ما بعد داعش .. سؤال المرحلة
لم يكن مستغربا إعلان الحرب على تنظيم دولة الإسلام في العراق والشام ، فهو تطور طبيعي لمجريات الأحداث، أو بالأحرى لترتيبات الأحداث !!
ما ترتكبه داعش من جرائم وتجاوزات، يتفق العقلاء على إنكاره بشكل قاطع " شرعا وعرفا " كما أن ما يقال حول صناعتها أو اختراقها أو استخدامها لتحقيق أهداف ما لأطراف ما، هو ما لا تستطيع نفيه قطعيا .. ولا تستطيع إثباته قطعيا أيضا .. وأحسب أن هذا محل اتفاق في مجمله.
إذن الآن يمكننا تجاوز مرحلة الاتفاق والنظر للأمر من زاوية أخرى ألا وهي مرحلة (ما بعد داعش) التي هي آتية عاجلا أم آجلا، فمثل تلك التنظيمات مصيرها إلى الزوال والتلاشي والتآكل، إما داخليا بالانقسام والتشظي والتخلي والتراجع بين عناصر التنظيم كما فعل ويفعل التنظيم مع (القاعدة) الأم، أو بتصفية وحرب إقليمية ودولية، وها نحن نسمع كل يوم طبول حرب يقرعها قارع من هنا أو من هناك، وما يؤخر نيرانها ليس سوى حسبة المصالح والمغانم، وأيضا مدى تقبل الخسائر المتوقعة بين أطراف التحالف الإقليمي والدولي.
الأمر الجدير بالتفكير فيه الآن، هو ذاته ما يقلق ويثير مخاوف تحالف حرب تنظيم الدولة، وهو أن ما تحقق لداعش من مكاسب كبيرة على الأرض لم يكن أبدا بالأمر الهين، فالتنظيم " بلا مبالغة " يسيطر على مساحات تتجاوز مساحة عدة دول في المنطقة العربية !!
وهي ليست صحراء جرداء قاحلة، بل مدن وبلدات كبيرة عامرة بالبشر والموارد والإمكانيات، أضف إليها السلاح والعتاد الذي امتلكه.
أيضا لا ينبغي إغفال العدد الكبير من المنتمين والمقتنعين والمتعاطفين الذين يقاتلون تحت راية التنظيم ( عقائديا ) والتي تفيد التقديرات بلوغ عددهم سبعين ألفا !! ما يمكن أن يكون مصيرهم، وهل بالإمكان استيعابهم ومراجعتهم والعودة بهم إلى الحق كما فعل ابن عباس رضي الله عنه مع الخوارج، أم يتركون للذبح والمطاردة والسجون والانتقام منهم .. ولهم.
لدينا كذلك سكان المدن والبلدات الذين خضعوا للتنظيم طوعا أو كرها وأيدوه وتعاونوا وتعايشوا معه كأمر واقع.
والموارد الكبيرة التي سيطروا عليها، ما هو مصير كل هذا ولمن يذهب .. بعد داعش ؟!
فالذي ندركه تماما أن الأمور لن تعود إلى ما كانت عليه من قبل، أو هكذا يمكن أن تنتهي الأمور ببساطة، فما كان قد انقلب رأسا على عقب ولا يمكن العودة إليه أبدا، القادم مختلف، إنه عالم جديد يتشكل.
التحالف الذي أُعلن عنه لحرب تنظيم الدولة إن قضى أمره بالمضي قدما فيما يريد فلن تكون نزهة لأي طرف، وإن قدر الله هزيمة التنظيم، فلن يكون المنتصر سواء أكان "غربيا .. أو طائفيا .. أو مجرورا به " أقل سوءا وشرا من تنظيم الدولة.
وإن عجز التحالف عن تحقيق أهدافه " وهو غير مستبعد " في ظل سبواقه المشهودة في ( عالمنا الإسلامي ) فالأزمة إلى استفحال وانفجار أكبر وأخطر في المنطقة ، وسوف يتعدى تأثيرها حتى يصل إلى ما يقض مضاجع الغرب الآن.
تنظيم الدولة كله " كما يظهر " من أهل السنة، والمناطق التي سيطر عليها جلها لأهل السنة، والسبب الرئيسي المحرك لهذا التظيم وغيره هو الاستهداف الممنهج والبشع لأهل السنة، ولا يسعى أي طرف دولي أو إقليمي بشكل فعال وجاد لوقف تلك التصفية والإبادة لأهل السنة، وأهل السنة هم غالبية مسلمي المنطقة والعالم الإسلامي.. فماذا سيفعل أهل السنة !؟
إذن السؤال الذي يجب الاستعداد لتنفيذ جوابه على أرض الواقع : هل بالإمكان أن نرى تكتلا سنيا سياسيا مقاوما ومعتدلا يستطيع أن يكون بديلا أو وريثا قويا لهذا التنظيم ؟
يستطيع التعايش بحكمة وحنكة وعزة مع المتغيرات والمصالح والمطامع الإقليمية والدولية، حتى تتم المحافظة على ما تحقق من مكاسب على الأرض بخروج بعض المناطق من سيطرة مباشرة للنظم الطائفية، والبناء عليه ؟ أم سيُـترك كل هذا للمشاريع الغربية والطائفية ؟
في الوقت الذي ندرك فيه تماما ويقينا أن المنطقة يعاد تشكيلها وترتيبها مرة أخرى وبحسابات جديدة وجادة، أم سيبقى أهل السنة يتحدثون فقط عن وضعهم التاريخي " القديم " في وقت يمكن أن تُـشكل فيه الأمور وتُـصنع التوازنات وتعاد إلى سياقها التاريخي واقعا لا أحلاما.
في لقاء لي مع أحد المفكرين قال : إن داعش مثل مقاول الهدم، فلندعهم يقومون بتنظيف المنطقة من قذاراتها !فسألته : ومن الذي سيكون مقاول البناء ؟
فسكت !!
حسن قطامش
- التصنيف:
- المصدر: