الدين والْمُلْكُ

منذ 2014-12-09

إن الدين والْمُلْكُ متلازمان وذلك لأن الإسلام دين ودولة، وأنه لا يستقيم الدين بلا دولة ولا دولة بلا دين في الإسلام.

 

إن الدين والْمُلْكُ متلازمان وذلك لأن الإسلام دين ودولة، وأنه لا يستقيم الدين بلا دولة ولا دولة بلا دين في الإسلام. قال الأمام أبو حامد الغزالي: "أن السلطان ضروري في نظام الدين ونظام الدنيا، ونظام الدنيا ضروري في نظام الدين، ونظام الدين ضروري في الفوز بسعادة الآخرة"(1).

فما لقيصر في الإسلام هو من عند الله، فالقيصر أو الحاكم في الإسلام ملتزم بتعاليم الله في حكمه فإن لم يلتزم بتعاليم الله في حكمه كان حكمه مهدومًا؛ فكما قال أبو حامد الغزالي: "والملك والدين توأمان فالدين أصل والسلطان حارس، وما لا أصل له فمهدوم وما لا حارس له فضائع" (2).

فالدين هو الأصل الذي يقام عليه الْمُلْكُ، وشرعية الْمُلْكُ تستمد من قيامه على الشرع. فالواجب الأكبر على الحاكم المسلم يتمثل في القيام بأعباء المنصب على أكمل وجه، وولاية الأمر في الدولة الإسلاميه ما هي إلا وسيلة للقيام بحفظ الدين وسياسة الدنيا به، فالإمامة كما قال الماوردي: "الإمامة موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا به"(3).

فالإمام يؤم الناس في صلاتهم وجهادهم ومسؤول عن شعائر الإسلام مثل الصلاة والصيام وأداء الحج وجمع الزكاة. وهو مسؤول عن سياسة أمور الرعية بإقامة العدل بينهم بتطبيق الحدود ليأخذ حق الضعيف المظلوم ويقتص من الظالم الفاجر، ومسؤول عن توزيع أموال الأمة توزيعًا عادلًا، ومسؤول عن حسن إدارة الخدمات العامة ومراعاة الأحكام الاجتماعية والاقتصادية.

قال الأمام الشوكاني المقصود من نصب الأئمة هو: تنفيذ أحكام الله عز وجل، وجهاد أعداء الإسلام، وحفظ البيضة الإسلامية -أي الأمة المسلمة- ودفع من أرادها بمكر، والأخذ على يد الظالم، وإنصاف المظلوم، وتأمين السبل، وأخذ الحقوق الواجبة على ما اقتضاه الشرع ووضعها في مواضعها الشرعية، فمن بايعه المسلمون وقام بهذه الأمور فقد تحمل أعباء الإمامة. ومن قام بتلك الأمور ونهض بها فهو المراد من الإمامة والمراد من الإمام"(4).

فإن قصر الإمام في القيام بهذه الواجبات فقد خان الأمانة، وبذلك يفقد شرعية بقائه في السلطة. وصرح الفقهاء بأن للأمة حق عزل الحاكم إذا لم يقم بمهامه، وذلك لحديث عقبة بن مالك قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية فسلحت رجلا منهم سيفًا فلما رجع قال: لو رأيت ما لامنا رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: «أعجزتم إذ بعثت رجلا منكم فلم يمض لأمري أن تجعلوا مكانه من يمضي لأمري» (أخرجه أبو داود وأحمد وحسّنه الألباني)، وفي لفظ: «أعجَزْتُم إذا أمَّرْتُ عليكم رجلًا فلم يمضِ لأمري الَّذي أمَرْتُ أو نهَيْتُ أنْ تجعَلوا مكانَه آخَرَ يُمضي أمري الَّذي أمَرْتُ». يقول بن تيمية تعليقًا على هذا الحديث: "فقد فوض إليهم عزل من لا يقوم بالواجب من ولاته".

فما ذكرناه من سياسة أمور الرعية في الإسلام هو دين، وإقامة هذا الدين هو سياسة لأمور الرعية. ولهذا قال عمر رضي الله عنه: "إنما بعثت عمالي إليكم ليعلموكم كتاب ربكم وليقيموا لكم الصلاة ويقيموا بينكم الدين". قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "إن ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين؛ بل لا قيام للدين ولا للدنيا إلا بها. فإن بني آدم لا تتم مصلحتهم إلا بالاجتماع لحاجة بعضهم إلى بعض ولا بد لهم عند الاجتماع من رأس، ولأن الله تعالى أوجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا يتم ذلك إلا بقوة وإمارة. وكذلك سائر ما أوجبه من الجهاد والعدل وإقامة الحج والجمع والأعياد ونصر المظلوم. وإقامة الحدود لا تتم إلا بالقوة والإمارة"(5).

لذلك فالْمُلْكُ والدين متلازمان

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش:

(1) الاقتصاد في الاعتقاد.

(2) إحياء علوم الدين.

(3) الأحكام السلطانية.

(4) السيل الجرار.

(5) مجموع الفتاوى.

أحمد عز الدين

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام
  • 7
  • 0
  • 18,156

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً