حوار مع نفس لوامة
يالكِ من نفسٍ غريبةٍ عجيبةٍ متناقضةٍ تناقضًا تحملُه طياتُك فيكِ، فأنتِ لوامةٌ دائمًا، إما لنفسِك ولصاحبكِ، فُتُفْلِحَا معًا، وإما لغيرِكِ دفاعًا عن صاحبِك من سياطِ لومِكِ
تقدمة
أتدرون ما نتحدث بصصده الآن؟ إنها النفس اللوامة.
أعلم أنكم كنتم تعلمون، لأن المقالَ اقتبسَ اسمَها لعنوانِه منها قبل سؤالي، ولكن ليس هذا مقصدي، لا لا؛ ليس هذا، أقصد التفكر مليًا، وليس مجرد العلم، إنها النفس اللوامة، تلك التي أقسم بها ربنا في كتابه العزيز: قال تعالى في سورة القيامة: {لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ، أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَلَّن نَجْمَعَ عِظَامَهُ، بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ} [القيامة:1-4] صدق الله العظيم.
أليس بأمرٍ يدعو للتفكر؟ إنها كيان استحق قسم رب العالمين بها.
- حوار مع نفس لوامة:
يا له من شأن عظيم لك أيتها النفس اللوامة؛ أن أقسم بكِ ربُك دونًا عن أنواع النفوس، ولكن هلا أثقلتُ عليكِ بسؤال؟ لمَ استحققتي قسم إلهِ الكون وبارئه أيتها النفس اللوامة؟! ماذا؟! ما أخبرتنيه به مفهومٌ مركبٌ أيما تركيب، إن لكِ من المعاني والمباني، من الظواهر والبواطن، ما تنوء به العُصبة أولو القوة، لكن؛ هلا منحتيني فرصةً أن أكرر ما استوعبته منك؟ حسنًا.
ما استوعبته من خطابك: أنكِ نفسٌ عجيبة، بها من المتناقضاتِ الكثيرُ الغامض، إنك جُبِلْتِ على اتهام صاحبك دومًا حتى تحولتي من لائمة إلى لوامة، ولكن أمرَك عجيب أنت وصاحبك، لا أدري لماذا أذكركما اثنين مع إحساسي بتوحدكما.
إنكِ تلومينَ الصالحَ لأقلِ ذنبٍ يقترفه، فيسارعَ بتصحيح مساره، كي تصرفي عن وجهه شعاعَ وهجكِ المُذهبَ لنور العيون، إنه يخشى حدة هذا الشعاع المُحمل بسياط اللوم على عصيانه ربَ العالمين، فيتوبَ من قريب، يا لها من مهمةٍ عظيمة هذه التي تضطلعينَ بها في توبته، توبةِ صاحبِك، توبة نفسك أنتِ أيتها النفس اللوامة، مهمةٍ استحققتي بها قسمَ ربِك بِكِ.
ولكني أحسستُ بدورٍ آخرَ عجيب، كثيرًا ما تتواطئين فيه أنت وصاحبُك عليكما، فأنتما الجاني والضحية معًا، إن صاحبَكِ من فرطِ خوفِه من لهب شعاعكِ المحرق لأنسجة العيون، كأنه أتى بمرآة فعكسَ طاقتَك ليحولَها إلى قدر هائل من الخداع، خداعِك في دورك، وخداعِ صاحبك في استبصارِ حقيقتِك، حقيقةِ نفسِه.
إني أرى صاحبك وقد استعمل طاقتك في لومِ كل نفسٍ عداكِ، إنك تنعكسين على مرآة خداعه، لتتوجهي للناسِ من حولك، هؤلاء الناس هم نفسهم الذين ظُلِموا منك أيما ظلم، الآن توجهين لهَم لومك على ما صدرَ منكِ منْ ظلمٍ نحوَهم، الآنَ وفي خفة ماكرةٍ سُوءًا تقلبينَ الأوضاع، فتجلدينهم، هُمُ البرؤون من ظلمِهم لكِ، بل الضحايا لظلمِك لهم، بسياطك المُلهبةِ المُلتهبةِ عِقابًا على تسببهِم في ظلمِك المزعومِ منكِ بادعائِهم ظلمَكِ لهم، فتجبرينهم بشعاعِك الفتاك على اعترافِهم بظلمهِم لكِ، بينما تحاولين كادةً جاهدةً إقناعَ صاحبِك بهذهِ الفِرْيَةِ إلى أن تُفلحِي في تصديقِه إياها.
يالكِ من نفسٍ غريبةٍ عجيبةٍ متناقضةٍ تناقضًا تحملُه طياتُك فيكِ، فأنتِ لوامةٌ دائمًا، إما لنفسِك ولصاحبكِ، فُتُفْلِحَا معًا، وإما لغيرِكِ دفاعًا عن صاحبِك من سياطِ لومِكِ، فتظلمي غيرَكِ بخداعِك لهم، ثم لومِكِ إياهم فداءً لكِ، وتهلكا أنتِ وصاحبُك معًا وبئست هَلَكَة.
- مواجهة:
أيتها النفس اللوامة! هل أفلحت في فهمكِ؟
ماذا؟! أشم رائحة لهيب لومك على كشف بعض حقائق لومِك.
يا لك من نفس لوامة!
ليس لي ردٌ عليكِ إلا ما قاله ربُ العزة: {أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَلَّن نَجْمَعَ عِظَامَهُ. بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ} [القيامة: 3-4]
والله أعلم.
- التصنيف: