وفجأة: عاد الجهاديون!

منذ 2014-12-17

يبدو بأن "داعش"، سوف تطغى على المشهد الثقافي، بعد أن أعادت خلط الأوراق السياسية، والعسكرية، وغيرت الحدود الجغرافية، وسيطرت على الساحة الإعلامية، فالمطابع تنتج باستمرار كتباً، ودراسات عنها، وبعضها رأى النور، ولازال بعضها الآخر ينتظر.

يبدو بأن "داعش"، سوف تطغى على المشهد الثقافي، بعد أن أعادت خلط الأوراق السياسية، والعسكرية، وغيرت الحدود الجغرافية، وسيطرت على الساحة الإعلامية، فالمطابع تنتج باستمرار كتباً، ودراسات عنها، وبعضها رأى النور، ولازال بعضها الآخر ينتظر.

ومعي كتاب ميداني بعنوان: داعش: عودة الجهاديين، تأليف الصحفي والمراسل البريطاني الشهير: باترك كوكبيرن، ترجمة: ميشلين حبيب، صدر عن دار الساقي عام(2015م) -وصلني أواخر عام(2014م) -، وعدد صفحاته(191) صفحة من القطع المتوسط، ويتكون من مقدمة للطبعة العربية، ثم مقدمة، يتلوها ست مقالات طويلة، ويعقبها شكر، وفهرسان للأعلام والأماكن.

وعلى الغلاف الأمامي، الذي صممه سومر كوكبي علم "الدولة الإسلامية"، ووصف البي بي سي للكتاب بأنه رائع، وعلى الغلاف الخارجي، ثناء على المؤلف؛ بأنه أفضل صحفي غربي في العراق، وتقريظ القارديان للكتاب بأنه ممتاز، ووصفه بالقنبلة! والمؤلف مراسل لصحيفة الإندبندنت في الشرق الإسلامي، وله ثلاثة كتب عن تاريخ العراق الحديث، ويكتب باستمرار، مراجعات لكتب فكرية وأدبية، وحصل على عدة جوائز محلية، ودولية.

ابتدأت مقدمة الطبعة العربية، بالتأكيد على أن داعش، تتقن صناعة الخوف، والتلاعب به ونشره، وذكر الكاتب عن مسؤولين عراقيين أن أمريكا وإيران، تتفقان في الخفاء حين يتعلق الأمر بالعراق! وفي هذه الأيام تطفو تسريبات عن مشاركة إيرانية، في الحملة الأمريكية والكونية على داعش. وقرر المؤلف-وهو مراسل حرب خبير-بأن الضربات الجوية، تحصد مزيداً من التأييد الشعبي لداعش، تماماً كما حدث مع طالبان عام(2001م)، وكان باتريك حينها هناك.

ويجزم المؤلف في المقدمة بأن العراق قد تفكك، وأن مكوناته الكبرى: السنة، والشيعة، والكرد، لا تتشارك إلا في إطلاق النار! وقد فات أوان المصالحة والحلم بها، وغدا العراق العزيز على شفا حرب أهلية طويلة المدى، شرسة المحتوى. وحين سقطت الموصل بيد قوات الدولة، اهتز العراق بشدة، وبدا أن جغرافيتها السياسية، تتجه نحو خريطة جديدة، لا يعلم أحد أين ستقف حدودها!
ويرى الكاتب بأن التطورات في شرق سورية، وغرب العراق، قد فاجأت العالم، وأنهت شيئاً اسمه الحدود السورية العراقية، وهي مرشحة للتطور في شمال العراق ووسطه، وأجزاء أخرى من سورية، ويعلل عنصر المفاجأة، بامتناع الصحفيين عن زيارة مناطق التوتر، خوفاً على أنفسهم، ويلمح إلى أن إحجام الصحافة عن الميدان، منح الحكومات الغربية، فرصة لتقليل حجم فشلها أمام شعوبها، في محاربة الإرهاب، فلشعوبها قيمة انتخابية، وكلمة مسموعة، لا يخشون معها ملاماً ولا عقاباً، ولذا وجد الغرب، أن غياب الصحفيين عن الحقيقة، يخدم تخبطاتهم في الحروب.

وإضافة إلى ذلك يضلل الزعماء الشعوب، حيث يزعم أوباما حاجته لمبالغ ضخمة؛ لتدريب المقاومة السورية المعتدلة وتجهيزها، بينما يعلم الجميع، أن هذه الأسلحة المتطورة ستؤول حتماً للنصرة أو داعش، بالتهديد أو بالشراء، فهما المهيمنتان على المعارضة المسلحة، ولكوكبيرن تعليق لطيف على تصريح أوباما عن المعارضة المعتدلة: لا يوجد على الأرض معارضة معتدلة!
وفي الوقت الذي فشل فيه الغرب، ولم يستطع الإطاحة بنظام بشار الأسد، فقد زعزع-عن غير قصد-استقرار العراق كما تنبأ ساسة عراقيون من قبل! ويرى المؤلف -فيما يشبه التحريض المتكرر-بأن فشل الغرب في حربه ضد الإرهاب، يعود إلى عدم مواجهة السعودية وباكستان، حليفتي أمريكا، وراعيتي الإرهاب العالمي بالمال، والمعتقد، والتسليح، والتدريب، كما يدَّعي، ولو قيل لي: إن السعودية، وباكستان، قتلتا عائلة كوكبيرن؛ لصدقت من فرط شنئانه لهما!
وأنحى المؤلف باللوم كله على الأيدولوجية الوهابية، جاعلاً إياها سبباً في كل ما جرى! وتوقع تضرر السعودية، والأردن، وتركيا، من الوحوش الكاسرة التي صنعوها. والملاحظ أن المؤلف متعاطف مع إيران والشيعة؛ كأنه شيعي أو ذو هوى فارسي! علماً أنه كتب هذه المقدمة، الطافحة بالبغض والتحريض، في بغداد خلال شهر يوليو عام ٢٠١٤م، وأبان في ختامها عن هلعه من عودة الجهاد.

عنوان المقالة الأول الجهاديون يبدأون الزحف، حيث أحرق الوافدون من الخارج جوازات سفرهم، معلنين التزامهم الدائم بالجهاد، وأكثرهم من دول عربية ملكية، ويطلقون تهديدات جدية، ويزيد من خطورة أمرهم، سعة المنطقة التي ينطلقون منها؛ في شرق سورية وغرب العراق، وهي قابلة للاتساع بعد أن ألغت داعش، الحدود السورية العراقية من الوجود.

وتحدث المراسل الإنجليزي عن شخصية البغدادي، وأخطأ في اسمه الأول-وهو الصحفي الأهم! -، وعن سجنه، وانضواء جزء من جيش صدام تحت قيادته، مما جعل داعش؛ أكثر خبرة من تنظيم القاعدة، الذي أرعب العالم زمناً، بيد أن كثيراً من الحكومات الغربية، لم تدرك خطورته؛ حتى صدمت بخبر سقوط الموصل، حين استثمرت داعش، تمرد سنَّة سورية ضد النصيرية، وتململ سنَّة العراق، من طائفية المالكي وحزبه، وكان القتال السابق بين داعش والجيش العراقي في الأنبار، خير مرآة تعكس حقيقة قوة الجانبين، ولمن ترجح كفة الميزان.

ويؤكد المؤلف أن القاعدة فكرة أكثر منها تنظيماً، وأن منهجها يزداد انتشاراً، دون التفات للادعاءات الغربية، بالانتصار في معركة الحرب على الإرهاب، ويكرر في كتابه بأن هذه الحرب لن تنتصر ما لم تستهدف السعودية وباكستان، وتحريضه المتكرر يوهم بعداوة متأصلة في نفسه، تجاه هذين البلدين الكبيرين. ويستخف باتريك كوكبيرن بما يشاع مع كل قتيل من القاعدة، بأنه قائد مهم، لتعظيم عملية اغتياله، ولو أن موت أحد يفت في عضد القاعدة؛ لكان اغتيال زعيمها أسامة بن لادن، وهو مالم يحدث كما قال المؤلف.

المقالة الثانية بعنوان انبعاث السنة في العراق، واستهلها بقوله: الأحداث في العراق ليست دائماً كما تبدو عليه! ومثَّل لذلك بتعامل الإعلام مع احتجاجات السنة في تكريت، وتعامل الجيش العراقي مع سيطرة داعش على الفلوجة، مما اضطر الجيش والإعلام الرسمي لاختراع بطولات وهمية، وكرر الوقوف عند انتصار داعش في الموصل، الذي كان مفاجئاً حتى لها؛ حسب تصريح ناطقها العدناني، وهو انتصار غامض؛ لاختفاء المراسلين عن المشهد حينها، ولذا فكثيراً مما قيل عنه أشبه بالتكهنات. 

وقال بأن تضامن الكتلة السكانية السنية، مع داعش ضد الحكومة الطائفية، كان عاملاً حاسماً، ونقل عن شهود فضلوا إغفال الإشارة لأسمائهم-وهي سمة الشهود في العراق-، أن أفراد الجيش لا يهمهم سوى رواتبهم، ولذا هربوا خائفين من مواجهة داعش، لأنهم يأبون الدفاع عن نظام نخره الفساد من كل مكان، وبيعت فيه حتى الرتب العسكرية! وربما تكون هذه الانهزامية، عاملاً حاسماً، في نجاح داعش، خلال ثمان عمليات لهدم جدران السجون، وتحرير معتقليها.

ويجزم المؤلف بحتمية الاحتراب الطائفي الطويل في العراق، والعجيب أنه يحمِّل السنَّة فقط هذه المسؤولية، وكأنه لم يشاهد الطغيان الشيعي، مع أنه صحفي حرب قضى في العراق زمناً! وألمح إلى أن العراق يشتبه بوجود يد وهابية خفية تقف خلف كل مشاكله-المشكلات بين العراق والسعودية متأصلة في العهدين الملكي والجمهوري، وروى الدبلوماسي العراقي أمين المميز طرفاً منها في كتابه الماتع السعودية كما عرفتها-، ونقل الكاتب لوم المالكي المباشر للسعودية وقطر، ولبعض الفتاوى، وعجباً من كوكبيرن مرة أخرى! ألا يقرأ فتاوى المرجعيات الشيعية؟ ألا يشاهد التدخل الإيراني بالمال، والسلاح، والرجال؟ مع أنه وللإنصاف؛ أنحى باللوم على المالكي، وطيش تصرفاته، وطائفيته البغيضة.

الجهاديون يختطفون الثورة السورية هو عنوان المقالة الثالثة، ومع أنه لام النظام السوري على قصف المدن، وكأنها أراض للعدو؛ إلا أنه ذرف الدموع السخينة، على ضحايا الجماعات الجهادية، من النصيرية والنصارى، ولا أدري إن كان يعلم-وهو المراسل المثابر-شيئاً عن عقيدة الجيش السوري، وظهيره حزب الله اللبناني، وهما يتقاسمان تدمير المدن والقرى، وقتل الناس واغتصاب النساء، ويتشاركان في السيطرة على القيادة والتحكم في الجيش والأمن؟ أم أن عينه مفتوحة تجاه السنة؛ ولا تخلو من التهاب وغبش في الرؤية؟ وإذا حضرت جرائر غيرهم أصابه العي والعمى؟ أقول ذلك، وأستنكر الاعتداء على المسالمين من أهل الذمة؛ إن صح الخبر.

ويرى بأن الجماعات المسلحة لا تختلف كثيراً عن معتقد داعش، التي يشهِّر الغرب بضراوتهم، وفظائعهم تجاه الآخرين، بينما يرحب السكان المحليون بسيطرتهم، لكف شرور الجيش السوري الحر، ومقاومة لصوصية أفراده، علماً أن الجيش الحر، يحظى بدعم الغرب وتأييده، حتى أن أحد قياديه أكد حضور ضباط من استخبارات غربية وعربية، في اجتماعات أركان الجيش السوري الحر، وحضورهم ليس شرفياً؛ بل يقررون ويوجهون، فهم الذي يدفعون المال، أو يوردون السلاح.

ويحلل المؤلف الأزمة السورية، إلى أنها تتضمن خمسة صراعات مختلفة، فهي ثورة شعبية، وصراع طائفي نصيري-سني، وحرب مذهبية إقليمية شيعية-سنية، وتصادم إقليمي إيراني-سعودي، وحرب باردة أمريكية-روسية، وقد قادت هذه المعمعة، إلى جملة معطيات مهمة، هي: 
1- تسليح المعارضة لن يحمل الأسد على قبول التسوية.
2- ليس لدى روسيا، وإيران وحزب الله، استعداد لرؤية حليفهم خاسراً.
3- لا ترغب واشنطن، ولندن والرياض، في هزيمة الأسد الآن؛ لأن البديل هو داعش.
4- السماح للأسد بالانتصار مرفوض غربياً، وعربياً وتركياً.
5- مزاج داعش الدموي، لا يمنح أملاً بالتفاهم معها، أو التسوية.

وهذه المصفوفة أعقد من أكثر الألغاز تعقيداً، ولكثرة اللاعبين المتقاتلين، يأمل بعضهم بتحقيق النصر، بينما ينشد آخرون تجنب الهزيمة، والنتيجة مرهونة بأمريكا والسعودية من جهة، وروسيا وإيران من الجهة المقابلة.

المملكة العربية السعودية تحاول الانسحاب هكذا يقول عنوان المقالة الرابعة، ويحمل المؤلف فيها على السعودية، ومنهجها "الوهابي" وأموالها، وعلمائها وخطبائها، وأثريائها، وكأني به يكرر ما يقوله بعض متطرفي أمريكا، بأن المملكة هي مصدر الشر، وهو ذات الأمر الذي يزعمه البرلمان الأوروبي، في دراسة أعدها عام(2013م)، عن تورط السلفية الوهابية في تسليح الثوار في جميع أنحاء العالم، ولا أدري هل هذه السلفية مسؤولة عن دعم حزب الله، والحوثيين، ومتطرفي الهندوس، والسفاحين البوذيين، والمجرمين الوثنيين، وجيوش الرب النصرانية، والقتلة اليهود في فلسطين؟ وبعد أن يصب الصحفي غضبه الحار على السعودية، يفرغ ما بقي من غيظه على الجيش الباكستاني، باعتباره ممن صنع الجهاد الأفغاني؛ فالقاعدة وطالبان.

وللمؤلف حمية تجاه الشيعة والباطنية، تظهر بين فينة وأخرى، فمرة يصف التعامل السعودي مع التوسع الشيعي بأنه خوف هستيري، وثانية يقول بأن نصيرية سورية شعروا أن الثورة ضدهم؛ وألا مناص لهم من القتال حتى الموت، وكأنهم حمائم سلام؛ وليسوا عصب النظام وأكابر مجرميه. وأما شيعة العراق، ولبنان والخليج، فقوله عنهم ناعم بارد، وهو ذات الأمر الذي يلاحظه القارئ منه تجاه إيران. وبينما يستشهد بأقوال منسوبة لمفكرين شيعة، عن فتاوى علماء السنة، وعن فزع الشيعة من "وهابية" التيار السني، لم يكلف نفسه -وهو المستقص-سؤال أحد السنة، عن موقف الشيعة تجاه الغالبية السنية في العالم.

عنوان المقالة الخامسة العنف يجذب جمهوراً أكبر، ويرى بأن حروب الغرب في أفغانستان والعراق، كانت دعائية بحتة، ولم يستطع العالم الخارجي تمييز المنتصر من المهزوم، ولذا قادت هذه التصورات الخاطئة، إلى "انتكاسات" غير متوقعة كما يصفها، ففي عام(2006م) نهضت طالبان مجدداً، وغدا الفرق واضحاً بين عامي (2001م)، الذي غابت فيه طالبان، وعام(2011م)، الذي ظهرت فيه بقوة، ومثله ما كان من أمر العراق، خلال عشر سنوات من حرب عام (2003م). 

ومع أن تعقيدات الصراع واضحة للصحافيين في كابول وبغداد، إلا أنها لم تكن كذلك للمحررين في لندن ونيويورك. وقد أثبتت الثورات العربية، أن الحكومات الساقطة، ليست أصل الشرور كله، وأن الإطاحة برأس النظام لم تغير الواقع؛ بل زادته مرارة، ويلمح إلى قلقه من السهولة التي مُكنت فيها وسائل الإعلام، من توثيق هذه الثورات مع خطورة الوضع، وقطع الاتصالات، وكأنه يشير إلى أصابع الاستخبارات المنطلقة من السفارات، ويتعجب-وهو أمر عجيب-من أن عدد الصحافيين الأجانب في أجدابيا بليبيا، فاق عدد مقاتلي المعارضة! ووقف الكاتب مع عدد من الأكاذيب الإعلامية، التي اُشتهرت وبُني عليها عدة مواقف، ثم تجاهلت الوسائل الإعلامية، التقارير التي تبين زيفها، وطبيعة الإعلام خادعة، وقلما يحذر المتلقي منه؛ حتى لو كان فطناً.

وأبدى دهشته من براعة الأعمال الإليكترونية الصادرة عن داعش، ومستوى احترافيتها، لدرجة تقدمها على كثير من الحركات السياسية في العالم، وأكد ما يعرفه أي متابع فطن من تحيز وسائل الإعلام، وكذبها، وتضخيمها ما تريد، وحجبها ما تكره، لدرجة أنها تنقل أخباراً؛ عمن تصفهم بشهود عيان في ميادين الحروب، وهم أبعد ما يكونون عن الميدان، فضلاً عن فبركة الصور والمقاطع، وما حكم به هذا المراسل النشيط على مهنته، وقع هو فيه؛ بتحيزه الشديد ضد السنَّة، مقابل رخاوته تجاه الشيعة.

المقالة السادسة بعنوان الصدمة والحرب، فعندما طلبت صحيفته منه ترشيح رجل عام(2013م)، لم يتردد في اختيار البغدادي، الذي يدير داعش بمزيج من الأيديولوجية المتطرفة، والفعالية العسكرية. وأبان باتريك عن خطأ القراءة الغربية، للأوضاع في سورية والعراق، حيث كان ساسة العراق يصرخون معلنين أن ثورة الشام، ستزعزع الوضع الهش في العراق، فما استمع لهم أحد، حتى سقطت الموصل، وأعلن قيام دولة الخلافة، وهو ما نغص حياة الغرب، وكثير من بلاد العرب.

ويلوم المالكي الذي كان يعامل المحافظات السنية، وكأنها بلد محتل، ويؤكد بأن انتفاضة العراقيين، كانت بتشجيع من التمرد السنَّي في سورية، ويصف قوات داعش بأنها صاعقة سنية، تتحرك كما الأفعى بين الصخور. وعاد ليكرر بأن الغرب سادر في ضلاله بالتعامل الخاطئ مع الأحداث والإرهاب، وأن الطريق الصحيح يبدأ من باكستان والسعودية! وبحزن عميق يروي أن داعش تجند في كل بلدة تدخلها، عشرة أضعاف قواتها، والناس يستجيبون لها غضباً من فساد النظام وظلمه، وهي سمة في جل بلدان الشرق، وسبب رئيس في جفول الناس عن نصرة حكوماتهم إذا أشرفت على السقوط! ولم تستطع الحكومات الإسلامية المعتدلة المنتخبة بعد الربيع العربي، إحداث تغيير إيجابي مأمول شعبياً، بل لم يسمح لها بالتجربة، وأجهضت مبادراتها من ذات الدول والأنظمة، التي تعالج قروحاً وجروحاً من داعش والقاعدة؛ ولا يبدو أنها ستندمل بسرعة!

ويرى أهمية "نصرة" العراق ضد داعش، من أمريكا وربما من إيران، ويجزم بأن الضربات الجوية، لن تغير شيئاً ذا بال، بل أثبتت حروب أمريكا البرية فشلها، وخروجها خاسرة، والبرهان ماثل في أفغانستان والعراق، هذا غير ما تعانيه حكومتا البلدين-سورية والعراق-من ضعف، وهشاشة، وفساد، يجعل الاعتماد عليهما نفخاً في رماد، والمصير عنده متجه نحو حرب أهلية، لن يسيطر فيها سوى التنظيمات المسلحة، التي تمتلك جحافل متدفقة من المتطوعين، ويجزم في نهاية كلمة الشكر؛ بأن لدى سورية والعراق، عدد من الأحداث المفاجئة، والبغيضة كما يصفها.

ووالله، إنه لمحزن، أن يكون شرقنا الإسلامي منذ قرن أو أزيد، لعبة في يد الغرب وأمريكا، يعبثون به حرباً وسلاماً، ويعيثون فيه احتلالاً واستقلالاً، ولو قرأ أحدنا نتائج التدخلات القديمة أو الحديثة، لعلم أن هؤلاء القوم الغرباء دخلوا مفسدين، وخرجوا وهم أكثر إفساداً، ولم تجن البلاد والشعوب منهم إلا وبالاً، ولا ألوم العدو في تغوله، وتوغله في خاصة شأننا، فاللوم إنما يقع على الأمة التي رضيت أن تغيب، ويبرم الأمر ويقضى، ثم ينقض ويحاك من جديد، وهي أشبه بالميت الذي لاحراك في يده، أو لسانه، أو قلبه على الأقل!

وإن أول صلاح لهذه الأمة، أن تعرف واجبها فتؤديه، وتنظر في حقوقها فتسترجعها من الغاصبين، وهذا لن يكون بغير عودة راشدة لمنابعها الأصلية، ومصادر عزتها الشرعية، وحينها لن يكون لكافر، أو منافق، أو سفيه، كلمة عليها، فما وافق دينها، وجلب مصالحها، سعت إليه راضية مجتهدة، وما خالف معتقدها، وأضر بمصالحها، جاهدته باليد، واللسان والمال، حتى يندفع ويزول، أو تعذر لربها، وتعتذر من تاريخ يحفظه أكثر من جبرتي.

  • 3
  • 0
  • 5,890

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً