يقظة في اللحظة الأخيرة!

منذ 2014-12-04

أيها القلب إياك أن تغتر بأيام قضيتها مع الصالحين، فإن مناط الحساب متعلق بك وحدك، قال سبحانه: {وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَـٰنِ إِلَّا مَا سَعَىٰ} [النجم:39]..​

الراحلون من حولك يكثرون، كل يوم صديق يرحل، جار يرحل، قريب يرحل، كلهم كان الأمر بالنسبة لهم غير متوقع ولا معد له، وكثير منهم كان يرتب لحياة طويلة، بعضهم كان يكتب عقد شراء عقار وآخر كان يعد لحفل زفاف وآخر كان يعد لقضية نزاع على مال موروث، وغيره كان قد اشترى ثوبًا جديدا ليلة رحيله!

كثيرون غفلوا عن تلك اللحظة، وتركوا قلوبهم تغفل معهم مشغولة بمدارات الحياة ناسية لحظة الحساب.

فمتى تتعلم يا قلب مما مر بكل هؤلاء المحيطين بك الراحلين عنك؟ ومتى تهتم؟ ومتى تمعن في التفكر في لحظة اللقاء وما بعدها؟

أيها القلب إياك أن تغتر بأيام قضيتها مع الصالحين، فإن مناط الحساب متعلق بك وحدك، قال سبحانه: {وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَـٰنِ إِلَّا مَا سَعَىٰ} [النجم:39]..​

أيها القلب لا يغرنك أنك قد قضيت سنين تتحدث عن أعمال الخير، إن الذي يصعد من كلامك هو الطيب {إِلَيْهِ يَصْعَدُ ٱلْكَلِمُ ٱلطَّيِّبُ} [غافر من الآية:10]، وطيب الكلام هو ما كان مخلصًا، فلتفرح على ما كان منه، ولتصرخ على ما شابك فيه النية، لتسعد بخطوات سعيتها ابتغاء وجه ربك، ولتخسأ بما كان في مراءاة الناس.

إن مقامك الحقيقي -أيها القلب- يمكنك أن تعرفه في لحظات البكاء في جوف الليل الآخر، وفي التضحيات الكبيرة عندما يناديك العطاء، أو تنتظر أن تعرفه عند حشرجة الروح إذ هي تخرج من الحلقوم.

إن صرخة {رَبِّ ٱرْجِعُونِ . لَعَلِّىٓ أَعْمَلُ صَـٰلِحًۭا فِيمَا تَرَكْتُ} [المؤمنون من الآيتين:99-100]، حري بها أن تقض مضجعنا، وتؤرق منامنا، ولا تجعلنا نستلذ بطعام ولا شراب، ولا حياة ولا متاع، فهل آن لنا أن نتوقى تلك الصرخة، وهل آن لنا أن نبادر إلى إصلاح ما فات قبل أن نصرخ فلا عود، ونسترجع الفوت؟ ولا ثمّ إلا الصراخ؟!

إن من عظمة الوحي الإسلامي أنه لا يُحمل أحدًا تبعة خطيئة أحد، ولا يبتدئ مع أحد على أنه مذنب، بل الأصل براءة الذمة، والأصل نقاوة التاريخ، والتوبة تجب ما قبلها، و{إِنَّ ٱلْحَسَنَـٰتِ يُذْهِبْنَ ٱلسَّيِّـَٔاتِ} [هود من الآية:114]​، {وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَـٰلِحًۭا فَإِنَّهُۥ يَتُوبُ إِلَى ٱللَّهِ مَتَابًۭا} [الفرقان:71].​

إنه لا سبيل أيها القلب إلا بالمسارعة إلى التطهير الكامل من آثار تاريخ الذنب ولنبدأ بعملية الحرق، وأقصد به الندم، فإن الندم الصادق نار ملتهبة تحرق الذنب، وفي الحديث: «الندم توبة» (رواه أحمد).

فاحرق إذن كل ما لا ترتجي أن تلقاه إذا أنت رحلت، ثم لتتألم قليلًا وأنت تجبر نفسك على كراهية الخطيئة، فلا توبة كاملة مع استشعار حلاوة الذنب، فإن استطعت أن تكرهه فأنت أنت، ولئن بقيت حلاوته فيك فلا تأمن على نفسك أن تراجعه يومًا، ثم لتضع نفسك في متقلب العبادة، وأله بها نفسك، وأشغلها بين العلم والطاعة والذكر، وإياك أن تفرغها فتشغلك بذكر ذنب جديد.

تلك كانت همسات قلب محب، فاضت فاغرورقت بها عين القلب، فأدمعت نصحًا لمن تحب. 

خالد رُوشه  
23/10/1435 هـ

  • 1
  • 0
  • 1,872

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً