لا حل للوضع السوري دون تركيا!؟
تركيا رقمٌ صعب في المعادلة السورية اليوم، تماماً كما ظلت باكستان رقماً صعباً في المعادلة الأفغانية، بعض الدول قد تظن نفسها رقماً صعباً في أزمة طارئة ما، ولكنه رقم صعب آني وهمي لا يستند إلى عمق سياسي واجتماعي واقتصادي وجيوبولوتيكي، كما توهمت إيران بأنها رقم صعب في العراق ولبنان وسوريا واليمن وغيرها، فحقائق التاريخ والجغرافيا تصرخ مدوية أن لا رقم صعباً لها في ظل عداء تاريخي واجتماعي لها مع شعوب هذه الدول ومكوناتها.
تركيا رقمٌ صعب في المعادلة السورية اليوم، تماماً كما ظلت باكستان رقماً صعباً في المعادلة الأفغانية، بعض الدول قد تظن نفسها رقماً صعباً في أزمة طارئة ما، ولكنه رقم صعب آني وهمي لا يستند إلى عمق سياسي واجتماعي واقتصادي وجيوبولوتيكي، كما توهمت إيران بأنها رقم صعب في العراق ولبنان وسوريا واليمن وغيرها، فحقائق التاريخ والجغرافيا تصرخ مدوية أن لا رقم صعباً لها في ظل عداء تاريخي واجتماعي لها مع شعوب هذه الدول ومكوناتها.
لعل القاسم المشترك بين التحالف الدولي والوسيط الأممي الجديد دي ميستورا هو تجاهل الدور التركي تماماً فيما يخص التحركات بسوريا، ظهر ذلك بإصرار دي ميستورا على زيارة الدول الحليفة للنظام السوري ومن بينها حزب الله لاسترضائه في التوصل لتسوية بطعم إيراني وأسدي وهي الخطة التي قدمها صحافي إيراني الأصل نير روزن لمعهد الحوار الانساني في جنيف ليسارع دي ميستورا إلى التقاطها والترويج لها على أنها خطته، بينما الكل يعلم أنها خطة إيرانية ـ أسدية المنشأ والأصل، وبالتالي بقدر ما هدف الخطة إسقاط الثورة السورية بقدر ما تستهدف رأس تركيا.
المضحك أن هذه الأطراف المتآمرة على الثورة السورية لا تعي أن العالم قد تغير، وأن القوة الحقيقية هي قوة الشعوب التي انتفضت معلنة قطع صلاتها مع الماضي إن كان على مستوى تركة الإذلال والخضوع للأجنبي أو الاستبداد المحلي التي كُبلت بها لعقود، أو على مستوى التجهيل والتهميش في تقرير مصيرها، غير أن العقلية الاستعمارية لا تزال تظن أن بمقدورها إملاء الحلول واستيرادها من معاهد أجنبية لا علاقة لها بنبض الشعوب وطموحاتها، وهي التي صنفت منذ البداية تقريباً الثورة السورية على أنها حرب أهلية، وكما يُقال في علم الأصول " الحكم على الشيء فرع عن تصوره" وبالتالي ما دام التصور عن الثورة حرباً أهلية لا بد أن يكون الحكم عليها منسجماً مع ذاك التصور.
لا تزال بعض القوى الدولية والمحلية تخال أن أدوات الماضي تصلح لمعالجة أزمات الحاضر، فلا تزال ترفض أن الحاضر لم يعد مستقبلاً للماضي بقدر ما هو حاضرٌ لمستقبل تتطلع إليه الشعوب بعيون متفائلة في أن تعود أمجاد ماض بعيد سعى المتآمرون في الداخل والخارج إلى قطعه عنا، كانت البداية بفرض الدولة القومية على شعوب المنطقة بعد القضاء على الخلافة، لفصلنا عن ذاك الحاضر الجميل، واستطراداً هنا أقول بأن أكبر جريمتين غائبتين هما اغتيال مادتي التاريخ والجغرافيا كونهما تذكراننا بتاريخ الأمة العريق وبجغرافيتها المنداحة من غانة إلى فرغانة وحتى فينا وفرنسا ولندن وروسيا.
يستطيع أوباما القفز على الحقائق كما قفز على الخط الأحمر الذي رسمه لطاغية الشام باستخدام الكيماوي، وابتلع كرامته ولم يُنفذ تهديده آنئذ حين تعداه الأسد واستخدمه وخنق به أكثر من ألف شخص بينهم أطفال ونساء، لكن الحقائق على الأرض الصارخة أن لا حل دون تركيا في سوريا حقيقة هو أقزم من أن يقفز عنها، لا لأن تركيا قوة عسكرية ضخمة تستطيع قلب الموازين العالمية لصالح منافعها ومصالحها، ولكن لأن تركيا غدت متصالحة مع تاريخها وجغرافيتها وقبل هذا كله قيمها بالوقوف إلى جانب المظلوم فدفعت السياسة التركية ثمناً باهظاً آنياً ظاهرياً تمثل باستعداء الانقلابيين في مصر وكذلك استعداء العالم تقريباً بسبب مواقفها الصلبة والواضحة تجاه ثورة الشعب السوري، إلا أنها كسبت الشعوب وغدا هدفها هو هدف الشعوب لا هدف الأنظمة المستبدة والثورات المضادة وهو ما يجعلها رقماً صعباً.
تركيا اليوم ينظر إليها الشعب السوري على أنها أقرب إليه من كثير من الأنظمة العربية، ويكفي القول إن كل الأحزاب والجمعيات والألوية العسكرية ومعهم المهاجرين من الغرب والشرق والشمال والجنوب الشامي لم تجد السلام والأمن والطمأنينة والكرامة إلا في تركيا بني عثمان، في حين تعرض الشعب السوري لحملة إذلال غير مسبوقة من بعض الدول العربية التي هاجر ونزح إليها، تركيا اليوم هي سورية اليوم وتركيا بني عثمان هي نفسها سورية السلطان سليم حين افتتحها وانداح بعدها إلى العالم الإسلامي، حقائق السياسة قد تقفز عليها، ولكن حقائق التاريخ والجغرافيا والشعوب المنسجمة ستكسر من يتجرأ بالقفز عليها.
أحمد موفق زيدان
- التصنيف:
- المصدر: