رحلة الشتاء

منذ 2014-12-14

عاد الرجل من رحلته، كانت السماء مازالت تمطر، ولا يدري الشيخ أيحزن لهذا أم يغتبط. يفرح لفرح ابنته «روض»، أم يحزن لحزن «زينب»!!

سار ببطء شديد يبحث في داره عن امرأته، حاول أن يرفع قامته قليلاً. رأى امرأته تنحني على بعض الغلال تطحنها. نظرت إليه عندما رأته، قال:

- أشعر بحنين نحو البنتين.

ابتسمت قائلة: ما الذي ذكّرك بهما الآن؟!

قال: لست أدري، ولكنني سأذهب لأزورهما.

قالت: في ذلك البرد الشديد؟!

قال: أخاف أن أموت دون أن أراهما.

أظهرت وجهًا متغضنًا، وعينين ذابلتين، اقتربت من وجه الشيخ، ابتسمت:

- اذهب يا زوجي العزيز، لولا أنني ما عدت أستطيع أن أتحمل الخروج في مثل هذا الجو، لذهبت معك.

أعدت له بعض الطعام في سلته (هدايا للبنتين).

خرج الشيخ، كانت قطرات مطر تتساقط، لم يأبه بها الشيخ كثيرًا.

وصل الشيخ إلى ابنته «روض» زوجها يعمل مزارعًا. استقبله الرجل بترحاب شديد. نظر الشيخ إلى ابنته، أطال النظر إليها، أطفالها حاموا حوله، داعبهم، جلسوا جميعًا متجاورين، أشعل الرجل لوالد زوجته النار ليتدفأ، «روض» سعيدة بأبيها، تلتصق به، سأله الشيخ:

- كيف حالك يا ولدي؟

ابتسم الرجل، وبخشبة طويلة أخذ يقلب النار منتشيًا، قال:

- والله يا عمي، أنا في أحسن حال لو أُرسل المطر، فأروي زرعي وأعمل في الأرض وآتي بالخير لي ولأطفالي، ولكن إن أُمسك المطر فذلك دمار لي ولأطفالي، فأبقى طيلة الشهور مكدرًا، لا أجد كسرة خبز، أو كسوة لجسدي، وأبقى في أرضي ولا شيء سوى قسوة الشمس الحارقة التي تحيل الأرض إلى صخور صلبة قاسية، وأسير حينذاك هائمًا، أبحث عمن يعطيني ما يسد رمق الجوع، أو يكسو عري الجسد.

فادع الله لي - أيها الشيخ - بأن تجود السماء لي بغيثها.

في الصباح ذهب الشيخ إلى ابنته الأخرى «زينب»، الذي يعمل زوجها فخارًا، قابله الرجل بترحاب شديد، شد على يده. أقبلت ابنته «زينب»، ضمته لصدرها في حنان، جلسوا معًا. سأل الشيخ الرجل:

- كيف حالك يا ولدي؟

تنهد الرجل، قال:

- إنني في أحسن حال إذا لم ترسل السماء لي بغيثها، فإنني أصنع أواني من الطين وأضعها على الدولاب، وأبلغ في صنعها العناء. أضعها على النار لتتجمد وتصبح فخارًا، فإذا السماء أرسلت غيثها يذهب ما صنعته وما أضعت فيه الأيام، فتطفئ ناري التي أشعلتها من جمر عيوني، وزدتها بعرقي ودمي، أعود إلى بيتي فلا أجد شيئًا لحين يذهب ذلك الغيث، فادع الله لي أيها الشيخ أن تكف السماء عن إرسال الغيث للأرض حتى أستطيع الحياة.

عاد الرجل من رحلته، كانت السماء مازالت تمطر، ولا يدري الشيخ أيحزن لهذا أم يغتبط. يفرح لفرح ابنته «روض»، أم يحزن لحزن «زينب»!!

عندما سألته امرأته عن حال البنتين، قال في يأس: إن أمطرت السماء أبكي من أجل «زينب»، وإن كفت عن المطر أبكي من أجل «روض»!

مصطفى نصر

  • 0
  • 0
  • 1,093

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً