تونس: الديمقراطية والاستبداد وجها لوجه
مر الباجي قايد السبسي، مرشح حزب نداء تونس، الأفراز الأكبر، لعملية حل حزب التجمع الذي حكم تونس لأكثر من ستين عاما، بإسمين أحدهما الحزب الإشتراكي الدستوري، إلى الدور الثاني، من الإنتخابات الرئاسية التي ستجري على في 14 أو 21 أو 28 ديسمبر القادم، على الأرجح، حيث سينافس الرئيس الحالي محمد منصف المرزوقي، المرشح كمستقل والمدعوم من قبل أغلبية أنصار حزب حركة النهضة ، والذي صعد بدوره إلى الدور الثاني. وذلك بفارق ضئيل في الأصوات لا تتجاوز الخمسة في المائة حسب آخر ما أفادت به بيانات مسربة من الهيئة العليا المستقلة للانتخابات صباح الإثنين، وأكدته جريدة "الصباح" اليومية.
- التصنيفات: أحداث عالمية وقضايا سياسية -
مر الباجي قايد السبسي، مرشح حزب نداء تونس، الأفراز الأكبر، لعملية حل حزب التجمع الذي حكم تونس لأكثر من ستين عاما، بإسمين أحدهما الحزب الإشتراكي الدستوري، إلى الدور الثاني، من الإنتخابات الرئاسية التي ستجري على في 14 أو 21 أو 28 ديسمبر القادم، على الأرجح، حيث سينافس الرئيس الحالي محمد منصف المرزوقي، المرشح كمستقل والمدعوم من قبل أغلبية أنصار حزب حركة النهضة ، والذي صعد بدوره إلى الدور الثاني. وذلك بفارق ضئيل في الأصوات لا تتجاوز الخمسة في المائة حسب آخر ما أفادت به بيانات مسربة من الهيئة العليا المستقلة للانتخابات صباح الإثنين، وأكدته جريدة "الصباح" اليومية.
خارطة الإنتخابات: تقلص عدد المرشحين للانتخابات الرئاسية، من أكثر من 70 مرشحا، إلى 27 ثم إلى 25 ولم يخض الإنتخابات فعليا سوى 22 مرشحا، بينما ظلت أرقام بقية المرشحين مثبتة في ورقة التصويت بحكم أن انسحابات أصحابها كانت سياسية. وقد تم ملاحظة أن أغلب الناخبين من الجنوب صوتت للرئيس محمد منصف المرزوقي، في حين أن الساحل والشمال الغربي، صوت معظم الناخبين فيهما للباجي قايد السبسي، في مفارقة كبيرة وهي أن الساحل لديه ما يحفزه على انتخاب السبسي بحكم أنه استفاد من فترات الحكم الماضية وتحديدا منذ سنة 1956 م وحتى ما قبل الثورة في حين ظل الشمال الغربي ولا يزال مهمشا، مما يؤكد بأن المصالح لعبت دورها بمستويات مختلفة، فالساحل أراد الحفاظ على امتيازاته بينما باع الفقراء في الشمال الغربي أصواتهم بدراهم معدودة { بين 20 و50 دينارا تونسيا } ورغم فقر الجنوب إلا أن أهله يمتازون بالشهامة والنخوة ، وكانوا يرددون في الاجتماعات التي عقدها المرزوقي قبل الانتخابات كما شاهد" المسلم" في القيروان { جيناك بلاش فلوس} بمعنى أنهم لم يتلقوا أموالا من أجل الحضور وبعد ذلك التصويت، كما يفعل آخرون.
ورغم أن عدد من يحق لهم التصويت يزيد عن خمسة ملايين وربع المليون إلا أن المشاركين فعليا في التصويت لم يزيدوا عن الثلاثة ملايين وقدرت نسبة التصويت بنحو 65 في المائة تزيد وتنقص قليلا حسب التقديرات الأولية، وهو ما فوت على الثوريين حسم النتيجة من الدورة الأولى،لا سيما أن معظم المقاطعين للانتخابات كانوا من الشباب، حيث لا يزالون حانقين على النظام السابق، كما نجد كثير منهم غاضبين من الثورة التي لم تحقق انتظاراتهم منها وهم الذين فجروها وسقوا ثمرتها بدمائهم.
وكما سلف فاز الرئيس محمد منصف المرزوقي، في ولايات{ محافظات} الجنوب مثل قبلي التي حصد فيها 77 في المائة من الأصوات، و73 في المائة في مدنين. وفي تطاوين حصل على 26017 صوتا مقابل 3348 للسبسي، وفي قفصة حصل المرزوقي على 34353 صوتا مقابل 18244 للسبسي لكن المعادلة تختلف في الساحل، ففي المهدية حصل السبسي على 50836 صوتا مقابل 23871 صوتا للمرزوقي، وفي الشمال الغربي كالكاف فاز السبسي ب52,52 من الأصوات. ورغم أن هذه النسب والأرقام ليست نهائية إلا أنها تعكس توجهات التصويت والتي تعطي السبسي أسبقية بنحو 5 في المائة.
الدورة الثانية من الانتخابات: تتميز الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية بين المرزوقي والسبسي، بالوضوح التام أمام الناخب فهو سيختار بين متنافسين اثنين، عكس الدورة الأولى التي اتسمت بكثرة المرشحين ، والتي شوشت على الكثيرين اتجاهات التصويت لديهم فحاول البعض الخروج من الثنائية القطبية إن صح التعبير ولو على المستوى المحلي حيث هناك 30 في المائة من الناخبين صوتوا لغير السبسي والمرزوقي. وهذه النسبة التي تزيد أو تنقص عن الثلاثين في المائة سيكون لها موقف حاسم في الدورة الثانية من الإنتخابات. ومن المعروف أن الذين صوتوا لليساري حمة الهمامي{ 7.3 في المائة } والذين صوتوا لرجل الأعمال سليم الرياحي{ 5.4 في المائة} والذين صوتوا للهاشمي الحامدي{ 3.4 في المائة } ليسوا من أنصار المنظومة السابقة التي تكتلت وراء الباجي قايد السبسي، لدرجة أن هناك مرشحين انسحبوا من السباق الرئاسي لصالحه، فإنه من المتوقع أن يصوتوا لمحمد منصف المرزوقي في الدورة الثانية،أو على الأقل الأغلبية الغالبة منهم. وبهذا يمكن الإعتقاد بأن منصف المرزوقي سيفوز في الإنتخابات الرئاسية، أي في الدورة الثانية التي ستجري الشهر القادم. مع امكانية حدوث مفاجآت ، حيث يشبه كثيرون عملية التصويت بالرمال المتحركة التي يصعب تحديد اتجاهها.
أدوات الإنتخابات: لا يمكن إغفال الأدوات التي استخدمها كل طرف في الإنتخابات سواء البرلمانية أو الرئاسية، حيث ركز محمد المنصف المرزوقي على اللقاءات المباشرة مع الجماهير، ونشط أنصاره أكثر على الفيس بوك. في حين كانت وسائل الإعلام العمومية وبعض القنوات الخاصة التي ارتبط اسمها وأسماء باعثيها بالمنظومة الإستبدادية ،والتي تلقى تمويلات داخلية وخارجية جعلها تحظى بنسب مشاهدة جيدة نظرا لتعدد برامجها في صف الباجي قايد السبسي. وكانت هذه من استراتيجية الباجي قايد السبسي، التي وصفها البعض بطريقة فيها الكثير من السخرية والمرارة في نفس الوقت " التحكم في وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمكتوبة. {2 } الكثير من المال الفاسد لشراء الذمم{3 } ماكينة انتخابية تستخدم الزخم السابق للثورة وطرق التأثير على الناس مع الولاء والطاعة المجبول عليها البعض{ 4 } شخصيات نافذة من المنظومة السابقة ظل تأثيرها واضحا بعد الثورة { 5 } توظيف من لديهم القدرة على التلبيس على الناس والاغواء بالجهل{6 } استخدام الشهوات والملذات للتأثير على من لديهم تأثير على غيرهم {7 } توظيف من لديهم القدرة على الإقناع بالعكس أي من يمكنه أن يجعل الأبيض أسودا في نظر الناس من خلال الدعاية السوداء ونشر الافتراءات والشبهات والاشاعات الكاذبة". لذلك دعا محمد منصف المرزوقي الباجي قايد السبسي،إلى المناظرة أمام الشعب، والمبارزة بوسائل نظيفة" أنزل إلى ساحة الوغى ولنتواجه بأسلحة نظيفة " فمحمد منصف المرزوقي على علم بوسائل الباجي قايد السبسي، سواء كان ذلك في الداخل أو الخارج . ومن ذلك ما صرح به الباجي قايد السبسي يوم 24 نوفمبر 2014 م لإذاعة {آر إ م سي } الفرنسية بقوله إن" من صوتوا للمرزوقي هم الإسلاميون الذين رتبوا ليكونوا معه"، في إشارة إلى حزب حركة النهضة،وتابع " والسلفيون الجهاديون ، ورابطات حماية الثورة " وختمها بوضع الجميع في سلة واحدة، وهو ما يعبر عن روح خبيثة بقوله: " وكلها جهات عنيفة".
مما جعل البعض يتساءل، هل من صوت للمرزوقي في الولايات المتحدة وكندا واستراليا واليابان ودول الخليج وأوربا ومعظمهم كفاءات علمية وخبراء إرهابيون؟ والذين صوتوا للسبسي من الاميين وأنصاف الأميين والشيوخ مواطنون صالحون؟ وهل وجود من صوت للمرزوقي في الخارج وهم أغلبية التونسيين يعيشون في بلدان تأوي الإرهاب؟
ووفقا للاحصاءات فإن كبار السن يأتون في مقدمة من صوتوا للسبسي، ثم النساء، فالكهول، واجتماعيا تأتي الطبقة المرفهة في المقدمة ثم الطبقة المتوسطة فالفقراء. وصوت لحمة الهمامي الذي حل ثالثا، النساء ثم الكهول ثم الشيوخ، ويا للمفارقة أن يكون نجد الطبقة المرفهة صوتت للهمامي بنسبة تزيد عن 15 في المائة في حين لم تتجاوز نسبة الفقراء الذين صوتوا لمن يرفع شعار الإشتراكية ويحيا حياة الاستقراطيين سوى 11 في المائة .أما محمد منصف المرزوقي، فأغلب ناخبيه من الشباب ثم الكهول ثم النساء، مما يؤكد بأن المستقبل بما فيه المستقبل القريب في صالحه مع احتمال المفاجآت.
توقعات الدورة الثانية : لقد بلغت الدعاية السوداء التي استخدمها السبسي حدها الأقصى ، حيث وضعته وجها لوجه مع محمد منصف المرزوقي. ولا يمكنها وفق عدد من المحللين أن تضيف إليه في الدورة الثانية. وإذا ما تمت المناظرة المرتقبة بين المرزوقي والسبسي فإن الكيد الإعلامي الذي بدأ بعيد الثورة بل لازمها ولا يزال مستمرا، يكون قد بطل سحره . وكانت هذه الأدوات قد حاولت إنجاح السبسي في الدورة الأولى كما صرح بذلك العديد من قيادات حزب نداء تونس، أوتستبعد المرزوقي من الدور الثاني، ليحل محله حمة الهمامي، الذي يسهل الفوز عليه،وفق تقديراتهم. لكن هذه الاستراتيجيا فشلت، كما فشلت بالضرورة في جعل الفارق بين السبسي والمرزوقي كبيرا وهو ما يؤكد فشل هذه الأجندات في الاستيلاء على وعي عموم التونسيين وتخريب مناعتهم وقدرتهم على التمييز وإن أحدثت بعض الخروقات هنا وهناك.
محمد منصف المرزوقي، سيفوز بعون الله في الدورة الثانية ، نتيجة لخارطة الانتخابات في الدورة الأولى، فكثير من الناخبين أرادوا الخروج من الاستقطاب الثنائي { الواعين }، والبعد عن المتخاصمين وهذا يشمل الاميين وأشباه الأميين.لكن السبسيون، سيشككون في النتائج، ما لم تكن لصالح السبسي، ولن تكون لصالحه مالم يدعو الحاصلون على المراتب الثالثة والرابعة والخامسة ناخبيهم إلى التصويت لصالحه وهو أمر مستبعد نظرا للخلافات الجوهرية بين هذه الأطراف والباجي قايد السبسي، في الوقت الحاضر على الأقل.
عبد الباقي خليفة