين لهم طريقه الذي يحب, ويحذرهم من طريق الشيطان الذي يبغضه, كيف هذا وهو يقول سبحانه وتعالى: {وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاء اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (19) حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (20) وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (21) وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيراً مِّمَّا تَعْمَلُونَ (22) وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنْ الْخَاسِرِينَ (23) فَإِن يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ وَإِن يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُم مِّنَ الْمُعْتَبِينَ} [فصلت: 19 : 24] فهؤلاء أعداء الله، والله يصف حالهم يوم القيامة {وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاء اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ}.

أما أولياءه فإن الله تبارك وتعالى أخبر عنهم بغير ذلك, قال {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [يونس: 62 : 64] فهذا مصير أعداء الله تبارك وتعالى, وهذا مصير أولياء الله عز وجل, والكفار جعلوا أولياءه كأعداءه, والله تبارك وتعالى يقول: {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} [ص: 28] {أًمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أّن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاء مَّحْيَاهُم وَمَمَاتُهُمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ} [الجاثية: 21] ساء ما يحكم به الكفار أن يظنوا ويعتقدوا أن مصير الجميع واحد, وأن الطريق طريق واحد, وأن كل من اتخذ طريقا فهو طريق, كما قال قائلهم: "كل الطرق تؤدي إلى الله" أي طريق يتخذه من اتخذه فهو طريق يؤدي إلى الله, كلا ؛ طريق الله طريق واحد, بل إن أتباع كل رسالة إذا اختلفوا في رسالتهم فإن الله تبارك وتعالى يؤيد أصحاب الحق ويضل أصحاب الباطل, وإن كانوا هم أتباع رسالة واحدة أتباع موسى أو أتباع عيسى أو أتباع محمد صلوات الله وسلامه عليه, كما قال الله جل وعلا: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَـكِنِ اخْتَلَفُواْ فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلُواْ وَلَـكِنَّ اللّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} [البقرة: 253]، وقال الله تبارك وتعالى لهذه الأمة {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105) يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (106) وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [آل عمران: 105 : 107] قال ابن عباس: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ} وجوه أهل السنة, وقال: {وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} وجوه أهل البدعة, فهؤلاء أهل دين واحد, هذا الكلام موجه لأتباع محمد صلى الله عليه وسلم، أتباع هذه الرسالة الخالدة, قال الله جل وعلا: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103) وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ} [آل عمران: 103، 104] اليهود والنصارى في دينهم {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105) يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (106) وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [آل عمران: 105 : 107] فمن هذه الأمة وممن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدأ رسول الله يعذب ويحال بينه وبين الكرامة يوم القيامة, وإن كان مضى على التوحيد فمآله إلى الجنة, لكن مع كرامة الله تبارك وتعالى لأهل كرامته في الموقف يحال بينه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم «ليزادن أقواما من أمتي عن حوضي أعرفهم ويعرفونني ويؤخذ بهم جهة النار فأقول أصيحابي أصيحابي» يعني ينادي الرسول على الملائكة: هؤلاء أصحابي الذين يسوقهم الملائكة, ويبعدونهم عن حوض النبي إلى النار «فيقال ليسوا أصحابك إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول: سحقا سحقا» فالذين أحدثوا هؤلاء أحدثوا بدعة بعد الرسول صلى الله عليه وسلم لم يحدثوا كفر؛ لأن الذي أحدث كفراً مآله آخر, الذي أحدث كفراً وكفر كفراً ناقل عن الملة فهذا مآله آخر, ليس هو فقط يطرد عن حوض النبي صلى الله عليه وسلم بل هذا يؤخذ به إلى النار فورا, يؤخذ به من الموقف إلى النار, لكن هؤلاء يطردون عن الكرامة؛ كرامة الله تبارك وتعالى بالنبي صلى الله عليه وسلم حوضه يوم القيامة الذي هو أول منازل الآخرة, عندما يخرج المسلمون من قبورهم فأول منازل الآخرة أن يلتقوا بالنبي صلى الله عليه وسلم على حوضه, وصف النبي هذا الحوض فقال: أن «اتساعه من مكة إلى هجر»؛ يعني هذا الذي بمقاييس الآن ألفين كيلو, «طوله كعرضه, عليه أكواب عددها كنجوم السماء»، والذي بشر أصحابه وقال للأنصار «اصبروا حتى تلقوني على الحوض»، وخطب خطبته الأخيرة وقال: «والله إني لأنظر إلى حوضي الآن» قال لهم إني وأنا في موقفي هذا أنظر إلى حوضي هذا, حوض النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرهم هذا, ويقسم النبي صلى الله عليه وسلم وهو صادق مصدوق صلوات الله وسلامه عليه الشاهد: أن الحوض أول منازل الآخرة بالنسبة لأهل الإيمان عندما يخرجون من قبورهم فأول ما يلتقوا يلتقي أهل الإيمان بالنبي صلوات الله وسلامه عليه وهو في الحوض, لكن من أمته مَن ممن رآه النبي صلى الله عليه وسلم من أصحابه من يطردون, تأخذهم الملائكة عن حوض النبي صلوات الله وسلامه عليه والنبي يناشد الملائكة ويقول لهم أصحابي يعني الذين تطردونهم أصحابي, فيقال ليسوا أصحابك, الصحبة الحقيقية؟ لا؛ إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك, فيكون قول النبي: «فأقول قول العبد الصالح: وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد» الشاهد: أن هؤلاء الذين منعوا عن حوض النبي لم يمنعوا لكفر, إنما منعوا لبدعة, لمجرد تغيير في بعض السنن, يعني لم يتبعوا النبي ويسيروا بعده على النحو الذي كانوا عليه في وقته صلوات الله وسلامه عليه, فكيف؟ الشاهد من كل هذا أخوة: أننا الآن نقابل دين إجرامي شديد, من دين يفرض الآن في كل وسائل الإعلام على الناس؛ لأن هذه ما في حق وباطل, ما في هدى وضلال, ما في طريق لله وطريق للشيطان, ما في مؤمن وكافر, ما في سنة وبدعة, وإنما كله شيء واحد, نعيش في هذه الدنيا ونتعايش فيها جميعا, المؤمن والكفار واليهود والنصارى والمشركون والمجوس كلهم شيء واحد, وكل المؤدى واحد, ما في حق وباطل, ما في خصومة في الله, ما في عداوة في الله, ما في ولاء لله تبارك وتعالى ولأولياءه, وعداء لأعداء الله تبارك وتعالى, لا؛ وإنما الأمر كله واحد, هذا كفر, هذا هدم للأساس الذي قامت عليه هذه السماوات والأرض, الله يخبر أنه ما أقام هذه السماوات والأرض إلا لهذا، إلا لتتم هذه الخصومة في هذه الدنيا بين أهل الإيمان والكفار, إلا ليرسل رسالاته سبحانه وتعالى إلى الناس, فيؤمن من يؤمن, ويكفر من يكفر, ويكون الأمر كما أخبر الله تبارك وتعالى: سنة الله في أهل طاعته, وسنته في أهل معصيته {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى} مكة {وَمَنْ حَوْلَهَا} من قرى العالم {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} [الشورى: 7] هذه نهاية هذه الرسالة, الله يقول لرسوله {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى} أم قرى العالم مكة، {وَمَنْ حَوْلَهَا} من قرى الدنيا كلها, ثم يقول الله تبارك وتعالى لرسوله {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} فريق ممن اتبعوه في الجنة, ممن اتبعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم, واتخذ طريقه, وآمن بالله تبارك وتعالى، والتزم بالصراط, وفريق في السعير, ممن تنكب هذا, فالشاهد: أننا أمام دين إجرامي ينشر في كل وسائل الإعلام الآن، هذا الدين الآن يريد أن يضيع هذه الفروق بين السنة والبدعة, أن هذه الأرض وهذه السماوات مخلوقة للناس ليعبثوا فيها كما يشاءون ويبرطعوا في هذه الدنيا كما يشاءون, ويفعلوا ما يشاءوا, ما في حق وباطل, ما في حلال وحرام, ما في هدىً وضلال, ما في رسالات, وإنما كلٌ يعتقد ما يعتقد, وكلٌ على حق, أي شيء تعتقده فهو على حق، لا خصومة, لا طريق لله تبارك وتعالى, ولا طريق للشيطان, هذا الدين الإجرامي, أقول: يريد نسف رسالة الله تبارك وتعالى من الأرض, ودين الله تبارك وتعالى يقوم على غير, هذا القرآن كله نزل على غير هذا, أن الله خلق هذه السماوات والأرض بالحق, ما خلقها بالباطل, لماذا بالحق؟ حتى يقوم الناس هنا في هذه الأرض بدينه, ويبتليهم الله تبارك وتعالى بطاعته, ويبين لهم طريقه سبحانه وتعالى, هذا تسلكوه وهذا لا تسلكوه {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ} [الشورى: 13] فهذا صراط الله, أن الله أقام السماوات وأقام الأرض, هو خالق هذا العالم لأجل هذا, لأجل أن تقوم هذه الخصومة, وأن يكون هذا الخلاف {وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [هود: 119]
تمت, انتهت, لا بد أن تكون, {لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ} لا بد أن تُملأ جهنم {مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} ممن ترك دين الله تبارك وتعالى, فالله سبحانه وتعالى خلق الخلق, وخلقنا, ووضعنا في هذه الأرض من أجل أن نختلف؛ ليكون هناك إيمان وكفران, وأرسل الرسل لهذا, ما في رسول جاء إلى قومه إلا منهم من آمن به ومنهم من كفر به, كل رسول أرسله الله تبارك وتعالى وجد ما وجد, إما أناس يؤمنون به وناس يكفرون به, وأحيانا لا يؤمن بالرسول أحد, كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «عرضت علي الرسل فرأيت النبي معه الرجل والنبي معه الرجلان والنبي وليس معه أحد والنبي ومعه رهط» رهط: من ثلاثين إلى أربعين شخص, فأنبياء كثير, وهكذا شاء الله تبارك وتعالى أن يكون الأمر على هذا النحو, وأن تقوم الخصومة في هذه الأرض على هذا النحو, ثم يكون المصير بعد ذلك في النهاية بين أهل الجنة وأهل النار, بين أهل طاعة الله تبارك وتعالى وأهل المعصية, هذا أساس الدين, هذه هي القضية الأم, القضية الكبرى في الدين كله الاعتقاد بأن الله تبارك وتعالى خلق هذا الخلق ليبتليه, اقرءوا دائما وكما كان النبي يقرأ دائما صلوات الله وسلامه عليه في كل صلاة فجر في الركعة الثانية من صلاة الفجر سورة الإنسان {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً (1) إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً (2) إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً} [الإنسان: 1 : 3] ثم بعد ذلك ختم الله هذه السورة ببيان المصائر مصائر المجرمين ومصائر المؤمنين قال: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً} هذا المؤمن {وَإِمَّا كَفُوراً}، ثم قال {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَا وَأَغْلَالاً وَسَعِيراً} [الإنسان: 4] هذا المجرمين, ثم قال بعد ذلك {إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً} [الإنسان: 5] إلى آخر السورة بين الله تبارك وتعالى النعيم الذي أعده لأهل طاعته ثم قال {إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً (29) وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً (30) يُدْخِلُ مَن يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً} [الإنسان: 29 : 30].

أسأل الله تبارك وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يهدينا إلى صراطه المستقيم, وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب, فاستغفروه .

الحمد لله وحده, والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد سيد الأولين والآخرين, الذي بلغ الرسالة, وأدى الأمانة, ونصح للأمة, وجاهد في الله حق جهاده, حتى أتاه اليقين من ربه, فصلوات الله وسلامه عليه.

الحكومة عند الله على أمثال الذرّ, أعني بالحكومة: الحكم, يعني يحاكم كل إنسان عند الله تبارك وتعالى على مثل الذرّة من الخير والشر, قال جل وعلا: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً (7) يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} [الزلزلة: 7،8] فالذي يظن أن المسألة هي هكذا بالجملة, لا؛ أنت أمام الله تبارك وتعالى ستحاسب على كل شيء {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} [الإسراء: 36] ستسأل عن كل شيء, ستسأل عن طرفة عين {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} يعلم ما في قلبك, لو عندك ضغينة، حقد, حسد, شيء أضمرته في قلبك ولم يرك أحد, الله مطلع عليك وسيحاسبك عليه {لِّلَّهِ ما فِي السَّمَاواتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: 284] فالحساب عند الله تبارك وتعالى على الصغيرة والكبيرة, ستحاسب على الصغيرة والكبيرة في الخير, لا يضيع الله لك ولا مثقال ذرة خير, وكذلك في الشر, يعلم كذلك أنه ربما في شر أنت لا تحسب له حساباً, لكن هو شيء عظيم عند الله تبارك وتعالى: {وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ} [النور: 15] «إن الرجل ليتكلم بكلمة من سخط الله تعالى لا يلقي لها بالا» ما هو مهتم فيها ماذا قال يعني «فيهوي بها في النار سبعين خريفاً» سبعين سنة يهوي في النار يا إخوة, أريد واحد منكم يفتح الفرن اليوم فرن بيتهم, ويشوف عندما يضع يده بالداخل ويتخيل لو كان هو بداخل هذا الفرن لدقيقة, لدقيقتين, ثلاثة لا بد نفعل هذا؛ لأنها تذكرة, الله جعل نار الدنيا تذكرة لنار الآخرة, لا بد نفعل هذا, لا بد نمارس هذا, نشوفه, الله يقول إنها تذكرة {نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً} هذه النار {وَمَتَاعاً لِّلْمُقْوِينَ} [الواقعة: 73] تخيل نفسك لو أنت بداخل هذا الفرن الذي تشوي فيه لحمك, وتعمل فيه أكلك, أنت في داخله لمدة دقيقة, الرسول يقول «يهوي بها في النار» نار جهنم, سبعين سنة في كلمة «إن الرجل ليتكلم بكلمة من سخط الله تعالى لا يلقي لها بالا فيهوي بها في النار سبعين خريفا» فالحساب عند الله تبارك وتعالى يكون هكذا, أولا تأمل خير ما يضيعه الله {إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً} [النساء: 40] وكذلك بالنسبة للحساب في الشر, لا تفكر إن هذا شر تستهين به, شر ستحاسب عليه أنت أمام الله تبارك وتعالى, ستحاسب عليه {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ (7) فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً (8) وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُوراً (9) وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاء ظَهْرِهِ (10) فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُوراً (11) وَيَصْلَى سَعِيراً} [الانشقاق: 7 : 12] ويقول أهل النار {يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً} [الكهف: 49] ما عملوا بعيونهم وبأيديهم وبأرجلهم وبقلوبهم وبكل شيء, العمل يدخل فيه كل شيء, كل ما اكتسبوه بأي جارحة من هذه الجوارح موجود {وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً} [الكهف: 49] فلنقدر المسئولية, ولنعلم أننا في هذه الأرض ناس بتشوف المدن وتشوف ناطحات السحاب ونشوف هذا ونشوف هذا ونحاول العمل والطيران و.. و.. والناس تعيش دوامة هذه الحياة تأخذهم, ويظل الأمر على هذا النحو, وفي خضم هذه الدنيا المفتوحة, وزهرة هذه الدنيا المفتوحة على الناس, وهذه الحياة بكل أشكالها وألوانها, ينسى الناس طريق الله تبارك وتعالى, ينسى الناس أنهم مخلوقون لمهمة عظيمة, وأن كل هؤلاء سيلتقوا بالله تبارك وتعالى يوم القيامة, وسيحاسب كل إنسان على كل أعماله, كل انسان {وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً (48) وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفّاً لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّن نَّجْعَلَ لَكُم مَّوْعِداً} [الكهف: 48،49] زعمتم في الدنيا أن ما لكم موعد تلتقون فيه بالله تبارك وتعالى {زَعَمْتُمْ أَلَّن نَّجْعَلَ لَكُم مَّوْعِداً (48) وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً} [الكهف: 48،49] قدَّر هذا وقدَّر هذا, ولا ننسى أن نقول: نحن نعيش في فتنة كبرى فتن بها الناس, وانساقوا خلف شهواتها, جاء هذا الدين الإجرامي، الدين الباطل, هذا دين الحياة الدنيا, فصرف عامة الناس عن طريق الله تبارك وتعالى, إن هذه تذكرة أذكر بها نفسي وأذكر بها إخواني.

أسأل الله تبارك وتعالى أن يأخذ بنا إلى صراطه المستقيم, وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه, اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات, والمؤمنين والمؤمنات, الأحياء منهم والأموات, إنك سميع قريب مجيب الدعوات, اللهم اغفر لنا ذنوبنا, وإسرافنا في أمرنا, وثبت أقدامنا, وانصرنا على القوم الكافرين, أقول قولي هذا وأستغفر الله.









المصدر: طريق الإسلام

عبد الرحمن بن عبد الخالق اليوسف

بكالريوس كلية الشريعة بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة

  • 1
  • 0
  • 17,552

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً