شباب: الكمبيوتر صديقنا المدمر!
هذه هي طبيعة الحصار الذي أصبح الكمبيوتر يفرضه حول شباب الجيل الجديد، فهو صديق لا يكتفي بالرفقة العملية، ولا يقبل بأدنى من الإدمان الكامل والانصراف عما سواه.. هو مفيد وعملي وواعد بتوفير أفضل الفرص المهنية، ولكنه أيضا "خطير" و "ضارّ" اجتماعيا ونفسيا، وربما بدنيا.
- التصنيفات: وسائل التكنولوجيا الحديثة -
- يزيد فرص العمل ويرفع الكفاءة المهنية.. ويقطع العلاقات الإنسانية ويسبب الإدمان.
- الشباب يفضلونه على الأصدقاء، والحكومات تشجعه، والخبراء يطالبون بالحذر منه.
- مدمن الكمبيوتر قاطع للرحم.. متوتر عصبيًّا.. مترهل بدنيا.. ضعيف البصر.
إذا سألت شابا هذه الأيام عن أعز أصدقائه فلا تتعجب إن كانت الإجابة هي "الكمبيوتر".. وإذا سألت طبيبا نفسيًا عن أشد المؤثرات السلبية على نفسية الشباب، وعلى مهاراتهم الاجتماعية فلا تندهش إن قال لك: "الكمبيوتر"، وإذا سألت وزيرا أو مسؤولا أو متخصصا في المعلوماتية عن المستقبل وفرص الشباب للحصول على وظيفة وتحقيق تطلعاتهم العملية، فلا تستغرب إن ربط كل ذلك أيضا بمهارات "الكمبيوتر".
هذه هي طبيعة الحصار الذي أصبح الكمبيوتر يفرضه حول شباب الجيل الجديد، فهو صديق لا يكتفي بالرفقة العملية، ولا يقبل بأدنى من الإدمان الكامل والانصراف عما سواه.. هو مفيد وعملي وواعد بتوفير أفضل الفرص المهنية، ولكنه أيضا "خطير" و "ضارّ" اجتماعيا ونفسيا، وربما بدنيا.
في السطور القادمة نرصد هذه العلاقة التي ربطت بين الشباب والكمبيوتر.
صديقي الوحيد:
يقول محمد خيري بكر -طالب بكلية التجارة-: تقريبا.. الكمبيوتر هو صديقي الوحيد، علاقتي به بدأت قبل 3 أعوام قبل أن يوافق أبي على شرائه لي، ففي الإجازة الصيفية بدأت الحصول على دورة في الحاسب الآلي داخل الكلية التي أدرس بها، فأعجبت بهذا الكائن صاحب الآفاق اللا محدودة وأصبحت أكثر ميلا إلى القراءة عنه، ومعرفة كل أسراره، ثم بدأت أتردد على مقهى الإنترنت الملحق بالكلية فازداد انبهاري به، وأصبح مطلبي الملحّ من والدي هو شراء جهاز كمبيوتر خاص بي في المنزل.
يقول: وجاءت الفرصة عندما أعلنت الجامعة عن منحة خاصة للطلاب لشراء جهاز كمبيوتر منزلي مدعوم حكوميا، فاشتريت واحدا، ومن وقتها بدأت علاقاتي بمن حولي -في المنزل وخارجه- تقل تدريجيا، لدرجة أنني أصبحت تقريبا لا أجلس معهم ولا أتناول معهم الطعام في مواعيده بل يأتيني طعامي وأنا أجلس إليه.. ورغم أنني لا أستطيع الدخول إلى الإنترنت كثيرا وأنا في المنزل، لأن أبي وأمي يتشاجرون معي لأنهم يحتاجون الهاتف إلا أنني مع ذلك أجد في برامج الكمبيوتر عالما ساحرا لا يمكن الملل منه، فأنا أحصل دائما على أحدث البرامج وأقوم بتحميلها على الجهاز والتدرب عليها حتى أصبحت على معرفة عالية بعدد كبير من هذه البرامج، وإن كان هذا على حساب علاقاتي بالأسرة.
أمرض لمرضه!
شاب آخر هو حسين الشهابي -بكالوريوس تجارة- يحكي عن حالة التوحد التي بينه وبين الكمبيوتر، يقول: هل تصدق أنني لا أستطيع النوم عندما يكون الكمبيوتر "مريضًا"!.. عندما يكون هناك عطل في الكمبيوتر -سواء في السوفت وير أو الهارد وير- فإنني أبيت الليل كله أحاول إصلاحه، وفي مرات يؤدي ذلك إلى ذهابي إلى عملي، وأنا غير قادر على فتح عيوني.. بالطبع المسألة ليست مجرد "تعاطف" مع هذه الآلة، ولكني أشعر أنه تحدٍ لقدرتي على إصلاحه، وخاصة أن الأعطال في الكمبيوتر ليست مثل ما يحدث في غيره من الأجهزة الكهربية، فأحيانا يتعطل دون معرفة السبب وأحار أياما لأكتشف بعد ذلك السبب لأجد أنه في غاية البساطة وأشعر أنني أصبحت أكثر تفوقا من أقراني.
أسأله: ولكن هل أفادك الكمبيوتر في مجال عملك؟ يقول: حتى الآن استخدام الكمبيوتر في مجال عملي -بإحدى شركات القطاع الخاص- محدود جدا، ولكن الجميع يصفني بأنني "عبقري الكمبيوتر" ولهذا السبب أتوقع أن تفيدني هذه المعرفة في يوم من الأيام.
العلاقات الاجتماعية:
وتقول ماجي التركي -طالبة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بالقاهرة-: قبل شراء الكمبيوتر كانت شكوى أبي وأمي مني هي أنني اجتماعية وأسرف في استخدام التليفون لدرجة أن أقاربنا يحارون في الاتصال بنا، ويضطرون إلى استخدام الهاتف النقال للحديث إلينا، وبعد شراء الكمبيوتر ما زالوا يشكون من إفراطي في استخدام الهاتف، ولكنني لم أصبح اجتماعية بصورة تزعجهم، ولكني أصبحت منعزلة بدرجة يشكون منها.
وتضيف ماجي: لست منعزلة كما يتصورون، فقد أقمت علاقات وصداقات عديدة عبر الإنترنت ومواقع الدردشة، وكثير من صديقاتي القدامى يمتلكن أيضا أجهزة كمبيوتر ونتحدث طوال الوقت عبر الإنترنت ويشاركنا الحديث آخرون.. حقيقة لم نعد نلتقي كثيرا أو نتحدث في شؤون خاصة، ولكنني ما زلت قادرة على إقامة علاقات بالناس، فلماذا القلق؟
فرصة للتقدم المهني:
ولكن وائل إبراهيم -مهندس كمبيوتر شاب- يرى أن معظم استخدامات الشباب للكمبيوتر تركز على جوانبه السلبية، فهم يضيعون فيه وقتهم، ولكنهم لا يتعلمون ما يمكن أن يكون مفيدا لهم، بعضهم لا يستخدمه إلا في تصفح الإنترنت سواء في المواقع الإباحية أو للدردشة في مواضيع تافهة، وفريق ثاني يستخدمونه في الاستماع إلى الأغاني أو مشاهدة أفلام الفيديو "المسروقة"، وآخرون لا يعرفون عن الكمبيوتر إلا أنه أداة لتشغيل الألعاب الإلكترونية.
ويقول وائل: أنا أعشق الكمبيوتر بشدة، ولكني لا أسمح له أن يستغرقني، ففي وقت العمل أجلس إليه بانتباه شديد، وحرص على استكشاف الجديد، ولكني لست مدمنا للإنترنت دون فائدة، ولا أهوى "الشات"، ولكني أمارسه في حدود احتياجي العملي، وأفضل دائما لقاء أصدقائي، وأتمنى لو فهم الشباب أن الكمبيوتر هو وسيلة للاحتكاك المفيد بالعالم، ولتسهيل الأعمال، وأن يكون الإقبال عليه بهذا الهدف.
الدولة تدرب:
وينسجم ما يقوله المهندس وائل مع الاتجاه العام للدولة في مصر التي أطلقت في أواخر عام-2001- أكثر من مشروع لنشر ثقافة ومهارات الكمبيوتر بين الطلاب المصريين وبين شباب الخريجين، باعتبار أن هذه المهارات تسهم في تنمية سوق العمل المصري وتطوير أدواته.
وإذا كان نظام التعليم ما بعد المدرسي في مصر لم يتأهل بعد لإعداد الخريجين في شكل لائق علي تكنولوجيا المعلومات، فإن وزارة الاتصالات والمعلومات -بالتعاون مع القطاع الخاص- يحاولان سد الفجوات التي تعجز عنها وزارتا التعليم والتعليم العالي.
إحدى تلك المحاولات لنشر ثقافة الكمبيوتر بين الشباب تتمثل في ICDL أي ما يمكن تسميته بالرخصة الدولية لقيادة الكومبيوتر، وهي شهادة تمنح بموجب الخضوع لبرنامج تدريبي للشباب الخريجين علي تكنولوجيا المعلومات، وبعدها يتأهل الخريج لدخول اختبارات الحصول علي شهادة ICDL.
وزارة الاتصالات والمعلومات المصرية وقعت في هذا الصدد بروتوكولاً للتعاون مع 21 جامعة مصرية، إضافة الي الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا وأكاديمية السادات للعلوم الإدارية، ومدينة مبارك للابحاث العلمية، ومعهد أبحاث الالكترونيات والمعهد القومي للاتصالات.
وبدأ البرنامج التدريبي قبل أكثر من عام، وفي إطاره تم تخريج 40 ألف شاب وشابة، وتم تعديل محتواه العلمي وتطويره لإعداد المتفوقين من الخريجين للحصول علي شهادة ICDL.
وعلي سبيل تشجيع الشباب، تتحمل وزارة الاتصالات والمعلومات كلفة البرنامج، وتقدمه للخريجين بالمجان بل إن كل متدرب يحصل علي مكافأة شهرية قدرها 150 جنيهاً لحملة المؤهلات العليا ومئة جنيه لحملة المؤهلات المتوسطة.
ويقول الدكتور أحمد نظيف إن الأولوية في التدريب بهذا البرنامج لشباب الخريجين الذين لم يعثروا علي فرص عمل بعد حيث ندربهم حتى يتمكنوا من الحصول على شهادة ICDL الصادرة عن اليونيسكو والمعترف بها عالمياً، وهي شهادة تجيز لحاملها العمل في مجال تطبيقات الحاسبات في العالم، وللحصول عليها ينبغي اجتياز سبعة اختبارات في أساسيات الحاسبات وتكنولوجيا المعلومات.
دور الشركات الخاصة:
وبالمثل فقد افتتحت في القاهرة أكاديمية "راية" بالتعاون بين شركة مايكروسوفت العالمية وشركة راية القابضة العاملة في مجال الاستثمار، وتهدف هذه الأكاديمية الي سد الفجوة في الكفايات البشرية في سوق المعلومات.
ويقول العضو المنتدب رئيس مجلس إدارة شركة راية القابضة مدحت خليل إن الشركة استثمرت نحو خمسة ملايين دولار أميركي لتأسيس الاكاديمية وتزويدها بمعامل الكومبيوتر الحديثة. ويتوقع أن تصل قيمة الاستثمارات إلى 15 مليون دولار خلال السنوات الثلاث المقبلة.
ويشير المدير العام لشركة مايكروسوفت-مصر المهندس علي فرماوي الي أن التعاون مع راية هدفه دعم دور مايكروسوفت في تدريب وتأهيل الكوادر الاختصاصية في هذا المجال.
وتم الاتفاق بينهما علي إعداد الكوادر البشرية الشابة علي أحدث التقنيات المتاحة في مجال تكنولوجيا المعلومات والإدارة، من خلال التعليم والتدريب الفني في مجالات عدة، مثل تطوير البرمجيات والتجارة الالكترونية والاعمال الذكية، والـdata warchousing وإدارة المشاريع، وما يستجد من تطبيقات تكنولوجية جديدة.
خلل اجتماعي:
ولننتقل الآن إلى الموقف الطبي وموقف علماء الاجتماع من تلك العلاقة التي تتوطد يوما بعد يوم من الكمبيوتر.
عن ذلك يقول الدكتور أحمد المجدوب أستاذ الاجتماع والرئيس السابق للمعهد القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية: الكمبيوتر مثل غيره من الأجهزة ينبغي استخدامه في المجالات المفيدة دون إفراط، وإذا استخدمناه بالصورة السليمة، فهو أداة تواصل تدعم العلاقات الاجتماعية، ولكن إذا أفرطنا في استخدامه فإنه يتحول إلى إدمان يحتاج إلى علاج، ويتحول -على العكس مما هو مفروض- إلى وسيلة لقطع العلاقات بين الناس.
ويقول د. المجدوب: الكمبيوتر مثلا يسمح لنا بالتواصل مع أصدقاء وأقارب غائبين أو مسافرين بعيدا عنا بشكل رخيص وسهل، فيمكن أن نحدث أصدقاءنا وأقاربنا في أمريكا واستراليا واليابان دون تكاليف زائدة، ويمكننا مراسلتهم دائما لتصل رسائلنا إليهم في دقائق، وهنا فنحن نتحرك في إطار تواصل اجتماعي محمود وصلة رحم أمر بها الله - سبحانه وتعالى-، وبالمثل فإذا استخدمناه في تسهيل أعمالنا وإرسال رسائلنا فإنه يعد تطورا كبيرا في تسهيل التواصل بين الناس، وكذلك إذا استخدمنا الإنترنت في الحصول على معلومات جديدة نحتاج إليها لزيادة معارفنا فإنه يكون وسيلة ثقافية ممتازة.
ولكن الأمر ينقلب إلى ضده إذا كان الكمبيوتر يأخذنا ممن حولنا ويقطع صلتنا بهم، وهو أمر أثبتته الدراسات الاجتماعية الأجنبية، حيث كشفت أن الكمبيوتر دفع إلى مزيد من العزلة الاجتماعية، وأفقد الجيل الجديد الكثير من مهارات الاتصال بالناس والتكيف معهم، بل وزاد التفكك في الروابط الأسرية سواء بين الأبناء وأبنائهم أو بين الزوج وزوجته لدرجة أن كثيرا من الأزواج يشكون هذا الجهاز الذي أصبح "عزولا" بينهم، وتسبب في حدوث كثير من المشاكل الاجتماعية، وقد سمعت أن أحد الشباب في أوربا قرر اعتزال الناس في منطقة نائية ليس فيها إلا هو والكمبيوتر.. وهنا لا يمكننا القول إلا أن الكمبيوتر أصبح إدمانا خطيرا يمكن أن تعرقل مسيرة الحياة والعلاقات الطبيعية بين البشر التي تضيف للإنسان خبرات، وتدعم ثقته بذاته وإحساسه بأهميته، وتدفع إلى التراحم.
أمراض:
أما طبيا فيقول الدكتور إيهاب نوح أخصائي الأمراض العصبية والنفسية بالقاهرة، إن الكمبيوتر يؤثر على الجهاز العصبي للإنسان، وله دور كبير في تزايد حالات الاكتئاب والقلق في السنوات الأخيرة، وإذا تركنا ذلك فإن له تأثيرا قويا على بصر الإنسان وكفاءة عينيه بسبب الساعات الطويلة التي يجلسها ناظرا إلى الشاشة، وهو أيضا السبب في تراجع الكفاءة البدنية عموما لأنه يدفع الإنسان إلى المزيد من الجلوس، والبعد عن الأنشطة البدنية والرياضية التي تحافظ على كفاءة الجسد في القيام بوظائفه.
أبية بدر