رؤية في مصاب أمريكا
إن أمريكا هي قائدة الظلم والطغيان والجبروت في هذا العصر، استخدمت أموالها التي مكنها الله - جل وعلا - منها في ظلم البشرية في مشارق الأرض ومغاربها، وتاريخ أمريكا تاريخ أسود على كل المستويات، وفي شتى أنحاء العالم وخصوصاً فيما يتعلق بالأمة الإسلامية، فأمريكا أمة كافرة باغية محادة لله ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - ومحاربة للمسلمين، دنَّست كتاب الله وأهانته، قريبة من كل شرّ بعيدة عن كل خير، حامية الإرهاب في العالم.
الحمد لله رب العالمين، معز المؤمنين، وقاهر الظلمة والمتجبرين والمتكبرين، - سبحانه - فعّال لما يريد: (أَهْلَكَ عَاداً الْأُولَى* وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى*وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى* وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى * فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى) [النجم: 50-54]
والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،،، أما بعد:
فقد اتصل بي أحد الأخوة في ساعة فتوى وسألني قائلاً:
هل يجوز أن نفرح بما أصاب أمريكا من هذه الإعصارات وما تبعها من هلاك ودمار في بعض ولاياتها؟
قلت له: ولم السؤال؟
قال: هناك من يقول أنه لا يجوز لنا أن نفرح، بل علينا أن نحزن ونأسى لما أصابهم، مشاركة في هذا الوجدان والشعور الإنساني؛ امتثالاً لقوله - تعالى -: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ) [الإسراء: 70].
قلت له: يا أخي الكريم، إن هذا الاستدلال غير صحيح، وهذا وضع للآيات في غير موضعها.
فما علاقة تكريم الإنسان بترك الفرح والسرور على مصاب الكافرين الظالمين المعتدين؟
بل إننا والله نفرح ونسر بما أصاب هؤلاء الظلمة المتجبرين المتكبرين.
إن أمريكا هي قائدة الظلم والطغيان والجبروت في هذا العصر، استخدمت أموالها التي مكنها الله - جل وعلا - منها في ظلم البشرية في مشارق الأرض ومغاربها، وتاريخ أمريكا تاريخ أسود على كل المستويات، وفي شتى أنحاء العالم وخصوصاً فيما يتعلق بالأمة الإسلامية، فأمريكا أمة كافرة باغية محادة لله ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - ومحاربة للمسلمين، دنَّست كتاب الله وأهانته، قريبة من كل شرّ بعيدة عن كل خير، حامية الإرهاب في العالم..
من الذي يدعم إسرائيل؟
من الذي يحمي اليهود بلا حدود؟
من الذي أباد أفغانستان؟
من الذي دمر العراق؟
من الذي يأخذ خيرات المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ليعيدها لهم صورايخ وقنابل ورؤوساً نووية؟
أعظم السجون، وأشدها ظلماً وفتكاً هي التي تشرف عليها أمريكا وعملائها، سجون جوانتانامو وأمثالها،، وسجل جرائمها العالمية يصعب حصره لا ينافسها في ذلك أحد، حالها حال من قال الله - تعالى -فيه: (وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ) [البقرة: 205]..
أمريكا بسبب قوتها المادية تمد ذراعها كما يحلو لها، لا تأبه بأحد (كَلَّا إِنَّ الْأِنْسَانَ لَيَطْغَى*أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى*إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى) [العلق: 5 8] وهي بسبب هذا وغيره أصبحت فتنة لكثير من المسلمين.
استمعت إلى حوار في قناة فضائية قبل أيام، لرجل كان عميدا لكلية الشريعة في إحدى البلاد العربية، فإذا هو يمجد أمريكا، ويمنحها شرعية التدخل في كل مكان من العالم بحجة إنقاذ المستضعفين، لأنها حسب قوله أكبر قوة في الأرض، وذكر كلاماً يسوء كل مسلم أن يسمعه من أي إنسان فضلاً عن رجل متخصص في الشريعة، بل عميدا لكليتها!
إن قوة أمريكا فتنة وإضلال وضلال وطغيان وجبروت.. فلماذا لا نفرح إذا أصيبت؟
لقد قال الله - سبحانه - مخبراً عن موسى - عليه السلام -: (وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ) [يونس: 88]، فقال الله - جل وعلا -: قد أجيبت دعوتكما؛ لأن موسى كان يدعو وهارون كان يؤمن، فأجاب الله دعوتهما، ولو لم تكن دعوة شرعية، عادلة، لما أجاب الله دعاءهما... حاشاهما أن يدعوا بغير أمر مشروع.. وإذا كان مشروعاً فلم لا نفرح به؟ ألم يشرع لنا صيام ذلك اليوم الذي استجيبت فيه الدعوة شكراً لله؟
ولماذا لا نفرح وقد دعا محمد - صلى الله عليه وسلم - على مضر، وقال: (( اللهم اشدد وطأتك على مضر، اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف)) رواه البخاري وغيره؟
ألا يحق لنا أن نفرح باستجابة الله لدعاء المستضعفين المظلومين في المشارق والمغارب؟!
لماذا لا نفرح وما أصابهم عقاب من الله على جرمهم (وَلا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ)[الرعد: من الآية31]؟
لماذا لا نفرح ونوح - عليه السلام - يقول لربه: (وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً * إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِراً كَفَّاراً) [نوح: 26-27] فاستجاب الله دعاءه (وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)[هود: من الآية44]؟
إن ما أصاب أمريكا هو قدر كوني وعقوبة من الله - جل وعلا -؛ لطغيانها، وعصيانها، وجبروتها، وظلمها، وبعدها عن الله جلّ وعزَّ..
والعجيب أن بعض اليهود وبعض الإنجيليين الجدد يقولون إن ما حدث لأمريكا عقوبة من الله - جل وعلا -، فهم يعتبرونها نذارة لأمريكا، بينما نجد في المسلمين من يقول أن علينا أن نحزن لما أصابها!
إن هذا القول ضلال مبين وجهل بالنصوص الشرعية وبعد عن شرع رب العالمين، فالله لا يظلم (وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً)، والمجرم لا يترك (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ).
لماذا لا نفرح والله يقول لرسول - صلى الله عليه وسلم - وصحابته: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً) [الأحزاب: 9]؟
لقد كانت منة عظيمة من الله - جل وعلا - على عباده، ومدعاة لفرحهم وسرورهم وذلك حين جاءت الريح العظيمة وشتت الأحزاب في غزوة الخندق، ولذا يذكر الله بها عباده المؤمنين فيقول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ)[الأحزاب: من الآية9].
إننا عندما نرى هذه الرياح العاصفة تدمر أمريكا أو بعض ولاياتها نعلم أنها نعمة من الله - جل وعلا - تستوجب الحمد والشكر والفرح (وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ* بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) [الروم: 4، 5]، فالأحزاب قد تحزبوا اليوم على المسلمين بقيادة أمريكا، كما تحزب المشركون بقيادة قريش، فأرسل الله عليهم هذه الريح والجنود، تذكر الغافلين بقدرته - سبحانه -، إنها نعمة عظيمة وقدر من الله - جل وعلا - نفرح به ونسر، وتلك سنة الله في أمثالها بل وفيمن كان دونها في البغي والظلم.
ولنتأمل أيضاً قصة قارون وما حدث له، يقول الله - جل وعلا -: (فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِين َ* وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ * تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) [القصص: 81-83]، فإذا كان قارون خُسف به وبداره الأرض بسبب بغيه، (إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ) فخسف الله به، مع أنه لم يبلغ من البغي والفساد ما بلغته أمريكا بطغيانها، وجبروتها، وخبثها وفسادها.
وقد يقول قائل: أليس فيهم بعض المسلمين، ألا نحزن لمصابهم؟
فأقول له يا أخي الكريم، ثبت في الحديث الصحيح من حديث زينب رضي الله - تعالى -عنها عندما قالت للنبي - صلى الله عليه وسلم -: ((أنهلك وفينا الصالحون؟ أنه قال: نعم، إذا كثر الخبث))، و معنى ذلك أن الصالحين قد يهلكون في بلاد المسلمين إذا كثر الخبث فكيف ببلاد الكافرين؟
أما المسلمون فمن كان منهم صادقاً فإنه يبعث على نيته كما ورد في الحديث الصحيح في من يخسف بهم فإنهم يبعثون على نياتهم، فلا تعارض أبداً بين تدمير الكفار، ونزول العقوبات، وإصابة بعض المسلمين.
أليس في بعض بلاد المسلمين، يقع الطاعون، وهو وباء مهلك، ومع ذلك فهو شهادة ورفعة لمن أصيب بذلك كما ثبت في الحديث الصحيح؟
وقد يجتمع في النازلة الواحدة أمران، فرح وحزن، فنفرح لهلاك الكافرين، ونحزن لمصاب المسلمين إن أصيب منهم أحد.
ونعلم أن المسلمين ومن يقع عليهم مثل هذا البلاء بغير جرم فهو لهم من الابتلاء والتمحيص والتكفير، ورفعة الدرجات، وقد يكون شهادة للبعض، كمن مات غريقاً أو في حريق فله أجر الشهداء كما ورد في الأحاديث الصحيحة.
وقد يقول قائل آخر: ماذا نقول في قوله - تعالى -: (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ) [آل عمران: 128]؟ والعلماء قد ذكروا أجوبة كثيرة يرجع إليها في مظانها من كتب التفسير، ومن أقواها في ذلك أنه دعا على أناس معينين قد علم الله أنهم سيسلمون وقد أسلموا بعد ذلك.
وقد يقول قائل إن أبا الدرداء - رضي الله عنه - بكى لما فتحت قبرص وفرق بين أهلها وأخذوا أسرى؟
فالجواب عن ذلك: مذكور في أصل الخبر والرواية: حيث ذكر بعض أهل العلم كأبي نعيم في الحلية بسند صحيح عن جبير بن نفير قال: لما فتحت قبرص فرق بين أهلها بكى بعضهم إلى بعض، ورأيت أبا الدرداء جالساً وحده يبكي، فقلت: يا أبا الدرداء ما يبكيك في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله؟ قال: ويحك يا جبير، ما أهون الخلق على الله، إذا هم تركوا أمره، بينا هي أمة قاهرة ظاهرة لهم الملك تركوا أمر الله فصاروا إلى ما ترى.
فبكاء أبي الدرداء - رضي الله عنه - ليس حزناً عليهم ولا أسفاً، ولكنه من قوة إيمانه وتدبره وتعظيمه لله - سبحانه - وخوفه من عقابه، لأن كثيراً من الناس ينطبق عليهم قوله - تعالى -: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ)[الأنعام: من الآية91]
وخلاصة القول:
يحق لنا أن نفرح بما أصاب أمريكا، وأن نسرّ بذلك، لأن هذا منطق القرآن ومنهج الأنبياء، والمطرد مع الفطرة والعقول الصحيحة، إن ما حدث مطرد مع السنن الإلهية، والنواميس الكونية. (جَزَاءً وِفَاقاً) [النبأ: 26]، (وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً)[الكهف: من الآية49] (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ * وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ * الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ) [الفجر: 6- 14]
فلا نامت أعين الجبناء والمهزومين ومرضى القلوب، الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون.
(قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ) [التوبة: 52]
(وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ)[الشعراء: من الآية227]
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
- التصنيف:
- المصدر: