معكرات حياة الأسرة

منذ 2014-12-23

إن الحياة الزوجية مرحلة جديدة في حياة الإنسان، تختلف عن المراحل السابقة، فلكل من الزوجين أمزجةٌ خاصة قبل الزواج، ويجب عندما تبدأ المرحلة الجديدة أن يراعي كلٌّ منهما صاحِبَه، بأن يتنازَل عن بعض العادات، ويعوِّد نفسه على بعض العادات الجديدة.

هناك أمور تعُكِّر حياة الأسرة، بل قد تُفسِدها وتُعرِّضها للدمار.
وسنورد في هذه الكلمة بعضَ ما بدا لنا أنه من المعكِّرات نوردها ليُحاسِب الأزواج والزوجات أنفسهم وليَحذروها، وهي أمور حذر الشرع المطهر منها بنصوصه الثابتة الصحيحة.

1- أول هذه المعكرات، عدم الشعور بالمسؤولية من قِبَل الزوجين كليهما، يقول صلوات الله وسلامه عليه: «كلُّ مولود يولَد على الفطرة، فأبواه يُهوِّدانه، أو يُنصِّرانه، أو يُمجِّسانه» (البخاري [1385]، ومسلم [2658]، وأبو داود [4714]، والترمذي [2138]).

• إن كثيرًا من الزوجات لا يَشعرنَ بمسؤوليتهن التي قرَّرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: «والمرأة راعية في بيت زوجها، ومسؤولة عن رعيتها» (البخاري [893]، ومسلم [1829]، وأبو داود [2928]، والترمذي [1705]، والمنذري [3/8]).
إن هؤلاء الزوجات يُطالِبن الزوجَ بأداء معظم الواجبات، من الإنفاق على البيت، وهو واجب عليه وحده ضِمن قدرته، ويُطالِبنه أيضًا بالإشراف على دراسة الأولاد، وتربيتهم، وطعامهم، وبحل المشاكل كلِّها التي تَعرِض للأسرة، ولا يشعُرنَ بأن المسؤولية مشترَكة، وقد قدّر بعض الباحثين أن نسبة الزوجاتِ اللاتي من هذا القبيل في بلاد المسلمين تصل إلى تسعين في المائة.

• وهناك حالات نرى الأزواجَ لا يشعرون بمسؤوليتهم في شؤون الأسرةِ، فترى الزوج مُهمِلاً القيام بواجباته نحو أسرته، من جوانب الإنفاق، والتربية، والتوجيه، والرعاية الصحية، وما إلى ذلك، ويُلقي ذلك كلَّه على الزوجة.
والحق أن المسؤولية مشترَكة، ولا بد من حمْل كل من الزوجيين بعض الأعباء، حتى يَخِف الحملُ على كل منهما، وهذا يُحقِّق التفاهمَ والسعادة.

2- وثاني المعكرات، عدم تكيُّف كل من الزوجيين مع الوضع الجديد:

إن الحياة الزوجية مرحلة جديدة في حياة الإنسان، تختلف عن المراحل السابقة، فلكل من الزوجين أمزجةٌ خاصة قبل الزواج، ويجب عندما تبدأ المرحلة الجديدة أن يراعي كلٌّ منهما صاحِبَه، بأن يتنازَل عن بعض العادات، ويعوِّد نفسه على بعض العادات الجديدة.
إن عدم التكيف مع الوضعِ الجديد قد ينتهي إلى عدم الاتفاق بين الزوجين، والاختلاف في الأسرة كارثة حقيقية، وهو من العوامل التي تهدِم الحياةَ الزوجيَّة.
ليس من شكٍّ في أن الآراء تختلف في كثير من الأمور، فعلى كل منهما أن يتَّسع صدره لسماع رأي صاحبه، وأن يُناقشه بموضوعية وهدوء، وليس معقولاً أن يكون أحدهما هو المتنازِل دائمًا، ويجب أن تبقى فكرة التعاون هي المسيطرة على النقاش، وكذلك فيجب أن تبقى فكرةُ احترام الآخر مُراعاةً في النقاش.
وليكن المقياس الذي يُرجَع إليه هو مبادئ الشرع المطهَّر، فإذا كان موضوع النقاش لا يُخالِف الشرع في جانبيه، فالخلاف فيه هيِّن.

3- وثالث هذه المعكرات الأَثَرة، ويعبَّر عنها أحيانًا بالأنانية:

والأنانية مِعوَل يَهدِم صَرْحَ الزوجية ويُعرِّضه للدمار، فإذا كان أحد الزوجين يُؤثِر نفسَه على صاحبه بالطعام واللباس الفاخر، وبالراحة، والمتعة، ولا يبالي بالآخر، كان ذلك سببًا لقيام نفور شديد بين الزوجين، ومهما يكن من أمر، فإن وجود الأنانية في البيت سواء اتَّصف بها الرجل أو المرأة من معكرات الحياة الأسرية.
قد يصبر المرء على تصرفات الآخرين حينًا من الزمن، ولكنه لا يمكن أن يستمر في هذا الصبر طويلاً، عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إنك لن تُنفِق نفقةً تبتغي بها وجه الله إلا أُجِرت بها، حتى ما تجعل في فِي امرأتِك» (متفق عليه: صحيح البخاري [56]، صحيح مسلم [1628]).
إن الإيثار الصادق يؤكِّد المودة، ويجعل بناء الأسرة متينًا، ويجلِب السعادة.

4- ورابع هذه المعكرات، حبُّ السيطرة بعنف، وإلغاء شخصية شريكه في الحياة:

وأبدأ بذكر هذا الأمر عند الرجل:
لقد جعل الله القوامة للرجل، وأَوجَب على المرأة طاعتَه فيما لا معصيةَ فيه، وفي الأمور التي تحقِّق للأسرة السعادةَ، وجدير بالرجل العاقل أن يستعمل هذا الأمرَ بالود والحب والرحمة دون تعسُّف، إن عليه أن يَصِل إلى قلب زوجته أولاً، فإذا تحقَّق ذلك بينهما، سَهُل على الزوجة تنفيذ الأوامر.
أما إذا كان الرجل يعامِل زوجته بالفظاظة والغِلظة، والتجهم والعُبُوس، ويُخاطبها بالكلام الجارح، فإن استعدادها لتنفيذ أوامره سيكون ضعيفًا، وإذا أطاعته أطاعتْه مُكرَهة، وقد تُعانِده فلا تُطيعه.
إن على الرجل أن ينظر إلى زوجته أنها من نفسه قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا} [الروم:21]، يؤلِمه ما يؤلِمها، ويَسُره ما يَسُرُّها.
إن الزوجة إنسان ولها كرامة الإنسان، فإن كان الخطاب الموجَّه إليها مُشعِرًا بامتهانها، فإن ذلك يجرح كرامتَها، وقد يُفضي بها الألم إلى كراهية الزوج.
وأما حبُّ السيطرة عند الزوجة، فموجود، وقد تعاظَم في الأيام الأخيرة، فقد يُغريها تعلُّق زوجها بها أن تَفرض سيطرتها عليه في أمور كثيرة، وهذا دون شك سلوكٌ مُنحرِف، يُضعِف العلاقة بينهما شيئًا فشيئًا، حتى يؤدي الأمر إلى النفور منها، وقد تسيطر عليها بسبب شيخوخته وقلة ماله، إن كان مَعْدِنها سيئًا، فلا تدَعه يتصرَّف بأي عملٍ إلا بإذنها، لا سيما إن كان لها أولاد كبار من الذكور والإناث.
إن ذلك قد يقوده إلى ترْكها، وإلى تفضيل الحياة القاسية وحده، على أن يعيش عيش الذُّل معها، إن احترامَ المرأة مشاعرَ زوجها والتعاون معه على الخيرِ، إن ذلك يجعله يحبها حبًّا مستمرًّا يُدخِل على الأسرة السعادة والهناء.
إن من الواجب على كل منهما أن يجتنِب لهجة التعالي والسيطرة، وعلى كل منها إذا طُلب منه تنفيذ أمرٍ فيه مصلحة أن يستبعِد الشعور بالضعف، وألا يُفسِّر طلبات الطرف الآخر بما لا يَحسُن صدوره.

5- وخامس هذه المعكرات، الغَيرة:

إن الحب الشديد قد يقود صاحِبَه إلى الغَيرة المبالَغ فيها، وهي تقود عندئذٍ إلى الشك والوسوسة والخلاف المستمر، وهذا الوضع أقرب إلى المرض منه إلى الحب الشديد، وهذا وضْع غير سليم أبدًا، إن الحب المتعقِّل هو الحب البنَّاء، وقد تكون الغَيرة الشديدة الهدامة عند الرجل، وقد تكون الغَيرة الشديدة الهدامة عند المرأة، وهي في الحالتين عامل هَدْم وشقاء للأسرة.
إن الغيرة أمرٌ محمود إن بقيتْ في حدودها المعقولة، أما أن تصل إلى الوسوسة، فإنها عندئذٍ بداية الهدم والشقاء.
وقد حرَّم الله سبحانه وتعالى الظن وأمَرَنا باجتناب كثيرٍ منه، لأن بعضه إثم، فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} [الحجرات:12]، فكم هدَمت هذه الغيرة الحمقاء بيوتًا.

6- وسادس هذه المعكرات، عدم التزام حدود الله، وعدم التوقف عندها في كلّ أمرٍ من الأمور: في النفقة والمعاشرة والتربية، وفي كل الشؤون.

وقد ذكر الله سبحانه وتعالى في آيتين (هما الآيتان 229 و230 من سورة البقرة) من آيات أحكام الأسرة ست مرات (حدود الله)، وهذا يَدل على أن التزام الحدود لا بد من تحكيمه واعتماده، وأن إهماله أكبر الأسباب التي تعكِّر الحياةَ الزوجيَّة.
والالتزام بحدود الله مطلوب في كل تصرُّفات المسلم، وقد رأينا أنه ما خالَفَ أحكامَ دين الله قومٌ في أمر من الأمور، إلا كان النّكَد والشقاء مصيرهم المحتوم.
إن على الزوجين ألا يتوقَّعا حياة دون مشاكل أو اختلاف، هذا أمر لا يكون، وعليهما ألا يُصعّدا هذا الخلاف ولا يُضخّما المشاكل، ولله دَر القائل:

إذا كنتَ في كل الأمورِ مُعاتِبًا *** صديقَكَ لمْ تلقَ الذي لا تُعاتِبُهْ
فعِشْ واحدًا أو صِلْ أخاكَ فإنه *** مُقارِفُ ذنبٍ مرَّةً ومُجانِبُهْ
إذا أنت لم تشربْ مِرارًا على القذَى *** ظَمئتَ وأيُّ الناسِ تصفو مشاربُهْ
ومَن ذا الذي تُرضى سجاياه كلُّها *** كفى المرءَ نبلاً أن تُعَدَّ مَعايبُهْ

محمد لطفي الصباغ

أستاذ علوم القرآن والحديث بكلية التربية بجامعة الملك سعود - بالرياض

  • 0
  • 0
  • 5,986

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً