هدي النبي صلى الله عليه وسلم في قراءة القرآن

منذ 2014-12-05

إن سنة النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن هي العمل به، والتخلق بأخلاقه، والتأدب بآدابه، ودعوة الناس إليه، كما وصفته عائشة رضي الله عنها بقولها: "إِنَّ خُلُقَ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ الْقُرْآنَ" (مسلم: [746]).

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين ومن اتبعه بإحسانٍ إلى يوم الدين. إن سنة النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن هي العمل به، والتخلق بأخلاقه، والتأدب بآدابه، ودعوة الناس إليه، كما وصفته عائشة رضي الله تعالى عنها بقولها: "إِنَّ خُلُقَ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ الْقُرْآنَ" (مسلم: [746]).
وهكذا يجب أن يكون هدي المسلم مع القرآن الكريم، السعي الدائم في العمل به والاهتداء بهداه، فهو نور من الله تعالى مبين، من تمسك به نجا، ومن اعتصم به هدي إلى صراط مستقيم.

وأما هديه صلى الله عليه وسلم في تلاوة القرآن العظيم: فقد شرحه العلامة ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى في كتابه النافع (زاد المعاد)، جمع فيه الأحاديث  النبوية الواردة في الموضوع، واختصرها في جمل وعبارات من عنده توضح المقصود، وهي كلها أحاديث صحيحة يمكن الرجوع إلى الكتاب نفسه محققاً للتأكد منها، ونحن ننقل كلامه هنا اكتفاء به، خشية الإطالة على السائل والقارئ.

يقول العلامة ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى (فصل: في هديه صلى الله عليه وسلم في قراءة القرآن، واستماعه، وخشوعه، وبكائه عند قراءته واستماعه، وتحسين صوته به، وتوابع ذلك): "كان له صلى الله عليه وسلم حِزب يقرؤه ولا يُخِلُّ به، وكانت قراءتُه ترتيلاً لا هذَّا ولا عجلة، بل قِراءةً مفسَّرة حرفاً حرفاً، وكان يُقَطِّع قراءته آية آية، وكان يمدُّ عند حروف المد، فيمد (الرحمن) ، ويمد (الرحيم)، وكان يستعيذ باللّه من الشيطان الرجيم في أول قراءته، فيقول: «أعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَجِيم»، ورُبَّما كان يقول: «اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيم من هَمْزِهِ ونَفْخِهِ، ونَفثِهِ» وكان تعوّذُه قبلَ القراءة، وكان يُحبُّ أن يسمع القراَنَ مِن غيره، وأمر عبد اللّه بن مسعود رضي الله تعالى عنه، فقرأ عليه وهو يسمع، وخَشَع صلى الله عليه وسلم لسماع القرآن مِنه حتى ذرفت عيناه.

وكان يقرأ القراَن قائماً، وقاعداً، ومضطجعاً، ومتوضئاً، ومُحْدِثاً، ولم يكن يمنعه من قِراءته إلا الجنابة.

وكان صلى الله عليه وسلم يتغنَّى به، ويُرجِّع صوتَه به أحياناً كما رجَّع يوم الفتح في قراءته: {إنَّا فتَحْنَا لَكَ فَتْحَاً مُبِيناً } [الفتح:1].

وحكى عبد الله بن مغفَّل ترجِيعَه، (آ ا آ ثلاث مرات)، ذكره البخاري، وإذا جمعت هذه الأحاديثَ إلى قوله: «زَيِّنُوا القُرآن بأصْواتِكُم»، وقوله: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالقُرْآن»، وقول: «ما أَذِنَ اللهُ لِشَيء، كأَذَنِهِ لِنَبيٍّ حَسَنِ الصَّوْتِ يَتَغَنَّى بِالقُرْان»، علمت أن هذا الترجيعَ منه صلى الله عليه وسلم كان اختياراً لا اضطراراً لهزِّ الناقة له، فإن هذا لو كان لأجل هزِّ الناقة لما كان داخلاً تحت الاختيار، فلم يكن عبدُ الله بن مغفَّل يحكيه ويفعلُه اختياراً لِيُؤتسى به، وهو يرى هزَّ الراحلة له حتى ينقطع صوتُه ثم يقول: "كان يُرجِّعُ في قراءته" فنسب التَّرجيع إلى فعله. ولو كان مِن هزِّ الراحلة، لم يكن منه فعل يسمى ترجيعاً " انتهى. ( زاد المعاد: [1/482-484]).

وقد ذكر الإمام أبو بكر محمد بن الحسين الآجري رحمه الله تعالى، في كتابه النافع (أخلاق حملة القرآن)، بابًا في (أدب القراء عند تلاوتهم القرآن مما لا ينبغي لهم جهله)، لخص فيه جملة من آداب قارئ القرآن العظيم، من أدب السنة، وهدي السلف، فقال رحمه الله تعالى: "وأحب لمن أراد قراءة القرآن، من ليل أو نهار أن يتطهر، وأن يستاك، وذلك تعظيم للقرآن؛ لأنه يتلو كلام الرب عز وجل؛ وذلك أن الملائكة الكرام تدنو منه عند تلاوته للقرآن، ويدنو منه الملك، فإن كان متسوكاً وضع فاه على فيه، فكلما قرأ آية أخذها الملك بفيه، وإن لم يكن تسوك تباعد منه؛ فلا ينبغي لكم يا أهل القرآن أن تباعدوا منكم الملك، استعملوا الأدب، فما منكم من أحد إلا وهو يكره إذا لم يتسوك أن يجالس إخوانه.

وأحب أن يكثر القراءة في المصحف لفضل من قرأ في المصحف، ولا ينبغي له أن يحمل المصحف إلا وهو طاهر، فإن أحب أن يقرأ في المصحف على غير طهارة فلا بأس، ولكن لا يمسه، ولكن يصفح المصحف بشيء، ولا يمسه إلا طاهراً.

وينبغي للقارئ إذا كان يقرأ فخرجت منه ريح أمسك عن القراءة، حتى تنقضي الريح، ثم إن أحب أن يتوضأ ثم يقرأ طاهراً فهو أفضل، وإن قرأ غير طاهر فلا بأس منه.

وإذا تثاءب وهو يقرأ، أمسك عن القراءة حتى ينقضي التثاؤب.

وأحب للقارئ أن يأخذ نفسه بسجود القرآن كلما مر بسجدة سجد فيها، وفي القرآن خمس عشرة سجدة، وقد قيل: أربع عشرة، وقد قيل: إحدى عشرة سجدة، والذي أختار له أن يسجد كلما مرت به سجدة؛ فإنه يرضي ربه عز وجل ويغيظ عدوه الشيطان. روي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد، اعتزل الشيطان يبكي، يقول: يا ويله أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة، وأمرت بالسجود فعصيت فلي النار» (مسلم:[81]).

وأحب لمن كان جالساً يقرأ أن يستقبل بوجهه القبلة، إذا أمكن.

وأحب لمن تلا القرآن أن يقرأه بحزن، ويبكي إن قدر، فإن لم يقدر تباكى.

وأحب له أن يتفكر في تلاوته، ويتدبر ما يتلوه، ويستعمل غض الطرف عما يلهي القلوب، ولو ترك كل شيء حتى ينقضي درسه كان أحب إلي؛ ليحضر فهمه، فلا يشتغل بغير كلام مولاه.

وأحب إذا درس فمرت به آية رحمة سأل مولاه الكريم، وإذا مرت به آية عذاب استعاذ بالله عز وجل من النار، وإذا مر بآية تنزيه لله عز وجل عما قال أهل الكذب سبح الله وعظمه. وإذا كان يقرأ فأدركه النعاس، فحكمه أن يقطع القرآن حتى يرقد ، حتى يقرأه وهو يعقل ما يتلو".

وذكر رحمه الله تعالى طرفاً من الآثار التي تشهد لما ذكره، ثم قال في آخر الفصل: "جميع ما ذكرته ينبغي لأهل القرآن أن يتأدبوا به ولا يغفلوا عنه، فإذا انصرفوا عن تلاوة القرآن: اعتبروا نفوسهم بالمحاسبة لها:

فإن تبينوا منها قبول ما ندبهم إليه مولاهم الكريم، مما هو واجب عليهم من أداء فرائضه، واجتناب محارمه: حمدوه في ذلك، وشكروا الله تعالى على ما وفقهم له.

وإن علموا أن النفوس معرضة عما ندبهم إليه مولاهم الكريم، قليلة الاكتراث به، استغفروا الله من تقصيرهم، وسألوه النُّقلة من هذه الحال التي لا تحسن بأهل القرآن، ولا يرضاها لهم مولاهم، إلى حال يرضاها، فإنه لا يقطع من لجأ إليه.

ومن كانت هذه حاله وجد منفعة تلاوة القرآن في جميع أموره". 

والله تعالى أعلى وأعلم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين.

  • 11
  • 0
  • 18,642

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً