أهم أسباب انتشار الفساد عربيًا!
الحقيقة أن السبب الأهم والأبرز في شيوع الفساد واجتياحه العالم العربي، هو ابتعاد هذه الدول عن مصدر النزاهة ومنبع الشفافية، ألا وهو الإسلام الذي ينص قرآنه على نوعٍ خاص من الرقابة لا تعرفها قوانين الدنيا، ألا وهي الرقابة الذاتية المنبعثة من خشية الله تعالى وحده، كما ينص على محاسبة من نوعٍ فريد ألا وهي محاسبة المسلم لنفسه قبل أن يحاسبه أحد.
لم يكن غريبًا أن تحتل خمس دول عربية هي: (سوريا، والعراق، وليبيا، والسودان، والصومال) ضمن قائمة الدول العشر الأكثر فسادًا في العالم وفقًا لمؤشر الفساد السنوي الذي أصدرته اليوم منظمة الشفافية الدولية لعام 2013م، فالفساد بات الصفة الملازمة لمعظم الدول العربية عمومًا، سياسيًا واقتصاديًا وحتى اجتماعيًا إلى حدٍ ما.
كما أكد تقرير المنظمة التي تتخذ من برلين مقرًّا: لها أن مؤشر تفاقم الفساد هو الغالب على الدول العربية، حيث سجلت 13 دولة عربية من أصل 21 دولة تقهقرًا في مرتبتها عالميًا، أي قرابة ثلثي الدول العربية، وهو ما يعني أن الفساد يزداد بدل أن يتناقص أو يتوقف عن الانحدار على أقل تقدير.
من جهةٍ أخرى وعلى الصعيد العالمي جاءت الدانمارك ونيوزيلندا في المركزين الأول والثاني بين 177 دولة في قائمة المؤشر، بينما تشاركت فنلندا والسويد في المركز الثالث، فيما حلّت النرويج في المركز الخامس.
ولكن الغريب في الأمر أنه على الرغم من الخيرات الكثيرة التي أنعم الله تعالى بها على الدول العربية في جميع المجالات، وعلى الرغم من من الموارد الطبيعية التي حباها الله لها، والتي تفوق بكثيرٍ أو قليل تلك الدول الغربية المتقدمة في التقرير، والتي من المفترض أن تجعلها تلك الموارد والخيرات -لو استثمرت بشكلٍ صحيح ودون فساد- من أغنى دول العالم على الإطلاق، ناهيك عن الدين الإسلامي الذي تدين به غالبية تلك الشعوب، والذي يحرم على المسلم أكل لقمة من حرامٍ بل عن الملايين والمليارات، إلا أننا نراها دائمًا في مقدمة الدول الأكثر فسادًا في العالم، وأقلها غنى ونزاهة وشفافية، وما ذاك إلا بسبب الفساد الذي ما زال ينخر فيها منذ عقود من الزمان خلت...!
وإذا كانت أسباب الفساد المنتشر في العالم العربي كثيرة ومتشعبة، فإن من أهم تلك الأسباب -حسب ما يرى المحللون والخبراء- عدم وجود الحكم الصالح وسيطرة الاستبداد، وتكريس وتعميم ثقافة الفساد في المجتمعات العربية بدل محاربته ومواجهته.
أما السبب الأول: المتمثل في الاستبداد وغياب الحكم الصالح في ظل النظام العلماني الذي جاء بديلًا عن الخلافة الإسلامية، فقد عانت منه الشعوب العربية طويلًا حتى طفح الكيل وبلغ السيل الزبى، فلما أرادت الانعتاق منه ومن آثاره الكارثية على البلاد والعباد، وقُدِّمت من أجل ذلك الكثير من التضحيات في الأنفس والأموال والأولاد، عادت من كل ذلك بخفي حنين -حسب الظاهر والواقع- فما سُمِّي "بالربيع العربي" لم يكن كفيلًا بتحقيق آمال الشعوب في التخلص من الفساد والمفسدين، فعاد الفساد بوجوهٍ جديدة وأشكال مختلفة.
ولعل الأهم والأخطر الذي جنته يدي المستبدين في الدول العربية؛ هو تعميم ثقافة الفساد في المجتمعات العربية، حتى أضحى الفساد ثقافة شعب وطريقة حياة وأسلوب معيشة، لا يمكن الاستغناء عنه واستئصاله إلا بعملية جراحية خطيرة ومعقّدة، لا يستطيعها إلا جرّاح ماهر وبأدواتٍ طبية متطورة، ولا يمكن أن تنفذ إلا بإرادة المريض المُصمِّم على التخلص من هذا المرض العُضال.
وإذا أضفنا إلى هذين السببين الرئيسيين فقدان آلية للرقابة على المسؤولين وأصحاب السلطة والمال، وبالتالي عدم محاسبة المتهمين بنهب ثروات البلاد أو إهدار المال العام، فإن جرثومة الفساد لا بد أن تنتشر وتعمّ العالم العربي.
والحقيقة أن السبب الأهم والأبرز في شيوع الفساد واجتياحه العالم العربي، هو ابتعاد هذه الدول عن مصدر النزاهة ومنبع الشفافية، ألا وهو الإسلام الذي ينص قرآنه على نوعٍ خاص من الرقابة لا تعرفها قوانين الدنيا، ألا وهي الرقابة الذاتية المنبعثة من خشية الله تعالى وحده، كما ينص على محاسبة من نوعٍ فريد ألا وهي محاسبة المسلم لنفسه قبل أن يحاسبه أحد.
وهذا بطبيعة الحال لا يعني عدم وجود متابعة ونظام إداري للمراقبة والمحاسبة في نظام الحكم الإسلامي، وإنما يعني أن أساس اختيار المسؤولين في الدولة الإسلامية، ينبني أساسًا على مواصفاتٍ خاصةٍ يأتي في رأس هرمها الخشية من الله والمراقبة الذاتية، ولعل سيرة النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين من بعده، خير معين لاستخلاص ذلك النظام الإدراي الفريد في إدارة شؤون الدول دون أن ينتشر فيها الفساد أو تعرفه أصلًا.
لقد ذكر الدكتور عامر خياط الأمين للمنظمة العربية لمكافحة الفساد -وهي منظمة عربية غير حكومية معنية برصد الفساد ومظاهره في العالم العربي ويقع مقرها في بيروت- أن منظمته قدّرت حجم الأموال التي نُهِبت وسُرِقت وبُدِّدت في العالم العربي خلال الخمسين عامًا الماضية بأكثر من ألف مليار دولار، وهو مبلغ كان يكفي لحل كثير من أزمات المجتمعات العربية، وعلى رأسها القضاء على الأمية بشكلٍ كامل، كما أنه لو صُرِفت على السودان -مثلًا- لحقّق الأمن الغذائي لجميع الدول العربية، ولو وزع هذا المبلغ على الأفراد لازداد الدخل الفردي القومي للمواطن العربي بحدود 200 دولار على طول هذه الفترة، ناهيك عن توفير هذا المبلغ لكثيرٍ من فرص العمل للعاطلين الذين يزداد عددهم عامًا بعد عام في الدول العربية.
والسؤال الذي يطرح نفسه بعد صدور هذا المؤشر: متى ستتخلى الدول العربية عن المراكز المتأخرة في قائمة الدول الأكثر فسادًا في العالم؟! ومتى ستضع لنفسها برنامجًا للإصلاح -الاقتصادي على أقل تقدير- لتنهض من كبوتها هذه؟!
- التصنيف:
- المصدر: