شرح وأسرار الأسماء الحسنى - (34) اسم الله الرب

منذ 2014-12-22

اسم الله الرب تشعر فيه -حين تفهم مدلوله ومعناه- بنوع من الطمأنينة والسكينة؛ إذ أن هذا الاسم في ثنايا معناه: أنه هو سبحانه وتعالى هو الرازق والخالق ومدبر الأمر؛ فتشعر بأنك ترمى كل حملك على هذا الرب السيد سبحانه وتعالى فتشعر بالطمأنينة والسكينة، وتشعر أنه لا ينبغي لك أن تخاف من شيء، تشعر بنوعٍ من الأمان في ثنايا مدلول هذا الاسم الشريف.

اسم الله الرب تشعر فيه -حين تفهم مدلوله ومعناه- بنوع من الطمأنينة والسكينة؛ إذ أن هذا الاسم في ثنايا معناه: أنه هو سبحانه وتعالى هو الرازق والخالق ومدبر الأمر؛ فتشعر بأنك ترمى كل حملك على هذا الرب السيد سبحانه وتعالى فتشعر بالطمأنينة والسكينة، وتشعر أنه لا ينبغي لك أن تخاف من شيء، تشعر بنوعٍ من الأمان في ثنايا مدلول هذا الاسم الشريف. فهيا نشرع سويًا في التقاط معاني هذا الاسم العظيم.

أولًا: ورود الاسم في الكتاب والسنة.

في القرآن:

ورد في قول الله: {سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ} [يس:58]، وكذلك: {بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَ‌بٌّ غَفُورٌ‌} [سبأ من الآية:15].

وورد هذا الاسم الشريف في السنة في مواضع كثيرة منها:

- ورد في حديث ابن عباس رضي الله عنهما الذي في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ألا وإني نُهيتُ أن أقرأَ القرآنَ راكعًا أو ساجدًا، فأما الركوعُ فعظموا فيه الربَّ» (صحيح مسلم: [479]).

هنا أتى اسم الله الرب مُعرّفًا مطلقًا ودالًّا على كمال الوصفية؛ كما هي الشروط.

- والحديث كذلك عند الترمذي وصحّحه الألباني من حديث عمرو بن عبس أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «أقرَبُ ما يَكونُ الرَّبُّ منَ العبدِ في جوفِ اللَّيلِ الآخرِ، فإن استَطعتَ أن تَكونَ مِمَّن يذكرُ اللَّهَ في تلكَ السَّاعةِ فَكُن» (صحّحه الألباني في صحيح الترمذي: [3579]).

- وورد عند البخاري من حديث مالك بن صعصعة -في حديث الإسراء- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «فأتيتُ على موسى فسلمتُ عليه، فقال: مرحبًا بك من أخٍ ونبيٍّ، فلما جاوزتُ بكى، فقيل: ما أبكاكَ؟ قال: يا ربِّ هذا الغلامُ الذي بُعِثَ بعدي، يدخلُ الجنةَ من أمتِه أفضلُ مما يدخُلُ من أمتي» (صحيح البخاري: [3207]).

والأدلة كثيرة على أن الرب اسم من أسماء الله تعالى الحسنى؛ سمّى الله به نفسه في كتابه، وسمّاه به رسوله صلى الله عليه وسلم، واجتمعت فيه الشروط.

ثانيًا: معنى الاسم في اللغة.

ابن الأنباري -الإمام الحافظ اللغوي ذو الفنون- كان يقول: "الرب على ثلاثة أقسام: يكون الرب بمعنى المالك، ويكون الرب بمعنى السيد المطاع، ويكون الرب بمعنى المصلح".

1- قال الزجاجي: "هو المصلح للشيء، تقول: رببت الشيء أربه ربًا وربابة؛ إذا أصلحته وقمت عليه".

قال الراغب: "الرب في الأصل التربية وهي إنشاء الشيء حالًا فحالًا إلى حدِّ التمام".

وفي حق الله سبحانه وتعالى: الرب هو المُتكفِّل بخلق الموجودات وإنشائها، القائم على هدايتها وإصلاحها الذي نظّم معيشتها ودبّر لها أمورها.

يقول الله جل وعلا: {إِنَّ رَ‌بَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْ‌ضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْ‌شِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ‌ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ‌ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَ‌اتٍ بِأَمْرِ‌هِ ۗ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ‌ ۗ تَبَارَ‌كَ اللَّهُ رَ‌بُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف:54].

فالرب هو الذي أوجد كل شيء، وأمدّه، ورعاه، وقام على كل نفسٍ بما كسبت.

ففي معنى اسم الله الرب تجد: صفة الخلق، وصفة الرزق، وصفة التدبير، وتجد كذلك صفة القيويمة؛ يقول الله: {أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَىٰ كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} [الرعد من الآية:33].

2- المعنى الثاني لغةً.. الرب بمعنى المالك، رب الشيء هو مالكه.
 
وهذا يفتح معنا الكلام الذي ذكرناه في اسم الله (المالك، والملك، والمليك} حينما تدارسنا ذلك:

قلنا أنت عبدٌ له يصرفه كيف شاء ولا ينبغي للعبد أن يخرج عن إذن مالكه ولا عن أمره.

هو الذي ملك أمرك ففوِّض له أمرك واسمع ما يدعوك إليه واستجب له {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّ‌سُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال من الآية:24]؛ يدعوك إلى ما فيه النفع لك، فهو الأولى سبحانه وتعالى بأن يكون له هذه المنزلة عندك، فأولى بأن تذعن له وتخضع لقوله وتذل بين يديه.

3- الرب مصدره الربوبية، وكل من ملك شيئُا فهو ربه؛ يقال: "هذا رب الدار"، و"رب الضيعة"، ولا يقال الرب معرفًا بالألف واللام مطلقًا إلا لله عز وجل؛ لأنه مالك كل شيء؛ فلا يقال: "الرب فلان"؛ لأنه يوهم معنى آخر، فلا يطلق إلا على الله جل وعلا.

يقال أيضًا في معنى الربوبية: سياسة الشيء، تدبير أمر المرء.

إذن هو سبحانه وتعالى الذي يُدبِّر لك أمرك؛ فسله وحده أن يُدبِّر لك حالك، وفوِّض له أمرك.

حقيقة (الربوبية) في القرآن الكريم:

حقيقة معنى الربوبية في القرآن تقوم على ركنين اثنين:

الركن الأول: إفراد الله بالخلق، والركن الثاني: إفراده بالأمر والتدبير.

كما قال الله تعالى عن موسى وهو يُبيِّن حقيقة الربوبية لفرعون: {قَالَ فَمَن رَّ‌بُّكُمَا يَا مُوسَىٰ} [طه:49].

فيشّرح له مُوسى عليه السّلام معنى الربوبية:

1- {قَالَ رَ‌بُّنَا الَّذِي أَعْطَىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ} [طه:50]؛ إذًا.. هو سبحانه وتعالى الخالق له، الموجد له، القائم عليه.

2- {ثُمَّ هَدَىٰ} فيها معنى تدبير الأمر لكل هذه المخلوقات والهداية كما هو معلوم. فالله سبحانه وتعالى أعطى كل شيء خلقه ثم هدى؛ فبيّن لكل إنسان وجه المطلوب منه {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَ‌هَا وَتَقْوَاهَا} [الشمس:8]، {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [البلد:10]؛ فلا حجة لأحدٍ أن ينفي عن نفسه معرفة طريق الحق من الباطل إذ بيّن الله عز وجل هذا الأمر في فطرة الإنسان.

إذن سيدنا موسى أجاب عن الربوبية فحصرها في معنيين جامعين:

الأول: هو إفراد الله تعالى بخلق الأشياء وتكوينها وإنشائها من العدم.

والثاني: إفراد الله تعالى بتدبير الأمر في خلقه كهدايتهم، والقيام على شئونهم، وتصريف أحوالهم؛ فهو سبحانه الذي توكل بالخلائق أجمعين، وهو القائل: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} [الزمر:62].

معنى (العبد الرّباني):

الله سبحانه وتعالى يقول: {كُونُوا رَ‌بَّانِيِّينَ} [آل عمران من الآية:79].

قال الجوهري: "الرباني هو المتأله العارف بالله تعالى".

المتأله أي العبد:
1- الذليل.
2- الخاضع.
3- المحب.

لأن الألوهية معناها العبادة، والعبادة على ثلاث معانٍ: حب تام، وذل تام، على سبيل الإجلال والتعظيم.

4- عارف بالله؛ لأنه لن يصل لهؤلاء الثلاثة إلا على سبيل المعرفة.

فمن عرف الله أحبه، ومن عرف الله ذل بين يديه، ومن عرف الله وأعطاه قدره عظمه وأجله وهابه.

إذًا للعبد الرّباني أربع صفات: ذليلً، خاضعٌ، محبٌ، عارفٌ بالله تعالى.

تربية النفوس:

يقال: "عالِم رباني" و"رجلٌ مربٍّ"؛ معناه أنه يقوم بتهذيب النفوس وتربيتها وإصلاحها.

وتقول: "رجل رباني"؛ بمعنى أنه راسخٌ في العلم.

والمربي ينبغي أن يكون ابتداءً رباني حتى يكون مربٍ على الجادة؛ فلا بد أن يكون راسخًا في هذا العلم.

وعلم تهذيب النفوس ما أصعبه، النفس تتشكل في اليوم الواحد أكثر من مئة مرة

كان الجنيد يقول: "الصادق يتقلّب في اليوم أربعين مرة، والمرائي تجده على حالةٍ واحدة أربعين سنة".

يُعلِّق ابن القيم رحمه الله على هذا الكلام قائلًا: "وأبو القاسم -يعني الجنيد- رجلٌ راسخٌ في فهم الصدق. فلكي يكون المرء صادقًا يتقلّب أربعين مرة في اليوم، تأتي عليه الواردات من هنا ومن هنا...".

دور المربي أنه يُبيِّن لهذا الشخص الذي يربيه كيف نزوع النفس وتقلباتها، وكيف يستطيع أن يتعامل مع هذه الشبهات وهذه الواردات عليه، ولا بد لهذا أن يكون له طول باع في معاملته لنفسه؛ لأنها تتلوّن.. تتقلّب.. فتوصل له هذه الرسالة: لا تمكث على حالةٍ واحدة، وإذا مكثت على حالةٍ واحدة ستُبتلى بالرياء والعجب؛ فلا بد أن تتقلّب من ذكرٍ لقراءة قرآن لصلوات لصدقات، فإذا أعجبت نفسك بشيءٍ توجه لبابٍ آخر كي لا تفتح على نفسك باب إعجاب بالعمل.

هذه هي رسالة التربية: أن تصل به إلى معنى الصدق والإخلاص وهما الركنان اللّذان يقوم عليهما هذا البناء.

ثالثًا: الدعاء باسم الله (الرب).

ورود الدعاء باسم الله الرب مُقيَّدًا ورد في نصوصٍ كثيرة من ذلك؛ قول الله تعالى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة:127]، وقوله: {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [البقرة:286].

وقوله: {وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَانًا نَّصِيرًا} [الإسراء:80].

مدخل الصدق ومخرج الصدق: أن يكون دخوله صادقًا وأن يكون خروجه صادقًا؛ دخوله في الشيء يحتاج قبلها إلى أن يكون عنده الإرادة والهمة والعزيمة صادقًا، في كل ذلك هو متصل بالله فالباعث بالله.. بحول الله وقوته، وكذلك المقصد لله وحال القيام بالفعل مع الله؛ فهو بالله، ولله، ومع الله.

إلى غير هذا من الآيات التي صدرت حال الدعاء بصفة الربوبية.

أما دعاء السؤال:

فهناك أدعية تكون بصفة الإلوهية "اللهم.. يا الله.. لا إله إلأنت... إلهي".

لكن الغالبية العظمى تدعو بـ"رب" لا بـ"إله" على أن إله معناها: الذل والإخبات والحب والإجلال؛ لكن الأغلب يكون بصفة الربوبية وذلك لخمسة معاني:

1- صفة الخلق.
2- صفة الرزق.
3- صفة التدبير.
4- صفة الإحياء.
5- والإماتة.

لذا.. عند طلب المغفرة تقول: "يا رب اغفر لي"، ولا تقول: "يا إلهي اغفر لي".. لأن مقام طلب المغفرة يقتضي أنك عبدٌ ذليلٌ خاضع، واسم الرب بمعانيه يتماشى معه.

مقام الدعاء في قلب العبد يتماشى معه صفة الربوبية، فعندما تقول: "يا رب".. استشعر هذا..

لذا.. من آداب الدعاء كذلك:

أن ترفع يديك، وتُنكِّس رأسك، وتقف بين يدي الله عز وجل مستشعرًا مقام العبودية له جل في علاه، وتبدأ في مناجاته والخطاب إليه، وتشعر أن ما طلبته لن يكون إلا منه... فكل ذلك في ثنايا الربوبية وهي تتماشى مع مقام الدعاء بخلاف الألوهية.

الألوهية تقتضي أن يكون هناك علوٌ فتوظف في بعض الأدعية كسيد الاستغفار "لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت".

ثالثًا: حظ المؤمن من هذا الاسم.

1- أن تعلم أن الله تعالى له علو الشأن والقهر والفوقية وأوصاف العظمة والكبرياء، وأنه لا ينازع في ذلك؛ فتقتضى منك ذلًا وانكسارًا وافتقارًا.

أن يكتسي العبد ثوب العبودية، ويخلع عن نفسه رداء الربوبية.

2- أن تستشعر طوال الوقت أنك عبد له رب.

ففي قصة توبة بِشر الحافي أن أحد الصالحين مرّ على بيته فسمع منه أثر من اللهو والموسيقى، فأطرق على بابه ففتحت له الجارية؛ فقال: هذا بيت عبد؟ أهذا بيت عبد؟! ثم تركها وولّى.

فنادى بِشر على الجارية وسالها: "ماذا هنالك؟ قالت: جاء رجل، فقال: أهذا بيت عبد؟".

فوقعت في قلبه بموقعٍ حَسن وطار لها لُبّه وخرج في إثر الرجل حافيًا وفتح الله عليه باب التوبة.

فلما جرى خلفه، وتمرّغ في التراب، وناجى الله عز وجل وفتح الله عليه باب التوبة بعد ذلك؛ فكان يمشي بعدها كثيرًا حافيًا وعُلِم منه ذلك، فقيل له: ألا تتخذ النعال؟ قال: "كان أول الأمر هكذا حافًيا".

الشاهد: أن الرجل قال كلمة واحدة "أهذا بيت عبد؟"؛ ما يفعل ذلك عبد، هذا ليس عبدًا، لو كان عبدًا ما كان منه هذا العصيان وهو يعلم أن الله مُطَّلِعٌ عليه.

3- من ذلك أيضًا أن يتقيه لا سيما فيمن ولّاه عليهم.

4- ألا يصف نفسه بأنه رب كذا؛ تواضعًا لربه وتوحيدًا له، من باب التأدب، فثبت في ذلك حديث عند أبي داود من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يقولن أحدُكم: عبدي وأمتي، ولا يقولن المملوكُ: ربِّي وربَّتي، وليقل: المالك فتاي وفتاتي، وليقلِ: المملوكُ سيدي وسيدتي؛ فإنكم المملوكون والربُّ اللهُ عز وجل» (صحّحه الألباني في صحيح أبي داود: [4975]).

5- الرضا.. أن يكون هو ربك وأنت راضٍ بقدره وقضائه، وإذا رضيت عنه فاعلم أنه قد رضي عنك؛ فعلامة رضاه عنك رضاك عنه.

6- أن يسعى في إصلاح نفسه وتهذيبها وفق قواعد أهل العلم من التخلية والتحلية؛ فكما قلنا من معاني الرب الإصلاح والتهذيب، فلا بد أن يضع يده كل فترة على آفاتٍ يسعى في إصلاح نفسه فيها؛ ويدونها ويشرع في تهذيب نفسه بها.

التخلية: بأن يتخلى عن آفات نفسه، وذلك وفق أسس معينة:

أ- أول مقام هو الاستعانة بالله سبحانه وتعالى على هذا، ويعلم أنه لن يُهذّب إلا إذا شاء الله عز وجل له ذلك، لا بحوله ولا قوته {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ‌ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُ‌وا مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الرعد من الآية:11]؛ إذن عليهم فقط أن يشرعوا في التغيير والله عز وجل يُقرِّبهم إليه.

ب- ثم بعد ذلك يأتي مقام الصدق وقاعدة الأساس: الصدق والإخلاص في طلب التغيير، وإلا فلن يتغير.

قالوا: إن من علامات الصدق التبشير من الله قبل العمل، واستدلوا بحديث أنس بن النضر رضي الله عنه لمّا قال: "ليَرَيَنَّ اللهُ ما أصنعُ"، فبشّره الله فشمّ ريح الجنة.. "الجنةُ وربِّ النضرِ، إني أجدُ ريحها من دونِ أُحُدٍ" (صحيح البخاري: [2805]).

فإذا صدقت -مثلًا- في طلب العلم؛ تجد الأمور فُتِحت وتيسّرت، إذا أردت أن تُغير نفسك وتسعى في تهذيبها وصدّقت؛ اعلم أنك ستُرشَد، هذا حال الصادق. أما الكاذب أو المرائي تجده متخبطًا متعثرًا (إنما يتعثّر من لم يُخلِص).

ج- القاعدة الثالثة أن يعرف نفسه؛ لأنه إذا عُلم السبب سهل، ومن عرف نفسه عرف ربه.

فالتغيير هنا يقوم على داعمتين:

- معرفته بنفسه وبمقام الذنب: وهذه تحتاج أن يضع يده طوال الوقت على عيوبه وأن تكون عيوبه طوال الوقت أمام عينيه، ولا يُفتش على عيوب الآخرين؛ فلو فتش على عيوب الآخرين سيُبتلى. انجُ بنفسك ابتداءً ثم بمن يكون تحت رعايتك.

فكيف تُبصِر عيبك؟

أولًا: نقد الناقد له ونصيحة الناصح وكيفية تقبله لها؟ هل بتكبّر، أم بالمبرِّرات حتى يظهر نفسه بريئًا؟

لأن «المؤمنُ أخو المؤمنِ» (صحيح مسلم (1414])، وفي لفظ: «المؤمِنُ مرآةُ أخيهِ» (حسّنه الألباني في صحيح الأدب المفرد: [178]). النصيحة رسالة من الله سبحانه وتعالى كي أشرع في تهذيب نفسي؛ لأن الله ربٌ فيربي.

الأمر الثاني: {بَلِ الْإِنسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَ‌ةٌ . وَلَوْ أَلْقَىٰ مَعَاذِيرَ‌هُ} [القيامة:14-15]، فهو على علمٍ بحقيق نفسه وعيوبه، لكن بتوسط؛ دون أن يُهوِّل اليسير، أو يُهوِّن العظيم.

هـ- المرحلة الرابعة بعد ذلك: الشروع في إصلاح ما بنفسه على علمٍ وبصيرة.

لا بد أن يعرف أن كل آفة من هؤلاء لها علاجها.. وأصل العيب هو فراغ القلب، القلب فارغ فيتمكن منه حُب سوى الله؛ فيحتاج أن يشرب القلب محبة الله عز وجل.

كيف تأتي محبة الله؟

- نقطع عليه الغفلة التي جعلته ينسى الله ويتعلّق بما سواه، فنعطيه في البداية جرعة ذكر، ونُشرِب القلب محبة الله شيئًا.. فشيئًا.. فشيئًا؛ ونُعلِّقه به ونزيد في الجرعة فنُوِّهن هذا التعلُّق بغيره.
وفي هذا الوقت تحتاج إلى ذكر، وقرآن، وخلوة لأنه مبتلىً بسبب الاختلاط.

والموضوع له بسطٌ آخر ليس هذا الموضع لكني أردت وضع بعض القواعد الأساسية في تربية الإنسان لنفسه هذا هو مقامها مقام التربية.

7- تتذكر أن الله لو ابتلاك فهو ربٌ يُربيك.

قد تكون لديك آفة لا تستطيع التخلص منها مهما امتثلت كلام العلماء -كالعُجب مثلًا-، فيمرّ بك ابتلاءً يكسرك ويوقفك على حقيقة نفسك؛ فتقول: "ربّاني الله في هذا الموقف".

8- أحد الأشياء التي تستفيدها من اسم الله الرب قضية التدرج.. معاملتك لنفسك في طلب العلم -مثلًا- أحقق فرض العين فأعرف ثم أتدرج، منهجية ومرحلية.

أما من يستشرف فيلتقط كبار المسائل في البدايات سينقطع به الطريق لا محالة «إِنَّ هذا الدينَ متينٌ، فأوْغِلُوا فيه بِرِفْقٍ» (حسّنه الألباني في صحيح الجامع: [2246]).

هذه كانت بعض اللطائف حول هذا الاسم الجميل.. اسم الله تعالى الرب وأرجو أن نتفاعل مع هذا الاسم وجدانيًا -لا سيما في مقامات الدعاء ربِ-.

نسأل الله تعالى أن ينفعنا بما علَّمنا وأن يجعله حُجةً لنا لا علينا.

 

المصدر: موقع الكلم الطيب

هاني حلمي عبد الحميد

حاصل على ليسانس دار العلوم وحضر الماجستير في فقه وأصول أحد الفقهاء السبعة.

  • 48
  • 1
  • 121,217
المقال السابق
(33) اسم الله الحق
المقال التالي
(35) اسم الله تعالى الحفيظ

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً