دروس وعبر أفغانية للثورة الشامية
ليس وقوع الشام على نفس خط العرض الأفغاني هو التشابه الوحيد بينهما، فثمة تشابهات تاريخية وراهنية أعمق من ذلك بكثير، فكما أن بلاد الأفغان تعرضت لغزو سوفياتي وتدخلات إيرانية مكشوفة، ثم لتحالف دولي من أربعين دولة غزاها عام 2001 بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، يُضاف إليه وجود تنظيمات خرجت من رحمها تنظيم الدولة والنصرة، كلها تشابهات تفرض على العقلاء أن يلتفتوا إليها لاستقاء العبر والدروس التي قد تُجنّب وتُوفر دماءً وأشلاءً وضحايا.
- التصنيفات: فقه الجهاد -
ليس وقوع الشام على نفس خط العرض الأفغاني هو التشابه الوحيد بينهما، فثمة تشابهات تاريخية وراهنية أعمق من ذلك بكثير، فكما أن بلاد الأفغان تعرضت لغزو سوفياتي وتدخلات إيرانية مكشوفة، ثم لتحالف دولي من أربعين دولة غزاها عام 2001 بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، يُضاف إليه وجود تنظيمات خرجت من رحمها تنظيم الدولة والنصرة، كلها تشابهات تفرض على العقلاء أن يلتفتوا إليها لاستقاء العبر والدروس التي قد تُجنّب وتُوفر دماءً وأشلاءً وضحايا.
البداية من القاتل والمعتدي إن كان روسيا أو ممثلاً بالتحالف الدولي فهو في الغالب يكرر سياساته في طريقة تعامله مع الشعوب بممارسة الأرض المحروقة والقصف السجادي على الطريقة الغروزنية والأفغانية بحرق وقتل كل شيء للحفاظ على النظام وهو ما تقوم به روسيا وإيران لصالح نظام أسد، وهو ما تركر مع الحلفاء الغربيين الذين يستخدمون شماعة الأقليات لترقية أجنداتهم، واستخدام صحوات وطائرات بلا طيار متدثرين بحلفاء إقليميين كما جرى للتحالف الغربي في حربه بأفغانستان واعتمادهم على باكستان وإيران في مطاردة طالبان والقاعدة.
الطرف الآخر في المعادلة هو حركة طالبان أفغانستان التي ربما تُعد حالة استثنائية في حركات المقاومة من حيث صمودها أمام تحالف غربي خطير على مدى 13 عاماً وسط ملاحقات أمنية غير مسبوقة وتعذر ظهور قادتها فضلاً عن أميرها الملا محمد عمر ومع هذا لم تتشظّ أو تتفتت أو ينشق عنها أحد، وظلت متماسكة تقاوم عدوها الممثل بالتحالف الغربي الداعم للحكومة الأفغانية، رافضة حرف البوصلة إلى أي أعداء جانبيين ظهروا لها في منتصف الطريق الطويل.
اللافت في ممارسات طالبان أفغانستان هو سيرها على سير المجتمع الأفغاني، فلم تسع إلى سبقه أو التأخر عنه ولكنها ظلت تأخذ بيديه" سيروا على سير أضعفكم" فقد تراجعت كثير من ممارساتها المتشددة التي كانت أيام فترة حكمها 1996-2001، ولا زلت أذكر ما قاله لي أحد قادتها من أنهم نادمون على تدمير تماثيل بوذا كونها أحرجتهم دولياً، بينما لا مصلحة شرعية ولا دنيوية من وراء ذاك التدمير، والواضح أن سياسة طالبان أفغانستان على مدى هذه الفترة كانت تعتمد على تجنب أي صدام مع القوى الجهادية ولو الضعيفة نسبياً التي تقاتل الأميركيين إن كان من مقاتلي حكمتيار أو الحركة السلفية في كونار، وظلت فوهات بنادقها مصوّبه باتجاه التحالف الغربي والحكومة الأفغانية وهو ما عظّم شعاراتها التي رفعتها وسط الشعب الأفغاني، وزاد من إعجاب الكثيرين بها عدم تعرضها بالقول أو بالفعل للحكومة الباكستانية التي وقفت ضدها بكل قوة مع التحالف الدولي، فطالبان تدرك أن باكستان مضطرة لذلك بينما مصلحتها الاستراتيجية فيها ولذا فقد راهنت على عامل الوقت وكان في صالحها حين بدأت باكستان بالتراجع عن مواقفها وتسهيل حركتها بطريقة أو بأخرى.
على صعيد العلاقة مع العلماء والأحزاب الإسلامية ظلت حركة طالبان الأفغانية على علاقة ودية مع العلماء في باكستان وأفغانستان وظلت تلتزم بفتاويهم، وحتى مع من تختلف معهم سراً مثل جمعية علماء الإسلام بزعامة فضل الرحمن وغيرها، أما الجماعة الإسلامية الباكستانية المختلفة معها فكرياً وسياسياً، فظلت على علاقة معها تلتقي مع قادتها وتصمت حتى على مواطن خلافها معها، ما دام الهدف الأساسي لها هو قتال التحالف الغربي ورفع الظلم عن شعبها.
على الرغم من سيطرة حركة طالبان أفغانستان على كثير من الأرض الأفغانية إلاّ أنها لم تدخل في مشاريع خلافية تُسبب لها انتقادات كتأسيس إمارة أفغانية التي رأت فيها عبئاً ثقيلاً سيفرض عليها أعباء الإدارة والتشغيل وهي مهمة ينبغي أن يقوم بها الاحتلال نفسه، فضلاً عن أنه سيُشغلها عن جهد المقاومة والتحرير، ويُدخلها في خلافات اجتماعية وشعبية هي في غنى عنها، بالإضافة إلى أنه سيفتح عليها باب الجدل بشأن صوابية أو خطأ هذا الإعلان، ولا زلت أذكر حين أعلنت طالبان إمارتها 1996 فقد حرصت على التشديد على أنها إمارة، كون الخلافة ليست من صلاحياتها ولا في طاقتها ما دام ذلك من حق الأمة وليست من حق شعب بعينه.
نجحت حركة طالبان أفغانستان في إبراز دور العلماء والمشايخ المعروفين والمشهورين بحيث أنهم هم من يقودون العمل الشرعي ويرّشدون العمل السياسي من خلال منشوراتها ومطوياتها عن أخلاقيات المجاهد وأخلاقيات العمل الجهادي في أفغانستان وهي منشورات تم نشرها باللغات المحلية والتزم الكل بها.
بقي القول إن حركة طالبان أفغانستان وعلى الرغم من وجود مقاتلين أجانب من عشرات الجنسيات تواضعت في خطابها السياسي، فلم تعد بدولة خلافة ولا بتهديد دول قبل أن تُقوي شوكتها، وهو ما يُكلف الشعب الأفغاني أكلافاً رهيبة من استعداء أنظمة ودول وأحزاب ليست لها طاقة على مواجهته، وظلت متواضعة في أهدافها بخلاف ما يجري في الشام من شعارات وتصريحات ملء المشرق والمغرب، بينما أحدهم لا يأمن على نفسه وعائلته فيرسلهم إلى الخارج، فتكثير الأعداء وتقليل الأصدقاء يشتت الجهود ويبعثرها وتضيع الطاسة كما يُقال.
أحمد موفق زيدان