التكفير وضوابطه

منذ 2014-12-09

فإن إخراج مسلم من الإسلام بدون دليل صحيح واضح يعد أمرا خطيرا كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (من قال لأخيه يا كافر يا فاسق وعدو الله وهو ليس كذلك رجع عليه أو حار عليه) نسأل الله العافية، وصلى الله على نبينا محمد وآل وصحبه.

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه وبعد:

فالتكفير معناه الحكم على مسلم بالكفر لسبب من الأسباب المقتضية لذلك. والناس في هذا الباب طرفان ووسط، فالطرف الأول الخوارج قديما وحديثا الذين يغلون في التكفير فيكفرون المسلمين بكبائر الذنوب التي هي دون الشرك والكفر. وهذا مذهب باطل، لأن الله - تعالى -يقول: إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء.. [النساء: 48]، ويقول النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ربه - عز وجل - أنه قال: (يا ابن آدم لو لقيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة)، وقراب الأرض ملؤها أو ما يقارب ملؤه.والطرف الثاني من يرى أن المسلم لا يكفر ولو عمل ما عمل من فعل المحرمات وترك الواجبات ما دام أنه مصدق في قلبه بالله ودينه؛ لأن الإيمان عندهم هو التصديق بالقلب ولا يدخل في تعريفه وحقيقته العمل وهذا مذهب المرجئة قديما وحديثا ويتبناه اليوم كثير من الكتاب الذين لم يدرسوا عقيدة السلف فيرون أنه لا يجوز التكفير مطلقا لأنه عندهم تشدد وغلو وتطرف ولو ارتكب الإنسان كل النواقض حتى إنهم لا يكفرون اليهود والنصارى الذين يكفرون برسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - ويقولون المسيح ابن الله وعزير ابن الله ويقولون: .. يد الله مغلولة.. [المائدة: 64]، ويقولون: .. إن الله فقير ونحن أغنياء.. [آل عمران: 181]، ويقولون: .. إن الله ثالث ثلاثة.. [المائدة: 73]، ومع ذلك لا يكفرونهم وهذا غلو في الإرجاء وإمعان في الضلال، لأن الله كفر من لم يؤمن برسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - سواء من أهل الكتاب أو غيرهم. قال - تعالى -: فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم.. [القصص: 50]، وقال: لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة.. [المائدة: 73]، لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم.. [المائدة: 17]، لعن الذين كفروا من بني إسرائيل.. [المائدة: 78]، إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية [البينة: 6]، يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم.. [المائدة: 51]، وهذا مذهب باطل يتيح لكل مفسد وكل ضال ومنحرف أن يفعل ما يشاء من أنواع الردة والإفساد، ويمنح من هؤلاء اسم الإسلام، والمذهب الأول باطل أيضا؛ لأنه يحكم على كثير من المسلمين بالكفر لمجرد ارتكاب الذنوب التي هي دون الشرك والكفر ويسبب سفك الدماء المعصومة وإزهاق الأنفس البريئة وتفريق كلمة المسلمين بالخروج على أئمتهم وحل دولتهم ويسبب القيام بالتفجيرات والترويع ويخل بالأمن مما هو واقع اليوم ممن تبنوا هذا الرأي الباطل والمذهب الفاسد ويحقق رغبات الكفار ويتيح لهم التدخل في شؤون المسلمين بحجة حمايتهم من الإرهاب مع أن الكفار في الحقيقة هم الذين يغذون الإرهاب ويحمون الإرهابيين ليقضوا بهم أغراضهم في ضرب المسلمين وإضعافهم كما هو الواقع الآن. وكل من فريقي الخوارج والمرجئة أخذ بالتشابه من الأدلة، فالخوارج أخذوا بنصوص الوعيد والمرجئة أخذوا بنصوص الوعد والمذهب الوسط والقول الحق في هذه المسألة ما عليه أهل السنة والجماعة وهو الجمع بين نصوص الوعيد ونصوص الوعيد عملا بقول الله - تعالى -: .. والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب (7) ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب (8) ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه إن الله لا يخلف الميعاد (9) [آل عمران].

فأهل السنة يقولون: إن مرتكب الكبيرة التي هي دون الشرك والكفر معرض للوعيد لكنه تحت مشيئة الله إن شاء عذبه بقدر ذنوبه وإن شاء عفا عنه ولم يعذبه لقول الله - تعالى -: إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء.. [النساء: 48]، وإذا عذبه بذنوبه فإنه لا يخلد في النار، بل يخرج منها ويدخل الجنة بما معه من التوحيد والإيمان، فليس هو بمؤمن كامل الإيمان كما تقوله المرجئة وليس بكافر خارج من الإيمان كما تقول الخوارج ولا يحكمون على مسلم بالكفر إلا إذا ارتكب ناقضا من نواقض الإسلام المتفق عليها والمعروفة عند العلماءولا بد أن تتوفر شروط للحكم بالردة والكفر على من ظاهره الإسلام وهي:

1- ألا يكون جاهلا معذورا بالجهل كالذي يسلم حديثا ولم يتمكن من معرفة الأحكام الشرعية أو يعيش في بلاد منقطعة عن الإسلام ولم يبلغه القرآن على وجه يفهمه أو يكون الحكم خافيا يحتاج إلى بيان.

2- ألا يكون مكرها يريد التخلص من الإكراه فقط، كما قال - تعالى -: من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم [النحل: 106]، دلت الآية على أن من تلفظ بالكفر مكرها وقلبه مطمئن بالإيمان يريد التخلص لا يكفر.

3- ألا يكون متأولا تأولا يظنه صحيحا فلا بد أن يبين له خطأ تأويله.

4- ألا يكون مقلدا لمن ظنه على حق إذا كان هذا المقلد يجهل الحكم حتى يبين له ضلال من يقلده.

5- أن يكون الذي يتولى الحكم عليه بالرد من العلماء الراسخين في العلم الذين ينزلون الأحكام على مواقعها الصحيحة فلا يكون الذي يحكم بالكفر جاهلا أو متعالم.

وأخيرا فإن إخراج مسلم من الإسلام بدون دليل صحيح واضح يعد أمرا خطيرا كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (من قال لأخيه يا كافر يا فاسق وعدو الله وهو ليس كذلك رجع عليه أو حار عليه) نسأل الله العافية، وصلى الله على نبينا محمد وآل وصحبه.

صالح بن فوزان الفوزان

عضو هيئة كبار العلماء بالسعودية

  • 25
  • 5
  • 39,408

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً