حوار حول السبب والنتيجة؛ بين الفلسفة والدين والعلم (1)
وهذا هو ما قرره نيوتن في مذكراته؛ إذ أنه أقر أن قانونه للجذب العام هو -بالكاد- وصف للظاهرة، وليس تعليلًا لها.
السؤال الأول:
هل تعتقد في موضوع السبب والنتيجة بأي رؤية، رؤية (هيوم) أم أبي حامد الغزالي؟
وما علاقتها بالمفهوم الديني؛ عن كون المسبب الحقيقي للأشياء هو الله، وأن هذه الأسباب المؤدية لنتائج معينة لو تحققت ولم تتحقق مشيئة الله لن يتحقق الشيء، حتي لو اقترن بأسبابه؟
إجابة السؤال الأول:
نعم؛ أعتقد في رؤية أبي حامد الغزالي، ومن بعده (هيوم).
وهي أن السببية هي مجرد وَهْم نتيجة للتكرار، إنما لا توجد علاقة حقيقية سببية تُحتم أن يكون السبب سببًا، والنتيجة نتيجة، بل ممكن منطقيًا انفصالهما، وأن يحدث ما نسميه سببًا بدون حدوث النتيجة، أو تحدث النتيجة بدون حدوث سبب يسبقها.
عندما تندمج الفلسفة الإسلامية هنا فإن السبب الحقيقي لأي شيء تكون مشيئة الله، ولذلك فإنه من الخطأ أن نقول أن العلم يُقدم سبب سقوط التفاحة على الأرض مثلًا، لا، فالسبب في السقوط هي مشيئة الله، وإنما العلم يُقدم فقط وصف لكيفية سقوط التفاحة على الأرض، وهذا هو ما قرره نيوتن في مذكراته؛ إذ أنه أقر أن قانونه للجذب العام هو -بالكاد- وصف للظاهرة، وليس تعليلًا لها.
وعليه؛ فإن ما نسميها النتيجة لن تتحقق إلا بمشيئة الله، ولكن، هنا تنبثق قضية التسخير جلية، فإن الله قد سخر لنا الكون على المستوى الماكروسكوبي الكبير، (وهي ضد الميكروسكوبي)، بالتكرار لنفس الظواهر، بنفس الطريقة، لكي نستطيع أن نعيش، ونستخدم الكون من حولنا، أما على المستوى الميكروسكوبي، فإنه مثلًا لو ارتطم إلكترون بحاجز جهدي له جهد كموني أعلى من طاقة حركته فإنه حسب النظرة الكلاسيكية -(النظرة التي تظن أن العالمين الماكروسكوبي والميكروسكوبي يتصرفان بنفس درجة الحتمية في التكرار- لن يعبر، ولكن ميكانيكا الكم تقدم لنا الحقيقة، وهي: أن الإلكترون إما إن يعبر، أو لا يعبر، وقد نجد إلكترون قد عبر الحاجز الجهدي، والذي بعده في سيل الإلكترونات لم يعبر!
هنا تتجلى مشيئة الله كسبب أصيل مباشر في العبور، أو عدمه، لأنه لا يوجد ما يبرر عبور إلكترون، وعدم عبور آخر علميًا، علمًا بأن الظروف واحدة، والإكترونان متماثلان.
كل ما يستطيع العلم تقديمه هنا؛ هو احتمالية عبور الإلكترون عبر الحاجز الجهدي، الذي يقل مثلًا كلما ارتفع مستوى الحاجز الجهدي.
السؤال الثاني:
ما هو رأيك بالكرامات والمعجزات وهل هي تخرق قوانين الطبيعة فعليًا، أم لا؟ وما علاقتها بالسبب والنتيجة
إجابة السؤال الثاني:
الآيات (المعجزات) هي أمارة يبعث الله رسوله بها كي يصدقه الناس أنه من لدن الله، وتأتي في رأي ليس -بالضرورة- عن طريق هدم قوانين الطبيعة، ولكن عن طريق فك العلاقة التكرارية الظاهرية للكون الماكروسكوبي، ليكون مشابهًا للكون الميكروسكوبي في لحظة ما.
مثلًا: معروف أن النار تحرق ما يوضع بها، ولكن هل هذا الحريق بسبب النار فعليًا؟
لا؛ بل هو متكرر بكثرة (احتمالية عالية جدًا) بعد اشتعال النار، أي أن احتمال حدوثه هو كبير جدًا ليس إلا، ولو أراد الله ألا تحرق النار ما فيها لن يحدث، كما في حالة آية (معجزة) عدم حرق النار لإبراهيم عليه السلام، وهنا لا تناقض مع قوانين الطبيعة، لأن احتمال عدم الحرق ليس صفرًا كما سيتضح من المثال الآتي:
نعود لمثال الإلكترون مع الحاجز الجهدي؛ إن نفس المسألة تحدث في العالم الماكروسكوبي عندما نُلقي بكرة على حائط، إنها ترتد دائمًا، ولكننا لو استخدمنا معادلات مياكنيكا الكم سنفهم أن ارتدادها دائمًا هو ليس إلا تجليًا لانخفاض احتمال عبور الكرة من الحائط دون أن تكسره، الى الغرفة المجاورة انخفاضًا رهيبًا.
حسنًا! إن العلم في هذا المثال يقول لنا شيئين:
أ- إن احتمال عبور الكرة يكاد يكون صفرًا.
ب- إنه لا يمكن على الإطلاق توقع إذا كانت الكرة ستعبر المرة القادمة من إلقائي لها على الحائط أم لا.
حسنًا، إن جاءني إنسان -الآن- وقال لي: "انظر! إن الله قد أخبرني أنني عندما أُلقي الكرة المرة القادمة ستعبر الحائط"، وبالفعل قد عبرت، فإنه ينبغي حينئذ تصديق أن هذا العلم من لدن الله، لأن العلم المادي البشري يقول لنا أنه يستحيل على بشر أن يعرف هل ستعبر الكرة المرة القادمة أم لا، وهذه هي المعجزة بمعناها الحديث حسب ميكانيكا الكم، وأيضًا يقول لنا العلم أن هذا الحدث غير ممكن يقينًا، وليس احتماليًا، إلا بإرادة وعلم خارقين للعادة، وهنا أُفرق بين خرق العادة، وخرق القانون، وهذه هي الآية (المعجزة) بالنسبة لمن أًرسل اليهم الرسل قبل اكتشاف فيزياء الكم، ومعرفة عدم إمكانية الجزم بنتيجة حدث منفرد كرمي الكرة على الحائط.
يبقى تنويه هنا بالنسبة للآية (المعجزة) أن هذا التفسير لا يمنع منطقيًا احتمالًا آخرَ وهو تبديل قوانين الكون، وليس سقوطها بقوانين أخرى تحكم المعجزة بشكل مؤقت، وهو عمل لا يستطيعه بالطبع إلا الله، لأنه هو من وضع قوانين الكون.
بالنسبة للكرامات فلا أعتقد بها بمعناها المعروف وهي أنها مرتبطة بالصالحين ارتباط الآيات (المعجزات) بالأنبياء، ولكنها من الناحية المنطقية -كحدث خارق للعادة- ممكنة إن اراد الله ذلك.
مثلًا؛ كإنقاذ مَكْرُوبٌ سقط به المبنى الذي يسكنه، بعد أن دعا الله تعالى؛ الذي قد قرر أنه يجيب دعاء المضطر إذا دعاه في كتابه الكريم.
تذكر أن موت الرجل بسقوط المبنى هو أمر احتماله كبير جدًا حسب العلم الحديث، وليس أمرا حتميًا، وتذكر أيضًا أنه ما من أحد يعلم إن كان الرجل سيموت يقينًا، أم لا، إلا الله، الذي من الطبيعي جدًا أن يعلم؛ لأنه هو الذي شاء ألا يُصاب الرجل بأذى.
السؤال الثالث: الكرامات أو المعجزات.
هل تكون في الدين الاسلامي فقط، كنصوص غير مُحرفة، ومصدرها إلهي؟ أم أن المعجزات والكرامات تتحقق في كل الاعتقادات الدينية؟
وبالطبع مع ملاحظة ما يتحقق من ادعاءات في كل أديان ومعتقدات العالم الشرقية، والإبراهيمية، وإلخ) من حدوث خوارق للعادات.
إجابة السؤال الثالث:
لو كنا نقصد بالدين الإسلامي هنا كل ما نزل من لَدن الله؛ فشريعة عيسى في زمن عيسى، وشريعة موسى في زمن موسى، وشريعة محمد في زمن محمد، إلى قيام الساعة، وهو تعريف الدين الإسلامي بمفهومه العام، فهذا قد ذكرناه.
أما لو تحدثنا عن الأديان (الإبراهيمية) -الآن- والأديان الوضعية، -وكلاهما لا يعتبر دينًا إسلاميًا-، فهذا أيضًا لا يُسْتَبعد فيه (الكرامات)، وليست المعجزات، حيث أنها تفقد معناها بدون تأييدها لرسول، ذلك أنه قد يكون الإنسان كافرًا، أي يعلم أنه على باطل، ويجحد! فإنه داخل تحت عموم الآية؛ {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} [النمل:62]، فالآية لم تخص المسلمين فقط، وإنما هي خاصة بكل خلق الله، فإنه كثير ما يئوب المضطر إلى ربه، ويزول جحوده -ولو مؤقتًا-، إن كان كافرًا في شدة الأزمة، وقمة الكرب.
والله أعلم.
- التصنيف: