كذبة إبريل الأسطورة الساخرة
لم أتمالك نفسي وأنا أقرأ ذلك الخبر الأشبه بالصدمة على شبكة الإنترنت، حيث وقفت من جلستي في حدة لأركز بشدة فيما أقرأ، وقد انتابتني مشاعر مختلطة من الدهشة والسخط والحيرة، كان الخبر يقول: "اغتيل اليوم الأمريكي بيل جيتس رئيس شركة ميكروسوفت العالمية للبرمجيات متأثراً بجروحه من جراء إطلاق رصاصتين عليه بالقرب من فندق بلازا بلوس أنجلس، وقد توفّي بيل جيتس البالغ من العمر 55 عاماً فور وصوله لمركز فينسنت الطبي، حيث لم تفلح جهود الأطباء في إنقاذ حياته"!
لم أتمالك نفسي وأنا أقرأ ذلك الخبر الأشبه بالصدمة على شبكة الإنترنت، حيث وقفت من جلستي في حدة لأركز بشدة فيما أقرأ، وقد انتابتني مشاعر مختلطة من الدهشة والسخط والحيرة، كان الخبر يقول: "اغتيل اليوم الأمريكي بيل جيتس رئيس شركة ميكروسوفت العالمية للبرمجيات متأثراً بجروحه من جراء إطلاق رصاصتين عليه بالقرب من فندق بلازا بلوس أنجلس، وقد توفّي بيل جيتس البالغ من العمر 55 عاماً فور وصوله لمركز فينسنت الطبي، حيث لم تفلح جهود الأطباء في إنقاذ حياته"!
ولكن كل تلك المشاعر قد تبدلت عندما قرأت في أسفل الخبر بقليل عبارة تقول:
"ما قرأته كان خدعة، لا تهتم، إنها كذبة إبريل!!".
نعم إنها خدعة، وأعترف أنني شربت (المقلب) الذي انتشر على شبكة الإنترنت!.
أصل الكذبة:
إنها كذبة إبريل تلك الثقافة الساخرة التي شرعها الناس في كل أنحاء العالم في اليوم الأول من إبريل، وإن اختلفت مسميات ضحاياها، فهو (أحمق إبريل) في ألمانيا، و(مغفل إبريل) في إنجلترا، و(سمكة إبريل) في فرنسا، وهكذا يتم السخرية ممن يتعرضون لمقالب إبريل في كل بلاد الدنيا.
وبالرغم من أن الكذب من مساوئ الأخلاق، وبالتحذير منه جاءت الشرائع، وعليه اتفقت الفِطر، وبه يقول أصحاب المروءة والعقول السليمة، والصدق أحد أركان بقاء العالم، إلا أن البعض لا يزالون يعتقدون في هذا الأمر، ويهتمون به، ما جعلنا نبحث وراءه لنفهم دوافعهم وأسبابهم ومن ثَم تكون لدينا القدرة على التغيير.
في البداية كان السؤال الذي قد يطرحه الجميع: لماذا تم اختيار الأول من إبريل حتى يكون يوماً عالمياً للكذب دون غيره من شهور السنة؟
والإجابة هنا صعبة؛ لأن أصل كذبة إبريل غامض مثل الأساطير التي اختلط فيها الواقع بالخيال لدى شعوب العالم، فقد تضاربت أصول ومنبع استخدام هذه الكذبة، والقصص التي تدور حولها.
أشهر الكذبات:
أول كذبة إبريل ورد ذكرها في اللغة الإنجليزية جاءت في مجلة كانت تعرف بـ"مجلة دريك" في اليوم الثاني من إبريل عام (1698)، ذكرت هذه المجلة أن عدداً من الناس تسلموا دعوة لمشاهد عملية غسل السود في برج لندن في صباح اليوم الأول من شهر إبريل، ولم يكن الأمر سوى خدعة للبريطانيين.
ومن أشهر ما حدث في أوروبا في أول إبريل أن جريدة "إيفننج ستار" الإنجليزية أعلنت في 31 مارس سنة (1746) أن "غداً - أول إبريل - سيقام معرض حمير عام في غرفة الزراعة لمدنية (أسلنجتون) الإنجليزية، وأن رئيس وزراء بريطانيا يدعو جميع البريطانيين لمشاهدة المعرض مجاناً"، فهرع الناس لمشاهدة تلك الحيوانات، واحتشدوا احتشاداً عظيماً، وظلوا ينتظرون فلما أعياهم الانتظار سألوا عن وقت عرض الحمير، فلم يجدوا شيئاً فعلموا أنهم إنما جاءوا يستعرضون أنفسهم فكأنهم هم الحمير!!
ومن الكذبات التي عاشها العرب ما حدث في الأول من إبريل لعام 1976 عندما قطع راديو إسرائيل - فجأة - برامجه المعتادة وقال: "أيها المستمعون الكرام.. منذ دقائق قليلة، هبطت فجأة طائرة الرئيس المصري أنور السادات في مطار بن جوريون بتل أبيب، وهو في طريق عودته من ألمانيا الاتحادية إلى القاهرة، وقد استقبله في المطار "أفرايم كاتزير" رئيس دولة إسرائيل، وكبار المسئولين فيها، ومن المتوقع أن يجري الرئيس المصري محادثات هامة مع رئيس الحكومة الإسرائيلية، وسوف نوافيكم تباعاً بكل تفاصيل هذا الحدث الكبير في تاريخ إسرائيل"!!
وبعدها بعشر دقائق قطع راديو إسرائيل برامجه مجدداً، وقال لمستمعيه "عفواً أيها السادة، خبر هبوط طائرة الرئيس المصري أنور السادات في مطار تل أبيب الذي أذعناه عليكم منذ قليل هو كذبة إبريل لهذا العام، فاليوم هو أول شهر إبريل لعام 1976، طاب صباحكم"!، وكأن كذبة إبريل هذه المرة تحولت إلى نبوءة، حيث بعد ذلك بثلاث سنوات تحولت تلك الكذبة إلى حقيقة!.
أما كذبة 2004 فهي ما ذكرته لكم في بداية حديثي عندما انتشر خبر اغتيال بيل جيتس صاحب أكبر شركة برمجيات في العالم، حيث ورد الخبر على لسان بعض المصادر الأمريكية في ظهر أحد الأيام الأخيرة من شهر مارس بشكل موسع على شبكة الإنترنت، ثم ما لبثت هذه المصادر أن نفت هذا الخبر مؤكدة أنه فقط (كذبة إبريل)!!
سقوط غرناطة:
بعض المؤرخين يرون أن القصة بدأت منذ حاولي 1000 عام مضت على أرض أسبانيا التي كانت في ذلك الوقت لا تزال تحت حكم المسلمين، وكانت محاولات الأسبان والأوروبيين غير المسلمين للاعتداء عليها، وإخراجهم تفشل الواحد تلو الأخرى، أراد الأوربيون أن يعرفوا أسباب هزائمهم المتكررة، فأرسلوا جواسيسهم إلى أسبانيا ليتعرفوا على نقاط قوة أهله من المسلمين، فكانت الإجابة هي الالتزام بالتقوى وتعاليم الإسلام، فلم يكن المسلمون هناك مسلمين بالاسم فقط، بل كانوا يجعلون من الإسلام دستور حياة، يمارسونه بالفعل، ولم يكونوا يقرؤون القرآن للتلاوة، بل ليتعلموا من آياته ويعملوا بها.
عندها بدأ الأسبان يبحثون عن استراتيجية مناسبة لضرب قوة المسلمين، وتفتيت وحدتهم، فكانوا يرسلون إليهم الخمر والتبغ بالمجان، وحاصروا الشباب بثقافات غريبة لغسل عقولهم، وللأسف أخذ شباب المسلمين ينجرفون وراءهم رويداً رويداً حتى بدأت شوكة الأسبان تقوى، إلى أن كان لهم ما تمنوا، فأفلحت خطتهم هذه في إضعاف الشباب، وبالفعل نجحوا بعد ذلك في طرد المسلمين من أسبانيا بعد حكم دام ثمانية قرون.
وفي الأول من إبريل سقطت غرناطة آخر حصون المسلمين هناك، ومع سقوطها بدأ أعداء الإسلام يحتفلون بهذا اليوم، واختير له اسم "كذبة إبريل" رمزاً لما فعلوه مع المسلمين من خداع وغزو ثقافي ثم طرد.
الحمامة والسمك:
ويرى بعض المؤرخين: إن نوح - عليه السلام - بعد أن صنع سفينته الشهيرة أرسل حمامة للبحث عن مكان أمين يمكن أن ترسو فيه السفينة إذا حدث الطوفان، فلما عادت الحمامة وكان ذلك يصادف (أول) إبريل، وقالت لسيدنا نوح: إن الطوفان خلفها، سخرت منها بقية طيور وحيوانات السفينة، وقالت: إن (النبأ) الذي جاءت به الحمامة هو (كذبة) أول إبريل!!
وبعضهم يقول: إن أول إبريل كان قديماً في بعض البلدان هو أول أيام (الصيد)، ولكن الفشل والإخفاق في معرفة أماكن الأسماك كثيراً ما كان يلازم الصيادين في هذا اليوم، ومن باب التندر على الصيادين اعتبر الناس أن الصيد في ذلك اليوم يعتبر أكذوبة، ومنها جاءت الأكاذيب التي تختلق في أول شهر إبريل، ومنها جاءت تسمية كذبة إبريل بسمكة إبريل.
روايات مختلفة:
توجد أيضاً بعض الروايات الأخرى حول أصل كذبة إبريل، فهناك من يقول: إن كذبة إبريل هي نوع من التهكم والسخرية من العذاب الذي كابده سيدنا عيسى - عليه السلام -، وأنه في الأول من شهر إبريل تمت محاكمته الشهيرة.
ويرى البعض أن هذه الكذبة بدأت في فرنسا عام (1564م) بعد فرض التقويم الجديد والذي يبدأ العام الميلادي فيه أول يناير بعد أن كان يبدأ أول إبريل قبل ذلك التاريخ، لكن ظل بعض الناس محافظين على هذا التقويم القديم، ورافضين التقويم الجديد، مما جعلهم محط سخرية الآخرين في الأول من إبريل من كل عام، حيث ترسل لهم الهدايا الكاذبة، والأخبار غير الصحيحة!.
ويقال إن هذه الكذبة تمتد إلى عصور قديمة، واحتفالات وثنية، لارتباطها بتاريخ معين في بداية فصل الربيع؛ إذ هي بقايا طقوس وثنية، في الماضي كانت تبدأ احتفالات الربيع عند تعادل الليل والنهار في 21 من شهر مارس، وتستمر حتى أول إبريل، ومن باب التهكم ممن لا يشاركون في الاحتفال بقدوم الربيع كانت الاحتفالات في ذلك اليوم الأخير تأخذ صورة الهزل والمزاح.
وهذه الرواية نجدها أيضاً في الهند، حيث جرت العادة على أن يحتفل الناس هناك بعيد الربيع بإرسال أشخاص مغفلين إلى مهمات وهمية كاذبة من أجل الضحك والمرح، والسخرية والانطلاق في جو الطبيعة الجميلة، والحياة المقبلة بابتسامة الورود، وزقزقة الطيور.
وهناك من يرجع أصولها إلى اليونانيين القدماء الذين خصصوا اليوم الأول من شهر إبريل لإقامة احتفالات ضخمة لآلهة الحب والجمال، والربيع والمرح، وكان يرافق هذه الاحتفالات طرائق ومقالب متنوعة اعتاد الناس عليها عاماً بعد عام.
محمد فاروق عجم
- التصنيف:
- المصدر: