أضرار العنوسة
عصام بن هاشم الجفري
ومن حلول هذه المعضلة أن تكون في كل حي لجنة من أهل الخير والصلاح تجعل مهمتها حصر البنات الموجودات في الحي و الشباب ومحاولة التوفيق بينهم. والأمر أكبر من أن يناقش في هذه العجالة فاسأل الله أن يهيئ لمجتمعنا ولفتيات المسلمين كل خير إنه سميع عليم.
- التصنيفات: قضايا المرأة المسلمة -
الخطبة الأولى:
اللهم لك الحمد أنت أحق من عبد، و أفضل من ذكر، وأرأف من ملك، وأرحم من رحم، وأكرم من سئل، وأوسع من أعطى، وأقوى من استنصر، وأعز من نصر، القلوب إليك مفضية والسر عندك علانية الحلال ما أحللت والحرام ما حرمت والدين ما شرعت لا تطاع إلا بإذنك ولا تعصى إلا بعلمك تطاع فتشكر وتعصى فتغفر، لك الحمد بالإيمان ولك الحمد بالقرآن ولك الحمد بالأهل والمال والمعافاة كبت عدونا وأظهرت أمننا ومن كل ما سألناك ربنا أعطيتنا فلك الحمد حتى ترضى ولك الحمد بعد الرضى ولك الحمد على حمدنا إياك. أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. أما بعد:
فأوصيكم أحبتي بسبب صلاح الأعمال ومغفرة الذنوب ألا وهو تقوى الله يقول ربنا سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمً) ([1]).
أيها الأحبة في الله تحدثت في الخطبة الماضية عن داء العنوسة المتفشي مع الأسف في مجتمعنا وأسبابه واليوم أتحدث إليكم عن أبرز المضار المترتبة على ذلك الداء الاجتماعي الخطير ويمكن إيجازها في التالي:
أولاً أثرها على الفتاة العانس نفسها من عدة جوانب منها الجانب النفسي لها؛ فالفتاة العانس تعيش في هم وقلق في النهار وحُزن وأرق بالليل، تنظر إلى أخواتها وزميلاتها والنساء من حولها ينعمن بعيشة زوجية دافئة هانئة، وهي وحيدة منفردة منعزلة وإن كانت تعيش في وسط أسرة لأنها بلا زوج، تقول أحد المتخصصات في مجال علم النفس(2): (إن العانس إنسانة قلقة نفسياً وعاطفياً خاصة إذا عوملت ممن حولها معاملةً فيها نوع من الإحساس بالنقص أو الشفقة، وأحست بأن وضعها معيب اجتماعياً، والمؤكد أن الزواج وما يتبعه من الأنس والعاطفة وإشباع الحاجات الغريزية والنفسية من أهم أسباب السلامة النفسية والعصبية، فنحن النساء صعبٌ علينا أن نعيش بلا رجال)، ومن تلك الأضرار على الفتاة أنها قد لا تجد من يعولها أو يخدمها في الفترة الحرجة من عمرها، فالوالدين في الغالب يكونا قد انتقلا إلى جوار ربهما، أو إن بقيا أو بقي أحدهما فهو في حاجة ماسة إلى من يخدمه فضلاً عن أن يخدم غيره، يقول أحد كبار السن ممن يعملون في مجال تأجير البيوت: (دخلنا بيوتاً فيها نساء أبكاراً في الستين والسبعين، يشتمن المجتمع والأقارب ويلعن من كان السبب في بقائهن عوانس، لا يجدن من يخدمهن ومن يقدم لهن الطعام والشراب والدواء، ولا يستطعن قضاء حوائجهن بسهولة ويسر، لأن الأباء والأمهات غير موجودين وإن وجدوا فهم كبار يحتاجون العون والمساعدة، والإخوة مشغولون بأنفسهم وأبنائهم وزوجاتهم)(3) وكم من عانس ضغط عليها الواقع واشتعلت في صدرها عاطفة الأمومة الجياشة فأخذت تصرِّح وتقول أعطوني زوجاً أنجب منه ولداً أكرس له كل حياتي وليطلقني بعد ذلك.
ثانياً: أثره على المجتمع ومن أخطر تلك الآثار وقوع الفتاة العانس في براثن الغواية والشيطان تحت وطأة الشعور باليأس من الزواج أو تزيين الشيطان لها بأن ذلك يمثل انتقاماً من الولي الذي عضلها عن الزواج، أو أنه يمثل استجابة لنداء الشهوة الصارخ فيها في ظل رقة في الدين وغفلة عن الله، أو وقوعها فريسة لأحد الذئاب البشرية التي تحوم في المجتمع بحث عن فريسة فيجد تلك العانس المسكينة فيتلاعب بعواطفها ويعدها بالزواج، فتقع في الزنا أو السحاق أو غيرها. تنحرف الفتاة لأننا لم نوفر لها سبل الحلال في زمن كثرت فيه الفتن والمغريات والمهلكات، والفارق كبير بين فضيحة الرجل وفضيحة المرأة، فالرجل يلحق به العار فترة بسيطة من الزمن إن قدر له أن يكتشف ومع الأسف مع تبدل المعايير والموازين قد لا ينظر إلى الرجل نظرة ازدراء على ما فعل! لكن المرأة يلحقها العار طوال حياتها خاصة إذا حملت وأنجبت منه بالحرام، ولا يعني قولي بالضرورة بأن كل عانس منحرفة لا. فإن في مجتمعنا الكثير من العوانس الصابرات القانتات العابدات الطيبات اللواتي تحملن الكثير ونسأل الله أن يعينهن ويثبتهن على الطريق المستقيم، وكم من أب عضل موليته عن الزواج فوقعت في الحرام والعياذ بالله فدفع ثمناً غالياً! ومن أضرار العنوسة على المجتمع تواجد طبقة من الرجال أصبح همها اقتناص العانس ذات المال واللعب بعواطفها من أجل الاستيلاء على أموالها أو على الأقل التنعم بثروتها في مقابل الزواج بها. أيها الأحبة في الله إذا كانت تلك العنوسة، وتلك أبرز مضارها فما هو الحل؟ الحل يتمثل في العودة إلى معين الشرع الصافي، فنقول لمن فرق بين الناس على أساس النسب ولم يعرف المعنى الحقيقي للكفاءة في النسب هذا خير البرية صلوات ربي وسلامه عليه زوج ابنة عمه الهاشمية القرشية من مولاه زيد بن حارثة! وقد اقتدى برسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك أصحابه فهذا أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة تبنى سالماً وأنكحه بنت أخيه هند بنت الوليد بن عتبة، وهذا عبد الرحمن بن عوف زوج أخته من بلال الحبشي - رضي الله عنهما -، فنقول له أما لك في هذه الثلة الطيبة أسوة وقدوة. أما بالنسبة لمن يغالون في المهور فنقول لهم لقد قال - صلى الله عليه وسلم -: ((إِنَّ مِنْ يُمْنِ الْمَرْأَةِ تَيْسِيرَ خِطْبَتِهَا وَتَيْسِيرَ صَدَاقِهَا وَتَيْسِيرَ رَحِمِهَا))(4)، ولما تزوج علي فاطمة - رضي الله عنهما - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ((أعطها شيئاً)) قال ما عندي شيء، قال: ((أين درعك الحُطَمِيَّة (5) ))(6)، فقولوا لمن قلب هذا المرأة سلعة تباع وتشترى هذا مهر بنت خير البرية أجمعين وهي من خير نساء العالمين فأين بناتكم منها؟.إلى كل أم تظن أن سعادة ابنتها فيما يحويه بيتها من أثاث ورياش أو في الحفلات أو غيرها نقول لها اتق الله فإن هذه الأمور زائلة وقتية لا تدوم سعادتها ومهما اجتهدت وفعلت فلن تسلمي من انتقادات النساء وألسنتهن الحادة فلابد من الانتقاد فاشتري سعادة ابنتك الدائمة بأن تعيش في كنف زوج وحولها أولادها كما عشت أنت من قبل ولا تجني عليها فتحرميها تلك السعادة التي تتطلع إليها بكل شوق بفطرتها، أما لمن ينظرون أن التعليم عائق في وجه الزواج فنقول لهم إن واقع المجتمع يشهد بأن هناك العديد من الفتيات اللواتي تزوجن وأكملن تعليمهن ووصلت بعضهن إلى درجات عالية من التعليم من خلال التفاهم والحوار والإقناع بينها وبين زوجها بعيداً عن التشنج والتدخل العائلي المقيت الذي قد يهدم البيوت.أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا) (7).
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى والذي أخرج المرعى فجعله غثاء أحوى أحمده - سبحانه - وأشكره على ما تفضل به وأعطى وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. أما بعد: فاتقوا الله عباد الله واقدروا لهذه القضية الاجتماعية المتفاقمة قدرها، وأخاطب من هذا المكان تلك الفتاة التي تمردت على عادات مجتمعها وانسلخت من دينها وأخذت تنظر إلى ذوات الفساد بأن هن قدواتها فأقول لها رويدك فإنك لن تستغني عن الزواج الذي شرعه الله لك فأنت وإن ظننت أنك قد تمتعت السنين فستعقبها سنين حسرة وندامة في الدنيا وعذاب وخزي في الآخرة إن لم يتداركِ الكربم برحمته ولك في ثلة من اللواتي كن يسمين بالفنانات والنجمات عبرة فكم واحدة منهن صرحت بتعاستها عند الكبر بل وماتت منتحرة مع أنها قد بلغت من الشهرة مبلغها وكم متن بحسرتهن في صدروهن وغداً في يوم المحشر سترين تلك الحقيقة واضحة للعيان، أخيتي إن مجتمعنا بفضل الله لا زال للفضيلة فيه مكانها وللأدب والحشمة احترامها وبقدر ما تبتعدي عنهما بقدري ما تفقدي من احترام المجتمع ومحبتهم لك، أخيتي إني أهمس في أذنك بأنك إن أردت الزواج وحل مشكلتك فعليك بالدين فإن صاحبة الدين مرغوبة لدينها مهما قل جمالها أو نقص مالها فالزوج يريد المرأة التي يطمئن معها على عرضه وولده وماله، وفي مجتمعنا قناعة كبرى بفضل الله أنه لا يجد ذلك إلا عند ذات الدين، وإلى كل أب تهمه مصلحة ابنته أقول له رب ابنتك على الدين والصلاح فإن ذلك من أكثر ما يُرغب أهل الصلاح فيها، أقول له إذا وجدت من تثق في دينه وخلقه وعرفت أنه بحاجة إلى الزواج فلا تتردد في عرض ابنتك أو أختك عليه وهذا ليس فيه انتقاص من كرامتها أو مكانتها بل هو دأب الصالحين من الصحابة والسلف الصالح فهذا عمر يعرض ابنته حفصة على أبو بكر وعلى عثمان ولما علم الله منه اهتمامه بأمر عفة ابنته جعل زوجها خير البرية صلوات ربي وسلامه عليه، وهذا سعيد بن المسيب يعرض ابنته و يزوجها من أحد طلابه الفقراء طلباً لعفتها، ومن حلول هذه المعضلة أن تكون في كل حي لجنة من أهل الخير والصلاح تجعل مهمتها حصر البنات الموجودات في الحي و الشباب ومحاولة التوفيق بينهم. والأمر أكبر من أن يناقش في هذه العجالة فاسأل الله أن يهيئ لمجتمعنا ولفتيات المسلمين كل خير إنه سميع عليم.
------------
([1]) الأحزاب 70، 71.
(2)هي الدكتورة منال زكريا: انظر: عبد الودود حنيف، العنوسة داء يتفشى، ص45، 46.
(3)المرجع السابق، ص55.
(4)مسند الإمام أحمد، حديث(23338).
(5) أي التي تحطم السيوف.
(6) أخرجه أبوداود والنسائي في كتاب النكاح.
(7)الطلاق: 2، 3.