تصحيح فهم خاطئ عن الدعاء

منذ 2014-12-02

كثيرة هي العبارات والأمثال التي يستعملها عامة المسلمين في حياتهم اليومية، والتي يتعلق كثير منها بالدين عقيدة وشريعة، والحكم الشرعي في هذه الأمثال والمصطلحات واضح في الإسلام، فما وافق منها شرع الله ونصوص القرآن والسنة فهو مشروع، وما خالف منها ذلك فهو منهي عنه ومذموم.

كثيرة هي العبارات والأمثال التي يستعملها عامة المسلمين في حياتهم اليومية، والتي يتعلق كثير منها بالدين عقيدة وشريعة، والحكم الشرعي في هذه الأمثال والمصطلحات واضح في الإسلام، فما وافق منها شرع الله ونصوص القرآن والسنة فهو مشروع، وما خالف منها ذلك فهو منهي عنه ومذموم.

وإذا كانت بعض العبارات واضحة الذم والتناقض مع العقيدة الإسلامية، كترديد بعض العامة عبارة: "لا حول الله" بدل عبارة: "لا حول ولا قوة إلا بالله" التي تعني أنه لا حَركة ولا استطاعة ولا قوة إِلا بمشيئة الله، فلا حول ولا قوة إلا بالله كلمة استسلام وتفويض إلى الله تعالى واعتراف بالإذعان له، وأن العبد لا يملك شيئًا من الأمر، فلا حول للعبد في دفع شر، ولا قوة في تحصيل خير إلا بالله، والتي تتناقض تمامًا مع العبارة التي يُردِّدها العامة والتي تنفي الحول والحركة عن الله سبحانه تعالى.

فإن بعض العبارات ليس فيها هذا التناقض والتصادم مع العقيدة أو الشريعة، وإنما فيها بعض المخالفة لمكانة بعض العبادات والطاعات، ولعل من أمثال ذلك قول العامة عند وقوع مصيبة خاصة أو عامة "ليس لك -لنا- الآن إلا الدعاء" الأمر الذي قد يوحي بأن الدعاء غير ضروري قبل ذلك، وهو ما يتناقض مع حقيقة أهمية ومكانة الدعاء، سواءً قبل وقوع المصيبة أو أثناء ذلك أو بعدها.

ولعل من الأدلة على ذلك الخطأ الشائع عند عامة المسلمين عن مكانة الدعاء، أن كثيرًا من الناس قد ينسى أثر الدعاء وفاعليته في أيام الرخاء، ولا يتذكر أن يدعو الله إلا إن وقعت به شدة أو محنة، ويا ليت الجميع يستمر في الدعاء أو يلتزمه بعد وقوع المصيبة، بل كثير من المسلمين يتركون الدعاء بعد فترة وجيزة من وقوع المصائب، الأمر الذي قد يوحي بأن دعاء البعض إنما هو لرفع البلاء والكرب بشكلٍ عاجل، فإذا ما تأخرت الاستجابة أو طالت، أصيب الناس باليأس والقنوط المنهي عنه، وتوقف معظمهم عن الدعاء المطالب به.

لقد نسي من يرتكب مثل هذا الخطأ أن الدعاء في الإسلام عبادة كسائر العبادات، بل ربما يكون الدعاء هو ثمرة العبادات والهدف المقصود منها، ومن هنا ورد في الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الدعاء هو العبادة» ثم قرأ: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}» (سنن ابن ماجة، برقم: [3828]، وصحّحه الألباني).

ومن شأن العبادة أن تستمر ولا تتأثر بأمر الاستجابة من عدمها، لأن العبد مأمور بطاعة الله تعالى وعبادته في جميع الأحوال، وأما بشأن الاستجابة فقد وعد الله تعالى بها عباده في كتابه الكريم بقوله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر من الآية:60].

كما غفل هؤلاء عن تحذير رسول الله صلى الله عليه وسلم من خطر توقف المسلم عن الدعاء بدعوى أنه لم يستجب له، ففي الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يُسْتَجَابُ لِأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ يَقُولُ دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي» (صحيح البخاري، برقم: [6340]).

قال ابن بطال نقلًا عن بعض العلمناء في معنى قوله: «مَا لَمْ يَعْجَلْ»: "يعني يسأم الدعاء ويتركه فيكون كالمان بدعائه، وأنه قد أتى من الدعاء ما كان يستحق به الإجابة، فيصير كالمبخل لربّ كريم، لا تعجزه الإجابة، ولا ينقصه العطاء" (شرح البخاري؛ لابن بطال: [19/137]).

كما نسي من يتوقف عن الدعاء رغم استمرار مصابه وبلائه أن الله تعالى وعد عباده بالخير ما دام مستمرًا بالدعاء والالتجاء إلى الله، فقد ورد في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها أثم ولا قطيعة رحم الا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن تعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها». قالوا: إذا نكثر. قال: «الله أكثر» (مسند الإمام أحمد، برقم: 11149]، وقال فيه الأرناؤوط: "إسناده جيد").

لقد كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء في جميع الأوقات وعلى كافة الأحوال، سواءً في حالة اليُسر أو العُسر، في حالة الصحة أو المرض، في حال الرخاء أو الشدة والمحنة والابتلاء، وهو ما يجب أن يقتدي به المسلمون ويتأسون به.

إن عدم إدراك المسلمين لحقيقة الدعاء، وعدم فهمهم الصحيح لمكانة هذه العبادة العظيمة في الإسلام، كان وما زال سببًا مؤثرًا في تأخر نصر الله تعالى وفرجه على عباده المسلمين المنكوبين والمضطهدين في مشارق الأرض ومغاربها.

وإذا كُنّا قد قصّرنا في إعطاء هذه العبادة حقها في أيام الرخاء والدعة، وفاتنا بذلك تحصيل وعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن يفعل ذلك بقوله: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَسْتَجِيبَ اللهُ لَهُ عِنْدَ الشَّدَائِدِ وَالكَرْبِ فَلْيُكْثِرِ الدُّعَاءَ فِي الرَّخَاءِ» (سنن الترمذي، برقم: [3382])، فلا أقل من الاستمرار في الدعاء والتضرُّع إلى الله تعالى دون سأمٍ أو يأسٍ من الاستجابة، ونحن في أشد الحاجة لهذه العبادة في أيام الكرب والشدة والابتلاء التي نعيشها.

 

عامر الهوشان

 

  • 6
  • 0
  • 26,225

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً