كيف تصبح من النخبة السعودية؟
أحمد بن عبد المحسن العساف
في شهر ربيع الأول القادم عام(1436)، يمر عشرون عاماً على تأليف أول مجلس وزراء سعودي محدد المدة، ولم يتبق من أعضاء ذاك المجلس سوى الملك، ووزراء الخارجية، والتعليم والعالي، والمالية، ووزيرا دولة مخضرمان؛ هما د. مطلب النفيسة، ود. مساعد العيبان، أما باقي الأعضاء فقد تخرمتهم المنون، أو أدركهم الإعفاء من مناصبهم؛ بناء على طلبهم، أو بدون طلب!
- التصنيفات: الواقع المعاصر -
في شهر ربيع الأول القادم عام(1436)، يمر عشرون عاماً على تأليف أول مجلس وزراء سعودي محدد المدة، ولم يتبق من أعضاء ذاك المجلس سوى الملك، ووزراء الخارجية، والتعليم والعالي، والمالية، ووزيرا دولة مخضرمان؛ هما د. مطلب النفيسة، ود. مساعد العيبان، أما باقي الأعضاء فقد تخرمتهم المنون، أو أدركهم الإعفاء من مناصبهم؛ بناء على طلبهم، أو بدون طلب!
ويُلاحظ أن مجلس الوزراء السعودي يجري عليه تغيير جوهري كل عشرين عاماً تقريباً، فقد تألف أول مرة عام(1373)، وفي عام(1395) أصبحت سمة المجلس الجديد غلبة الشباب التكنوقراط، ثم دخل نظام العضوية المؤقتة بأربع سنوات حيز التنفيذ عام(1416)، مع أن الأمر صدر به قبل عامين من ذلك الوقت، وفي هذه الأيام ربما يجري على المجلس تجديد بناء على مدة العضوية، أو يحظى بنقلة نوعية بعد عشرين عاماً من آخر تحديث؛ والكل ينتظر، والعلم عند الله، وربيع الأول لناظره قريب.
ومع اقتراب مواعيد التعيين في مجلس الوزراء، أو مجلس الشورى والوظائف العليا، تكثر التكنهات، وترتفع وتيرة الإشاعات، وتشرئب أعناق من يرون أنفسهم أهلاً لتسنم المناصب، فيسرفون في الحضور الثقافي كتابة وتحدثاً، ويغشون مجالس علية القوم؛ لعلهم أن يذكروا في حلقات الترشيح، وربما يتجرأ البعض برفع عقيرته منتقداً كأنه يقول: إني هنا! ويظل هذا الأمر سراً لا يعلم به أحد حتى يعلن؛ وقد لا يعرف المُقال لم أقيل، كما لا يدرك أغلب الناس على أي أساس جاء البديل!
وبين يدي كتاب يدرس هذه النخب، وعنوانه: النخب السعودية: دراسة في التحولات والإخفاقات، تأليف: د. محمد بن صنيتان، صدرت الطبعة الثانية منه عام(2005م)؛ عن مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت، بعد عام واحد من صدور الطبعة الأولى، ويحمل الرقم (48)، ضمن مطبوعات المركز من رسائل الدكتوراه، ويقع في مئتين وعشرين صفحة، ويتكون من تقديم وقسمين، ثم خاتمة فملحق، وقائمة بالمراجع وفهرس للأعلام، ويحتوي القسم الأول على مقدمة وفصلين؛ بينما يضم القسم الثاني تسعة فصول.
وأصل الكتاب، أطروحة دكتوراه قدمت للجامعة التونسية، ولم يذكر المؤلف أسماء لجنة المناقشة؛ ولا نتيجتها كالمعتاد في الرسائل العلمية. وفكرة الكتاب تقوم على دراسة النخب السعودية، ويظهر بين فينة وأخرى الامتعاض من إقصاء القبائل عنها؛ كما يقول المؤلف الذي ينتمي لإحدى هذه القبائل الكريمة. والباحث تقاعد من العمل الأمني على مرتبة لواء، ثم أنشأ مركز ساس الوطني لاستطلاع الرأي العام والبحوث، وسبق أن درس الاقتصاد، وعلم الاجتماع، في البكالوريوس والماجستير والدكتوراه، في جامعات محلية، ودولية، وإقليمية، وله مؤلفات أخرى عن الشأن السعودي.
ومن مزايا الدراسة أنها مختصرة، وفيها من الجداول، والرسومات البيانية، والإحصاءات، ما يغني عن كلام كثير، واستخدم الباحث عدة مناهج في آن واحد، لتخدم الدراسة التي أعدها دون إثقال على القارئ، وعانى من تحفظات النخب السعودية في التجاوب معه؛ والتحفظ سمة نخبوية في بلد كالمملكة، علما أنه حصل على إجابة(67) استمارة من مجمل الاستمارات التي وزعها؛ وعددها مئة استمارة، وأجرى مسحاً على (2300) شخص من مفردات النخب بأنواعها، واستنتج أخيراً بأن النخب السعودية منغلقة على نفسها كثيراً، ويحاصرها التوجس والحيطة، وترفض المكاشفة، وتخفي علاقاتها، كما أنها تميل للتكتم، ولمراقب أن يقول: النخب على طريقة منتخبِها!
ويوجد تبديل بين الصفحتين (78) و (87)، وتكرار في جدول بياني برقمين مختلفين، كما أن الشرح المكتوب عن إجادة اللغات من النخبة الاستشارية، لا يتوافق مع الرسم البياني. وأجهد المؤلف نفسه في شرح مسائل من السياسة الشرعية، وكان يكفيه البحث في المكتبة الإسلامية؛ والإحالة إلى كتب ودراسات علمية، دون الخوض في مسائل ليست من صميم الدراسة، ولا من اختصاص الكاتب، مع الثناء على حميته لدينه، وغيرته على جناب الشريعة.
ومما أتعجب منه أن المؤلف منح للمشايخ سلطة أعلى مما هي عليه واقعياً، وعلل بعض تصرفات المؤسسة الدينية بأنها براغماتية؛ وغايتها حماية المواقع! ومثّل لذلك بموقفهم من حرب السبلة؛ ويرى أنهم المحرض عليها لإقصاء البادية من الواجهة، وأشك كثيراً في هذا التعليل الذي يستلزم دهاء سياسياً. ومع أن المؤسسة الدينية كانت مؤيدة لتصرفات الحاكم في القضايا الكبرى؛ بطريقة تثير أكثر من سؤال، إلا أنها اختلفت معه في مسائل أخرى مهمة؛ لكنها ليست مصيرية، ومواقف العلماء خلال مائة عام؛ بحاجة لدراسة شرعية وسياسية حتى نتجنب التعميم، والظلم.
ولم يوفَّق الباحث حين ذكر بأن المتدينين يصفون كل دارس في الخارج بأنه علماني، ولم يصب كبد الحقيقة بقصر "الثقافة والفكر والدراسة العصرية" على فئة؛ وكأنه لا يقرأ المشهد كاملاً، ولو زار كليات طبية، أو هندسية، أو إنسانية، لهاله ما سيراه من سيما التدين في جمع ليس بالقليل، من الطلاب والأساتذة، ولعلم أن إطلاقاته غير دقيقة، ولا تعكس واقع مجتمعنا، وأنها جديرة بالمراجعة في طبعات قادمة من الكتاب، ولو تأمل أكثر لوجد بأن "المتدينين" المؤهلين؛ محرومون-إلى حد كبير- من الوظائف النخبوية تماماً كأبناء القبائل؛ هذا باستثناء نخبة المشايخ التي يصعب شغلها بغيرهم.
أشار الباحث في التقديم إلى أهمية دراسة النخب في الأنظمة المركزية على وجه الخصوص، وذكر بأن النخب السعودية، مكونة من نخب صغرى، وزراية واستشارية، ومشايخية وبيروقراطية وفكرية، ولم يتعرض للنخبة الاقتصادية أو العسكرية أو النسائية. ويجزم د. محمد بن صنيتان بأن هذه النخب خاضعة للثنائيات؛ التي كرست استحواذ المثلثات الحضرية في منطقتي نجد والحجاز على الوظائف العليا. وذكر الباحث أنه افترض أمراً وسعى لإثباته، ولو قال بأنه سعى لدراسته بحيادية؛ لكان أليق بالبحث العلمي، الذي من سمته الاستقلال والمصداقية.
عنوان القسم الأول من الكتاب، الإطار النظري لمفهوم النخبة، وبحث الفصل الأول نظرية النخبة، واستعرض آراء علماء الاجتماع السياسي، وخلص إلى أن مسمى "النخبة" أنسب في الحالة السعودية من الطبقة، وذكر الباحث بأن دورة النخبة عملية مستمرة، إما بين أفراد النخبة ذاتها، أو بين نخبة ونخبة أخرى، وقرر بأن النخب فئة قليلة منظمة، تسيطر على فئة كبيرة غير منظمة، ولو استطاعت هذه الأخيرة تنظيم نفسها؛ فربما أحدثت تغييراً جوهرياً، ولذلك تحرص بعض النخب على إذكاء العدوات؛ وبث عوامل التفرقة، وتعطيل مؤسسات المجتمع المدني، كي يضعوا أنفسهم حكاماً بين أطياف المجتمع المختلفة، بينما هم على التحقيق الخصم الأكبر!
وبعد أن شرح سمات النخبة بما يحسن الرجوع إليه، انتقل للفصل الثاني عن الدراسات النظرية للنخب السياسية في الوطن العربي، وعرض مختصراً عن دراسات سابقة حول النخب في البحرين، والسعودية، واليمن، ومصر، والإمارات، والكويت، وهي بمجملها نخب تتشابه في طريقة اختيارها، وطبيعة عملها، ومحدودية تمثيلها وتأثيرها، وإن تفاوتت في سماتها العمرية والدراسية.
النخب السعودية: المكونات والخصائص هو عنوان القسم الثاني، والفصل الأول منه وهو الثالث من الكتاب-هذا الترتيب مربك؛ فلو جعل ترقيم الفصول مستقلاً حسب الأقسام لكان أحسن- عن النخبة الوزارية، وهم أعضاء مجلس الوزراء؛ الذي يضطلع بعمل تنظيمي وتنفيذي، ويعد الأقرب لدوائر صنع القرار-وهذا يعني أنه لا يصنع؛ وإنما ينفذ فقط-، وقد أُنشأ في غرة صفر عام(1373)، وبدأ بست وزارات؛ تولى خمسة منها أبناء الأسرة الحاكمة، وبعد أكثر من ستين عاماً، أصبح المجلس عام(1436)، مكوناً من (24) وزارة، وعدد من وزراء الدولة بلا وزارة، إضافة للرئيس ونائبيه؛ وأحدهما يتولى حقيبة وزارية، وثمانية من أعضائه أمراء. واستقالة الحكومة غير واردة لأن الملك يرأس المجلس، وأشار المؤلف في سياق حديثه عن المجلس، إلى أن دراسته غير معنية بدراسة الأسرة الحاكمة، أو خط توارث العرش، وهذان الأمران محط اهتمام الغربيين، وفيهما العديد من الرسائل والكتب.
وجزم د. ابن صنيتان أن الأساس في تعيين الوزراء هو الولاء والثقة، وليس الكفاءة دوماً، وأن الهاجس الأمني، وولاء المرشح، مقدمان على أي شيء-روي لي بأن مَنْ يصل إلى مرتبة وظيفية معينة، يُفتح له ملف أمني للرجوع إليه عند الحاجة-! وأجاب (41%) من العينة بأنه مسبوق بواحد أو أكثر من عائلته في المناصب العليا، ولذا فالسمة العائلية للنخبة بارزة، والتجنيد الارستقراطي واضح بلا اعتساف، وأفاد (70%) منهم بأن المعرفة السابقة ضرورية لبلوغ المنصب.
وكان الوزراء في أول عهد الملك خالد شباباً-أي مجلس عام(1395) -، وغالب أعمارهم اليوم فوق الخمسين وربما الستين، ومن الطريف أن أحد المعينين على مرتبة وزير، وليس عضواً في المجلس؛ وإنما رئيس لهيئة مستحدثة قبل أعوام قليلة، جاء لأداء القسم، وهو يحمل على عاتقة أعباء سبعين عاماً ظاهرة الأثر، مما جعل أحد المسؤولين الكبار يقول لسكرتيره متعجباً: هذا عود! أي كبير في السن، ولم يفتأ المسؤول أن اختار له نائبين شابين.
وتوصل الباحث إلى أن ممارسة الوزراء لمهامهم تتسم بالفردية، مع غياب العمل المؤسسي، وهذا مُشاهد مع الأسف؛ فكل وزير ينقض ما شاده سابقه وإن كان صواباً. ويتميز الوزراء بطول مدة البقاء في المنصب، فخلال فترة زمنية واحدة سُمي في الأردن(500) وزير، وفي مصر(400) وزير، بينما العدد في السعودية لا يتجاوز(105) وزراء فقط! علماً أن هذه الدراسة التي أكتب عنها تتوقف عند أوائل عام (1420).
وصدر أمر ملكي عام (1414) بتحديد مدة عضوية المجلس بأربع سنوات قابلة للتجديد، وبناء على هذا القرار تألف مجلس عام(1416)، وكان التجديد فيه بنسبة (14%)، وفي عام (1420) دخل المجلس ثلاثة وزراء جدد فقط؛ وهو تجديد ضئيل، وفي عام(1424) دخل المجلس خمسة وزراء جدد، وخرج سبعة، وألغيت وزارتان؛ بينما عدل مسمى ثمان وزارات.
وفي عام (1428) -وهي المرة الأولى التي يصادف وقت التأليف الوزاري عهد الملك عبد الله-لم يتغير شيء في المجلس، وهو ذات الأمر الذي حدث خلال عام(1432)، ويعزو البعض ذلك إلى خلاف حول بعض الحقائب؛ بينما يجزم آخرون بأن الغاية من تجاوز المدة دون تأليف جديد، هو ألا يعتاد الشعب على التغيير ويترقبه! ويبرهنون على صحة هذا الرأي؛ بأنه خلال السنوات السابقة واللاحقة لمواعيد الاستحقاق الوزاري، أجريت تعديلات كبرى وجوهرية؛ وكثير منها في غير الموعد المعتاد، مما ينفي وجود الخلاف!
ويرى المؤلف أن النخبة الوزارية لها انتماءات مناطقية واضحة، فمثلاً يرجع (40%) من أعضاء المجلس لمنطقة الرياض؛ وتحديداً للعارض وسدير والوشم دون ما سواها، ويعود (31%) منهم إلى مدن منطقة الحجاز: مكة والمدينة وجدة. ويستحوذ القصيم بمدنه المختلفة على (18%) من حقائب المجلس عبر تاريخه، وحصلت الأحساء على (7%) من نسبة الوزراء، وما بقي فموزع بين جازان، وحائل، والقبائل-نسي المؤلف احتساب يوسف الهاجري وزير الصحة في عهد الملك فيصل-، ولم تمثل باقي المناطق، علماً أنه أصبح في المجلس فيما بعد وزراء من الجوف (د.المانع)، وعسير(د.المتحمي)، ونجران(د.أبوساق).
وعليه، فالسيطرة على المجلس واضحة لمنطقتي نجد والحجاز؛ من خلال تمثيلهما بتسعة أعشار الوزراء، ويعزو البعض السمة النجدية للحكومة، إلى كونها موئل الأسرة الحاكمة، والمنطقة الأقل معارضة، ومنها انطلق التأسيس القديم والحديث، وارتباطها وثيق الصلة بالدعوة السلفية التجديدية، وأما الحجاز فلخبرتها الإدارية أيام الأشراف، وارتفاع المستوى التعليمي والثقافي لأهلها.
ويتبين أنه بعد تحقق الولاء والثقة، فإن الحسم يكون لصالح الاعتبارات العائلية والإقليمية؛ ومصالح السمسرة، وكثيراً ما يشاع بأن فلان محسوب على فلان؛ وهذا أمر طبيعي إذا كانت نسبته محدودة، أما إذا كان هو الأصل؛ فتصير الدولة دولة شخصيات، وليست دولة مؤسسات، وضرر هذه الصورة بالغ. ويؤكد المؤلف بأن النفاق والتملق، غديا سمة لهذه النخبة، خاصة مع عهد الملك فهد، وهو ما لا يستساغ من أناس حصلوا على مستوى عالٍ من التعليم والتأهيل.
وألمح د. ابن صنيتان إلى إشباع الوعي المحلي بادعاء الخصوصية، وإن كانت الخصوصية صحيحة في بعض جوانبها، إلا أنها حملت مالا تحتمله، وبالاتكاء عليها اتخذت إجراءات، وقرارات، لم يحالفها الصواب، وصارت درعاً ضد الانتقادات. وانتقلت الخصوصية من المجال الديني-مع أن الإسلام يحارب العنصرية-، إلى رحاب الثقافة والسياسة، حتى أن هذه الصورة الهيجلية(المثالية) خدعت العقل السعودي، وخدرته وأوقعته في شوفينية(وطنية) مفرطة، نجم عنها كره الآخرين للمجتمع السعودي؛ كما يقول المؤلف.
ومع ما للمجلس من مكانة إلا أنه تنفيذي بحت، وليس له يد في رسم السياسة الداخلية أو الخارجية، ولا يتأثر نهج البلد بتغير الوزراء، مما يدل على وجود نخبة مرتبطة برأس الهرم، وعليها مدار الأمر، وقد أشار المؤلف في موضع آخر إلى أن هذه النخبة تبقى خلف الأضواء، وغير معروفة بدقة، ولذلك فكثيراً ما ينُسب إليها الخطأ دون الصواب!
وأشار المؤلف كثيراً لتأثير المجلس العائلي، وعادة يكون أعضاؤه من الوزراء أبناء الأسرة الحاكمة، ويضم مع الملك نائبيه، ووزراء الداخلية والدفاع، والحرس والخارجية، ويعود لهؤلاء تعيين (97%) من النخبة الوزارية؛ كما تقول نتيجة الاستبيان. ويتعاظم أثر هذا المجلس في حال مرض الملك، أو عجزه عن مباشرة صلاحياته بشكل كامل، مما يسبب جموداً في السياسات، واختلافاً في المواقف، كما كان الحال إبان مرض الملك فهد الطويل.
الفصل الرابع عن النخبة الاستشارية، والمقصود بها مجلس الشورى، الذي تتقاطع أعماله مع مهام شعبة الخبراء، واللجنة العامة بمجلس الوزراء، وانتزعت منه الاختصاصات النيابية، كمراقبة الحكومة، وإقرار الموازنة، ومنح الثقة للحكومة أو طرحها. وفي المجلس تمثيل عمري، ومناطقي، ومذهبي، ومهني، وأخيراً دخلت المرأة في عضويته بنسبة الخمس عام(1434)، وهي نسبة مرتفعة عن المعهود.
ويجيد عدد كبير من أعضاء الشورى لغة أجنبية أو أكثر، ويتيقن غالبهم بأن عملهم أقرب للشكلي؛ إلا أنه بوابة عبور لمجلس الوزراء، أو محطة استراحة، ونهاية خدمة، لعدد من الموظفين المستغنى عنهم، ويتساءل المؤلف عن فائدتهم المرجوة أكثر مما قدموه في مناصبهم السابقة؟ ولا ينسى الباحث أن يؤكد على ما يراه ظلماً للقبائل في عضوية المجلس، ولا يخلو حديثه في مواضع متفرقة من فصول الكتاب، من التنبيه إلى سيطرة المؤسسة الدينية على التأثير؛ وهو رأي لا يستساغ إلقاؤه على عواهنه؛ من باحث في علم الاجتماع السياسي.
النخبة المشايخية هم مادة الفصل الخامس، ويُقصد بهم المشايخ، من شاغلي مرتبة وزير والمرتبة الممتازة، ثم من دونهم في الوظائف الدينية، ويتركز حضورهم في مؤسسات الإفتاء والقضاء، والحرمين والحسبة، والأوقاف والدعوة. ويرى المؤلف أن وجودهم يكتسب أهمية معنوية وشرعية للسياسي، وأنهم مكون أساسي في هيئة الحل والعقد-علماً أنهم أقصوا تماماً من هيئة البيعة المستحدثة عام (1427) -.
ويرى المؤلف بأن بعض المشايخ الوزراء قد ذابت صفته المشيخية، وتحول لأداة بيد الحكومة؛ مهمته دعم السلطة، والتخويف من الفتنة، والاستدلال بنصوص صحيحة؛ لكنها منتزعة من سياقاتها التي تمنحها تفسيراً أوسع مما يريده الساسة! والحقيقة أن هذه التهمة البراغماتية تلاحق المؤسسة الدينية من عدة باحثين؛ حيث يجمعون على أنها قصرت أعمالها على تسويغ تصرفات السلطة، وابتداع المخارج الشرعية لها، ولم ينف المؤلف وجود علماء صادعين بالحق؛ بيد أنهم بهذا الصدع جلبوا لأنفسهم مشاكل؛ أقلها الصدود والصداع!
ويعمم موقف المشايخ تجاه "مناكفة" المثقفين! وبعد آفة التعميم، ينتقل إلى تفسير التوتر بين الطرفين، ويعزوه إلى خوف المشايخ على مكانتهم! ولم يذكر شيئاً عن موقف بعض المثقفين من المشايخ، والقضايا الدينية؛ وبالتالي لم يضطر لتفسير تلك المواقف، بل يكاد أن ينفي وجود ليبراليين في السعودية؛ وهو الأمر الذي لا يستحي بعض الليبراليين من إعلانه! ومن التعميم قصره الثقافة على فئة واحدة؛ ثم محاولة تبرئتها كلها(!) من الأفكار المخالفة للشريعة، وهو ادعاء ينقضه فحص وسائل إعلامنا لمدة قصيرة.
وكرر المؤلف القول السائد بأن المؤسسة الدينية نجدية خالصة، وهذا الأمر لا يخلو من صواب فالأرقام دالة، وحين أُنشأت هيئة كبار العلماء عام (1391)، كان خمسة من أعضائها السبعة عشر ليسوا من نجد؛ ومنهم علماء أفذاذ من خارج الجزيرة العربية، وتتكون الهيئة عام(1436) من تسعة عشر عضواً، منهم ستة ليسوا من نجد. وأما الإمامة في الحرمين فمتنوعة؛ خلافاً لوظيفة الآذان المتوارثة؛ فضلاً عن إقليميتها. ومع إصرار المؤلف على تضخيم النخبة المشايخية تحضرني قصة ذهاب بعض أفاضل المحتسبين، لمسؤول كبير يناقشونه في بعض المنكرات، ومعهم فتاوى رسمية تساندهم في إنكارهم، فقال لهم المسؤول: هذه الفتاوى صادرة عن شيبان وعميان! فبربكم: ما هو التأثير لنخبة يوصف أكابرها بذلك، والوصف ليس من شخص عادي!
الفصل السادس عن النخبة المثقفة، ويعني بها فئة المفكرين ذوي النزعة النقدية، والذين يعيشون في انفصال عن المجتمع غالباً، بيد أن سمتها الأهم هي إنتاج الأفكار، وإثارة القضايا التي تتعارض مع الضغوط السياسية، والأصل في حراكها تحقيق مصالح المجتمع. وبعد دخول الانترنت، وأحداث سبتمبر، ثم انتشار مواقع التواصل الاجتماعي، لم تعد الساحة خالية لهذه النخبة فقط؛ بل أصبحت الموضوعات النخبوية تناقش في القاعات والصالونات، وداخل المقاهي والخيام، وحول ضوء الحطب في البراري.
وعندما أراد المؤلف "التفضل" على المؤهلين شرعياً بالدخول ضمن هذه النخبة، اشترط عليهم شروطاً لم يذكرها لغيرهم وكأنها متوافرة فيهم تلقائياً! وهي الرضا بوجود رأي آخر، والاهتمام بالشأن العام. ورأى المؤلف بأن هذه النخبة، تعاني من الساسة ومن المشايخ، وأن بعض أفرادها انزلقوا نحو التملق والثناء؛ ولعمر الله إن المشاهد لإعلامنا، والمراقب لمشهدنا الثقافي، يعلم يقيناً صفات المسيطرين عليه وأخلاقهم، ومدى قبولهم بالرأي الآخر، فضلاً عن مستوى عنايتهم بمشكلات الناس، وصدقهم في تتبع المطالب الشعبية، وإيصال رأي العامة للمسؤولين، فالاهتمام الحقيقي بالشأن العام؛ يُبعدهم عن دوائر الترشيح!
يتحدث الفصل السابع عن النخبة البيروقراطية، ويرصد المؤلف تضخماً في الوظائف، وتأخراً في تنفيذ الخدمات؛ مع تدني مستوى بعضها، مما يسبب ضجر الناس من الحكومة؛ باعتبار هؤلاء البيروقراطيين وكلاء لها. ومع أن الدولة ابتعثت سابقاً عشرات الآلاف من الطلاب، إلا أنه لا أثر لهم في التنمية، وأزيد فأقول بأن أكثر المسؤولين الكبار حالياً وسابقاً قد درسوا في الخارج، فما هي ثمارهم في مناصبهم؟ وهل تمكنوا من حل مشكلاتنا في شتى المجالات؟ وحين يعود مئات الآلاف من المبتعثين في المشروع الأخير: هل سيجدون فرصاً وظيفية، وبيئة ملائمة للتنمية والتجديد؟ أم أن غاية الابتعاث اقتصادية، سياسية، ثقافية؛ والتنمية أعز أمنية؛ لكنها أهون مطلوب؟! ولم يفت المؤلف تكرار إقصاء القبائل عن هذه النخبة؛ مع أن القبائل كما يقول يتولون مهمة الدفاع عن البلد، وحفظ أمنه أكثر من غيرهم، ولم يتطرق المؤلف للنخبة العسكرية؛ مع أنه رجل أمن متقاعد، وحضور القبائل في هذه النخبة ظاهر للعيان.
الفصل الثامن عن النخبة السعودية والحراك الاجتماعي، وملخصه ضعف حراك هذه النخب، وسيطرة التزلف والإقليمية عليها، ومع ارتفاع مستوى التعليم، وتتابع حركة الابتعاث، إلا أن الموروث الاجتماعي مسيطر على التفاعلات؛ والحراك داخل النخبة وخارجها. والفصل التاسع بعنوان النخبة المضادة، وفيه استعراض لتاريخ المعارضة، ويؤكد المؤلف بأن جمود الوضع ليس من صالح البلد، فالسكون قد يخفي داخله غلياناً كبيراً، ولابد من تحرك العقلاء نحو إصلاح حقيقي لا يستثني أحداً؛ ولا مجالاً، ولم يحالف التوفيق الكاتب في نسبة التيار التكفيري إلى الشيخ حمود العقلا الشعيبي.
وفي الفصل العاشر المعنون بالدوران والاستمرار والانغلاق، يؤكد الباحث على أن نخبنا المحلية طويلة عمر، وشديد الانغلاق، وعميقة التحفظ، مع ظهور المناطقية في المراتب الكبرى كما يلي: مرتبة وزير-سواء أكانوا أعضاء في المجلس أم ليسوا أعضاء-: (78% نجد، 17% الحجاز)، المرتبة الممتازة: (77% نجد، 22% الحجاز)، المرتبة الخامسة عشرة: (59% نجد، 34% الحجاز)، ومع مطالبة المؤلف بالتمثيل والمحاصصة، إلا أن الصواب هو اختيار القوي الأمين للمناصب، بعد استيفائه الشروط المعتبرة شرعاً، دون نظر لمنطقته، ولونه، وعرقه.
النخبة سجينة مواريثها المناطقية والبيروقراطية هذا هو عنوان الفصل الحادي عشر، وهو أشبه بتقرير النتيجة، وفي الخاتمة أعاد الباحث نتائج دراسته باختصار، ثم وضع ملحقاً فيه الاستمارة التي وزعت على عينة الدراسة من النخب، وبعد ذلك سرد المراجع، ووضع فهرساً بالأعلام.
ومع هذه التغيرات التي اجتاحت العالم ومنطقتنا على وجه الخصوص، يتمنى المحبون لبلادهم، بأن ينُظر للمستقبل اختيارياً، وبطريقة مغايرة لما كان عليه الحال سابقاً، فالأعداد تزايدت، ومستوى الوعي والتعليم ارتقى، والتحديات تعاظمت، والمعلومة أضحت متاحة للصغير قبل الكبير، وقنوات التأثير لا يمكن السيطرة عليها، ولا مناص من الإصلاح الشرعي الرشيد المتدرج، الذي يعلي قيمة الحق والمصلحة العليا، فوق منزلة الأشخاص، والجماعات. وحتى ينعم الجميع بالخير، فلا بد من أن يشمل الخير الكافة، وينتظم العدل جميع الشؤون، ويجري حكم الله على الأفراد، والمؤسسات، والأنظمة، وما أحسن الإصلاح وهو قريب ومتاح؛ فحين الضرورة لا ينفع إصلاح، ولا يُسمع صوت عقل، ولا يُقبل رأي رشيد.