خطورة اللسان

منذ 2014-12-19

ولتكن كالنحلة لا تدخل إلى بطنها إلى الطيب من الغذاء، ولا تخرج إلا طيباً، فعن أبي زيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مثل المؤمن مثل النحلة، لا تأكل إلا طيباً، ولا تضع إلا طيباً» (رواه ابن حبان وهو في السلسلة الصحيحة للألباني رقم [355]).

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلق الله محمد بن عبد الله الصادق الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

"فإن اللسان من نعم الله العظيمة، ولطائف صنعه الغريبة، فإنه صغير جُرمه، عظيم طاعته وجُرمه، إذ لا يستبين الكفر والإيمان إلا بشهادة اللسان، وهما غاية الطاعة والعصيان" (إحياء علوم الدين [3/117]، ط: دار الكتب العلمية، بيروت- لبنان)، ومع صغر حجمه، وبديع خلقه فأنه لا يمل ولا يكل عن الحركة، فإن أطلقه الإنسان في الخير غنم، وإن أطلقه في الشر غرم، فعن شقيق قال: لبَّى عبد الله -أي ابن مسعود- رضي الله عنه على الصفا، ثم قال: "يا لسان قل خيراً تغنم، واسكت تسلم، من قبل أن تندم،" قالوا: "يا أبا عبد الرحمن هذا شيء أنت تقوله أم سمعته؟"، قال: "لا، بل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أكثر خطايا ابن آدم في لسانه» (أخرجه الطبراني، وهو في السلسلة الصحيحة رقم [534]). 

وهو باب ومفتاح لكل خير أو شر، قال ابن القيم رحمه الله : "وأما فضول الكلام فإنها تفتح للعبد أبواباً من الشر كلها مداخل للشيطان، فإمساك فضول الكلام يسد عنه تلك الأبواب كلها، وكم من حرب جرتها كلمة؟ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ: " «وهل يَكُبُّ الناسَ على مناخرهم في النار إلا حصائدُ ألسنتهم» (رواه الترمذي  وابن ماجه والحاكم، وهو في صحيح ابن ماجه للألباني رقم [3209]).

وأكثر المعاصي إنما يولدها فضول الكلام والنظر، وهما أوسع مداخل الشيطان، فإن جارحيتها لا يملان ولا يسأمان بخلاف شهوة البطن، فإنه إذا امتلأ لم يبق فيه إرادة للطعام، وأما العين واللسان فلو تركا لم يفترا من النظر والكلام، فجنايتهما متسعة الأطراف، كثيرة الشغب عظيمة الآفات (التفسير القيم [627]).

وقد جاءت نصوص الكتاب والسنة تحذر من خطر اللسان، وترغب في الصمت، قال عز وجل: {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:18]، وقال عز وجل:{وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} [الإسراء:36]، وقال عز وجل: {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النور:24].

وقد كفل النبي صلى الله عليه وسلم الجنة لمن كفل له حفظ ما بين لحييه ورجليه؛ فعن سهل بن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة» (رواه البخاري والترمذي وأحمد). 

و أمرنا صلى الله عليه وسلم بالتعوذ بالله من شر اللسان؛ فعن شَكَل بن حميد قال: "أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله! علمني تعوَّذاً أتعوذ به، قال: فأخذ بكفي فقال: «قل: اللهم إني أعوذ بك من شر سمعي، ومن شر بصري، ومن شر لساني، ومن شر قلبي، ومن شر منيي» (رواه أبو داود والترمذي وهو في صحيح الترمذي للألباني رقم [2775])، وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يُلقي لها بالاً، يرفعه الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى، لا يلقي لها بالاً، يهوي بها في جهنم» (رواه البخاري).

فاتق الله أيها المسلم في جارحك، ولا تجعل لسانك سبباً لتعذيب بقية جوارحك، واسمع إلى نصيحته لك، بقوله: "اتق الله فينا" ؛ فعن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تُكفِّر(أي تتذلل وتتواضع له) اللسان فتقول: اتق الله فينا، فإنما نحن بك، فإن استقمت استقمنا، وإن اعوججت اعوججنا» (رواه الترمذي وذكره الألباني في المشكاة رقم [4838]).

ولتعلم  أخي في الله أن عثرة اللسان أشد وأعظم من عثرة الرِّجل، فعن ثعلب قال: "أجمعوا أنه لم يكن أحد بعد ابن الأعرابي أعلم باللغة من ابن السكيت، وكان المتوكل قد ألزمه تأديب ولده المعتز، فلما حضر قال له ابن السكيت: "بم تحب أن تبدأ؟"، قال: "بالانصراف"، قال: "فأقوم"، قال المعتز: "فأنا أخف منك"، وبادر فعثر فسقط وخجل، فقال يعقوب (تحفة العلماء بترتيب سير أعلام النبلاء ص [600]):

يموت الفتى من عثرة بلسانه *** وليس يموت المرء من عثرة الرِّجل
فعثرته بالقول تذهب رأسه *** وعثرته بالرجل تبرأ على مهل

أخي المسلم: كن ناطقاً بالخير، آمراً بالمعروف، ناهياً عن المنكر، ناصحاً للخلق، ذاكراً لله، تالياً للقرآن تفُزْ وتسعد في دنياك وأخراك، واحذر أن تقول شراً فتخيب وتخسر، فإن فعلت ذلك دل ذلك على إيمانك، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت» (رواه البخاري ومسلم)، وعن أبي موس رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله! أيُّ المسلمين أفضل؟، قال: «من سلم المسلمون من لسانه ويده» (رواه البخاري ومسلم).

ولتكن كالنحلة لا تدخل إلى بطنها إلى الطيب من الغذاء، ولا تخرج إلا طيباً، فعن أبي زيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مثل المؤمن مثل النحلة، لا تأكل إلا طيباً، ولا تضع إلا طيباً» (رواه ابن حبان وهو في السلسلة الصحيحة للألباني رقم [355]).

وليكن لك في صدِّيق هذه الأمة أسوة وقدوة في محاسبتك لنفسك، وكف لسانك عما لا ينبغي؛ وماذا تتوقع من خليفة رسول الله، وأول مصدق به أن يتكلم؟! فإنه رضي الله عنه كان يضع حصاة في فيه ليمنع بها نفسه عن الكلام، وكان يشير إلى لسانه ويقول: "هذا الذي أوردني الموارد" (إحياء علوم الدين للغزالي [3/ 120]). فإن فعلت ذلك سلمت ونجيت وربحت؛ فعن عقبة بن عامر قال: قلت: يا رسول الله! ما النجاة؟، قال: «أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابكِ على خطيئتك» (رواه الترمذي، وحسنه الألباني في الصحيحة رقم [890]، بلفظ: «املك عليك لسانك»).
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

المصدر: موقع إمام المسجد.
  • 4
  • 6
  • 15,969

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً