نحن الموشكون على الموت نُحيِّيك
وينقشع غبار المعركة عن قتيل وفائز، ليحيي الجمع من فاز من العبيد، وقد فاز العبد بحياته وكفى بها جائزة ويشعر العبد الفائز بالفخر، فها هو قتل أخاه وصار القيصر والحضور الكرام يحيونه، وينسى دماءه التي تنزف على جسده وينسى دماء أخيه التي تسيل تحت قدميه، ويتذكر الشرف والعزة فها هو قيصر بنفسه يحييه، فيا لها من عزة ويا لها من كرامة، وما أعظمه من قيصر ليمن علي بتلك الجائزة ألا وهي تحيته المقدسة.
كنت كتبت هذا بعد أحداث مباراة مصرو الجزائر، ولعل الفائدة مستمرة.
بعد ما رأيت تداعيات مباراة مصر والجزائر المحزنة، والأيادي الخفية التي تثير كلا الطرفين. للأسف أرى أن حياتنا قد صارت كمصارعة دموية رومانية، نلعب فيها دور العبيد الذين يتصارعون حتى الموت لتسلية السادة والقيصر، وكأن المشهد يعود بعد أكثر من ألفي عام.
العبيد يستعدون للعب وللموت، والحضور في انتظار بدء العرض الممتع، ويخرح العبيد لتهلل الجموع، ها قد حانت لحظة رؤية الدماء.. ها قد حانت لحظة المتعة.
يسير العبيد جنبًا إلى جنب حتى يصلوا أمام القيصر..
ينحنون بكل ذل وخنوع ويقولون: "نحن الموشكون على الموت نُحيِّيك".
تحية القيصر وإجلاله أعظم نهاية لحياة العبيد، فهي أهم من أن يفكر أحدهم في الموت الذي سيقابله بعد لحظات.
ثم يشير القيصر بيده فترى من ساروا جنبًا إلى جنب ولربما كانوا أصدقاء أو إخوة، تراهم وقد التفتوا لبعضهم البعض وبدأت العيون في تبادل نظرات الكراهية والتوعد، كيف لا وقد أشار قيصر ببدء القتال.
وانطلق كل منهم لا يريد شيئًا سوى قتل غريمه (أو أخيه قبل لحظات)، و صاروا يتقاتلون قتالًا لا رحمة فيه فلا بد من النصر أو الموت.
وكلما جرح أحدهم الآخر ازدادت المعركة ضراوة وازداد الجمهور متعة وامتلأت جنبات الملعب بصيحات التشجيع. وازدادت شراسة العبيد في القتال حتى نسوا قيصر والجمهور وصار القتال هدفًا في حد ذاته.
وقيصر يجلس على كرسيه يملؤه الفخر، فها هي سبابته تشير فيصير الاخوة أعداء ويموتون في سبيل متعته، فيقول لنفسه ما أعظمني من قيصر أملك القلوب فتحب وتكره بأمري، وتقتل وتموت بأمري، الكل رهن بإشارة من سبابتي، إن شئت أوقفت القتال وإن شئت تركتهم حتى الموت.
وينقشع غبار المعركة عن قتيل وفائز، ليحيي الجمع من فاز من العبيد، وقد فاز العبد بحياته وكفى بها جائزة ويشعر العبد الفائز بالفخر، فها هو قتل أخاه وصار القيصر والحضور الكرام يحيونه، وينسى دماءه التي تنزف على جسده وينسى دماء أخيه التي تسيل تحت قدميه، ويتذكر الشرف والعزة فها هو قيصر بنفسه يحييه، فيا لها من عزة ويا لها من كرامة، وما أعظمه من قيصر ليمن علي بتلك الجائزة ألا وهي تحيته المقدسة.
ويسير نحو الخروج من الملعب في فخر وزهو، ونفسه مشتاقه لعرض جديد، مباراة أخرى يحرز فيها نصرًا أعظم على أخ جديد ليحيي القيصر بأعظم تحية: "نحن الموشكون على الموت نُحيِّيك".
والله أعلم.
- التصنيف:
- المصدر: