شروط الانتفاع بالقرآن

منذ 2014-12-14

ومعنى الهدى باختصار أي: المرشد والموجه إلى الهدف والغاية المرجوة.

الحمد لله وبعد،

قال الله تعالى واصفًا المؤمنين الذين استفادوا من هدى القرآن الكريم أُ {ولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [البقرة:5]، فكيف نكون منهم؟ وكيف نحصل هذا الفلاح والفوز بهدى القرآن الكريم؟

أولا: ما المقصود بالهدى؟

كثيرًا ما يصف الله هذا القرآن بأنه هُدى كما في قوله تعالى: {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة:2]. وفى الحديث قال صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: «يا علي، سل الله الهدى والسداد، واذكر بالهدى هدايتك الطريق، وبالسداد تسديدك السهم» (مسلم).

ومعنى الهدى باختصار أي: المرشد والموجه إلى الهدف والغاية المرجوة. فإذا قلت بأن هدفي هو رضا الله والجنة وتحقيق السعادة في الدنيا فإن القرآن سيرشدك ويوجهك إلى تحقيق هذا الهدف.

والسؤال الآن: من هو المستفيد من هدى القرآن؟ فكثيرون يحفظونه ويقرؤونه لكن لا تظهر عليهم آثار هذا الهدى.

نحتاج الآن إلى الذهاب إلى أول سورة البقرة فقد افتتحها الله بقوله: {الم . ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} أي أن هذا القرآن الذي ستقرؤونه لا ريب فيه وسيكون هدى للمتقين. ثم توالت الآيات لتوضح لنا أهم صفات المتقين الذين سيتفيدون من هذا الهدى القرآني: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ . وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ}. فإن تحققت هذه الشروط في شخص حتمًا سيستفيد من هدى القرآن الكريم. ولذلك قال الله بعد ذلك مؤكدًا وموضحًا: {أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.

وهذه الشروط هي:

1- الإيمان بالغيب وكما نعلم أن هناك عَالمًا مُشاهدًا محسوسًا، وعالمًا غيبيًا أخبرنا عنه ربنا سبحانه، وهناك أمر قمة في الغيبية وهو الله سبحانه وتعالى فنحن نؤمن به لكننا لا نراه ولا نشاهده، نلمس ونلاحظ آثار وجوده لكنه بالنسبة لنا غيب. فإذا آمنا بالله سبحانه وتعالى سنؤمن بكل شيء يرشدنا إليه. فإن قال الله: لي ملائكة؛ آمنت. وإن قال الله: هناك جنة أو نار؛ آمنت. لأنك تؤمن بالله سبحانه وتعالى. فالإيمان بكل الغيبيات شرط للاستفادة من الهدى القرآني بل أهم شرط لأن الله ابتدأ به وختم بشيء من هذه الغيبيات وهى الإيمان باليوم الآخر كما سنعلم بعد قليل.

2- إقامة الصلاة: وهي أهم ركن في الإسلام بل هي عمود الإسلام؛ كما ورد في الحديث ولا يتخيل إنسان مسلم لا يصلي وهي غذاء الروح والصلة بين العبد وربه. وعندما نقرأ القرآن سنجد أن الله أمرنا كثيرًا بإقامتها لكن ليس هناك آية توضح تفاصيل الصلاة وكيفيتها بالرغم من أنها أهم ركن بخلاف مواضيع أخرى كثيرة تحدث القرآن عنها بالتفصيل كقضايا الميراث وغيرها. بالطبع وضحها رسول الله صلى الله عليه وسلم لكن لماذا لم يرد تفصيل في القرآن عنها؟

الحقيقة أفضل ما توصلت إليه أن الصلاة هي غذاء الروح تمامًا كالطعام بالنسبة للجسد فإذا كنت لا تتخيل جسدًا يعيش بدون طعام فلا يتخيل أبدًا أن تعيش روح بلا صلاة؛ فإذا كنت تودع ابنك للسفر إلى دولة أجنبية للتعليم ستوصيه بكل شيء ولن توصيه بالطعام أبدًا. أكثر ما يمكن أن تقوله يا بني كُل جيدًا. وهكذا فعل الله معنا في الصلاة أمرنا الله بإتقانها وإقامتها فقط لأنه لا يتخيل مؤمن وموحد بالله لا يصلى. ونلاحظ هنا التعبير بالإقامة "ويقيمون" والإقامة غير الأداء لأنه قد يقول كما تعلمون.

3- الإنفاق: ومما رزقناهم ينفقون والرزق مفهومه أوسع بكثير من أن يحصر في المال فقط فكل ما ينتفع به رزق: العلم والمال والوقت والسيارة وكل هذا حتى التبسم اعتبره النبي صلى الله عليه وسلم صدقة.

4- الإيمان بالقرآن: فلن تستطيع أن تستفيد من هديه إلا إذا آمنت به واقتنعت تمامًا بلا شك أنه كلام الله وهذا مشكلة العالم الإسلامي الآن فلو أنهم يؤمنون يقينًا بأنه كلام الله ومنهجه لتعاملوا معه بشكل أفضل لكن في بعض الأحيان نقتنع بكلام الطبيب وننفذه حرفيًا أكثر من القرآن.

5- الإيمان بإنزال الله للكتب السماوية الأخرى: وما نالها من تحريف هو في رقاب من حرفوا.

6- الإيمان باليوم الآخر: وهذا أكبر دافع ومحفز بعد الإيمان بالله على العمل الصالح فإذا آمنت بأن هناك حسابًا وجنةً ونارًا وعرضًا وحشرًا وصحفًا وميزانًا ووقوفًا بين يدي الله سيكون إقبالك على الطاعة أكبر وتركك للمعاصي بل كرهك لها أكثر. وإذا ما نظرنا إلى فريضة الحج سنجد أنها تهدف إلى تذكير الناس باليوم الآخر وتدريبهم على ذلك. فإذا ما قلت لماذا جعل الحج ركنًا من أركان الإسلام وهو مفروض فقط على المستطيع ومرة واحدة في العمر فقد لا أحج أصلا في حياتي لكنه ركن لأنه يذكر الحاج وغير الحاج باليوم الآخر والكلام في هذا الأمر يطول.

كانت هذه باختصار شروط الاستفادة من الهدى القرآني، فإذا قال قائل يستفيد من القرآن كل الناس بل حتى الكافر لأن الله قال هُدًى لِلنَّاسِ؛ أقول نعم صدقت قد يستفيد الكافر من القرآن. لكن هل يحقق الفلاح في الدنيا والآخرة؟ ولهذا أكد الله بقوله: {أُولَٰئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ َأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.

أسأل الله أن يجعلنا من أهل القرآن وأن نكون من المفلحين في الدنيا والآخرة.

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

سعد الدين فاضل

كاتب إسلامي مصري

  • 9
  • 0
  • 10,109

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً