كيف يكون يوم المسلم؟
ملفات متنوعة
لا شك عند مسلمٍ أن الدنيا دار ابتلاء ودار امتحان ودار عمل وغداً دارُ جزاء ودارُ حساب فلزاماً أن نسعى سعياً حثيثاً لإصلاح آخرتنا، ما حل بنا ونزل من بلاءٍ في الدنيا فإنها إلى منتهىً وقلٍ وزوال، وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون، لزامًا أن نسعى ومع سعينا لإصلاح دنيانا، لزامًا أن نسعى لإصلاح آخرتنا ولو كلفنا هذا السعيُ بذل حياتنا وبذل أموالنا وبذل أولادنا لإصلاح آخرتنا لزامًا أن نسعى؛ فإن الدار الآخرة لهي الحيوان لوكانوا يعلمون، وسواءً أقبلت علينا الدنيا أو أدبرت فالآخرةُ خيرٌ وأبقى.
- التصنيفات: الدعوة إلى الله -
الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً ولم يكن له شريكٌ في الملك، وخلق كل شيٍ فقدره تقديرًا، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ يعز ويذل، ويكرم ويهين، ويخفض ويرفع، ويحي ويميت، يغني ويقني ويضحك ويبكي سبحانه وتعالى، كل يوم هو في شأن ومن شأنه أن يرد غائباً أو يعافي مبتلاً، ويشفي سقيماً ويغني فقيراً، سبحانه وتعالى يفعلُ ما يريد، منتهى الأمورِ كلها إليه، وخزائن كل شيءٍ بيديه، كما قال عز من قائل: {وَأَنّ إِلَىَ رَبّكَ الْمُنتَهَىَ} [النجم:42]، وكما قال جل ذكره: {وَإِن مّن شَيْءٍ إِلاّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزّلُهُ إِلاّ بِقَدَرٍ مّعْلُومٍ} [الحجر:21]، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، أرسله الله بين يدي الساعة بالحق بشيراً ونذيراً ؛ فبلغ الرسالةَ حقَ البلاغ، وأدى الأمانةَ حقَ الأداء، فصلاةُ اللهِ وسلامه عليه وعلى آل بيته وعلى أصحابه الكرام رضي الله عنهم وعمن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين وبعد.
أيها الأخوة تعلمون أن الدار الدنيا دار ابتلاء ودار اختبار، فنحن في هذه الحقبة القصيرة من حياتنا نُبتلى ونُختبر وغداً ستظهرُ النتائج وكما قال تعالى: {أَمْ لَمْ يُنَبّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَىَ . وَإِبْرَاهِيمَ الّذِي وَفّىَ . أَلاّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىَ . وَأَن لّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاّ مَا سَعَىَ . وَأَنّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَىَ} [النجم:36-40] فسعيكُم سيُرى، وأعمالُكم يطلعُ عليها ربُكم ولقد قال تعالى: {وَمَنْ أَرَادَ الاَخِرَةَ وَسَعَىَ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مّشْكُوراً} [الإسراء:19]، جعل اللهُ سعينا وسعيكم مشكوراً اللهم آمين.
إخواني بارك الله فيكم؛ فكما تعلمون ولا ريب في هذا ولا شك عند مسلمٍ أن الدنيا دار ابتلاء ودار امتحان ودار عمل وغداً دارُ جزاء ودارُ حساب فلزاماً أن نسعى سعياً حثيثاً لإصلاح آخرتنا، ما حل بنا ونزل من بلاءٍ في الدنيا فإنها إلى منتهىً وقلٍ وزوال، وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون، لزامًا أن نسعى ومع سعينا لإصلاح دنيانا، لزامًا أن نسعى لإصلاح آخرتنا ولو كلفنا هذا السعيُ بذل حياتنا وبذل أموالنا وبذل أولادنا لإصلاح آخرتنا لزامًا أن نسعى؛ فإن الدار الآخرة لهي الحيوان لوكانوا يعلمون، وسواءً أقبلت علينا الدنيا أو أدبرت فالآخرةُ خيرٌ وأبقى.
أذكرُ نفسي وإخواني بأمر كان يقعُ فيه قليلو الفهم بالدين في زمن النبي الأمين عليه الصلاة والسلام، كان ثَمَ أقوامٌ يأتون إلى مدينة رسول الله عليه الصلاة والسلام يسلمون ويعلنون عن إسلامهم ويشهدون الشهادتينِ فإذا اتسعت عليهم الأرزاق، إذا ولدت نساؤهم ذكوراً، إذا أنتجت إبلهم إبلاً، إذا جاءهم الغيث قالوا هذا دينٌ طيبٌ، هذا دينٌ حسن، فإذا قُدرْ ولم تلد نساؤهم ذكورًا أو قلَّ الغيث أو لم تنتج إبلهم قالوا هذا دينُ سوءٍ وارتدوا على أدبارهم، فأنزل الله تعالى: {وَمِنَ النّاسِ مَن يَعْبُدُ اللّهَ عَلَىَ حَرْفٍ} -أي على شك- {فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَىَ وَجْهِهِ خَسِرَ الدّنْيَا وَالآَخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} [الحج:11].
فكان لزاماً أن نسعى لإصلاح آخرتنا وإن كان ذلك على حسابِ دنيانا؛ فكم من نفسٍ بُذِلت لإعلاء كلمة الله، وكم من نفسِ جاعت وعطِشت ولم يضُرُها ذلك ابتغاء مرضاة الله، فلزاماً أن نتفطنَ لهذا.
إخواني، وقد علمتم أن الدنيا دار ابتلاء فعلينا أن نسعى كي تكون أيامُنا مباركةً وليالينا كذلك مباركة، فأذكر نفسي وإخواني في هذه العجالة بأعمالِ يومٍ مبارك؛ تبدأه عند استيقاظك بحمد الله قائلاً: « » (صحيح مسلم:6314)، تحمد الله على أن أحياك بعد موتك، تحمد الله إذا رأيت نفسك تمد رجلك فتمتد معك، تبسطُ يدك فتنبسط، فكم من شخصٍ حُرم هذه النعم، ونبيكم يقول: « » -في ابن آدم ثلاثمائة وستون مفصلاً- « » (صحيح مسلم:720).
فقم حامداً لله ذاكراً ذكر رسول الله « » تزادُ من نعم الله؛ فالله يقول: {لَئِن شَكَرْتُمْ لأزِيدَنّكُمْ} [إبراهيم:7]، والحمد لله كلمةُ كلِ شاكرٍ يُدفعُ بها عنك البلاء، يُصرفُ بها عنك العذاب فربك يقول: {مّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ...} [النساء:147]، فقولوا الحمد لله وأكثروا منها تزادوا من نعم الله ويصرف عنكم عذابُ الله.
ابدأ يومك وبعد حمدك لربك بوضوءٍ يذهبُ الله به الخطايا وإن كنت تستقل الأجر فأجره عظيم، ألم تسمع قول النبي الأمين « -الطهور يعني الوضوء- » (صحيح مسلم:223)، توضأ خطاياك تتناثر بسبب الوضوء، ذنوبك تُحط بسبب الوضوء، تأتي يوم القيامة مُحلى بحلية طيبةٍ حلية الوضوء، تُعرفُ بها من بين الخلائق، فليتك تداوم على هذا الوضوء، ليتك تحافظ على هذا الوضوء، قال الأمين محمد عليه الصلاة والسلام: « » (صحيح الجامع:952).
إن لم تكن أوترت قبل نومك فأوتر، فالوتر حقٌ يا أهل القرآن، إذا لم تكن أوترت فأوتر وادعو ربك، هذا وقتٌ يتنزل فيه ربُنا إلى سماء الدنيا يقول: « » (صححه الألباني في تخريج كتاب السنة:508). فلا يكن الديكُ أكيس منك، ينادي بالأسحار وأنت نائم، ادعو ربك، سَلْهْ، استغفره.
اتجه إلى المسجد واذكر قول نبيك عليه الصلاة والسلام: « -أي مكان ضيافةٍ في الجنة- » (صحيح الجامع:6399)، اذكر قول نبيك: « » (قال المنذري في الترغيب والترهيب:(1/171) رجال إسناده ثقات، وقال ابن الجوزي في العلل المتناهية:(1/408) لا يصح).
فاذهب إلى المسجد لصلاة الفجر، اذهب إلى المسجد ذاكراً الله، داعياً في الطريق، داعياً ربك أن ينور بصرك وسمعك وقلبك « » (صحيح الجامع:1259)، هذا دعاء نبيكم في طريقه إلى المسجد.
صل سنة الفجر بعد ترديد الآذان تثاب، صل ركعتي الفجر خيرٌ من الدنيا وما فيها، ركعتا الفجر سنة الفجر خير من الدنيا وما فيها، ثم صل الفجر في جماعة، قرآنها مشهود تشهده الملائكة {إِنّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً} [الإسراء:78]، صل صلاة الفجر في جماعة تكون كمن قام نصف الليل، صل صلاة الفجر في جماعة تكون في ذمة الله يومك هذا، صل صلاة الفجر في جماعة تشهد الملائكة لك عند ربك (يارب آتيناه وهو يصلي وتركناه وهو يصلي) وذلك في صلاتي الفجر والعصر، شتان ما بين مصلٍ للفجر وبين مضطجعٍ كسولٍ نائم، {إِنّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً}.
يا هنيئاً لك إذا استفتحت يومك بهذا، وبعد اذكر الله في مصلاك –قدر الاستطاعة– ويا حبذا لو بقيت لطلوع الشمس متسلحاً بالأذكار التي يحفظك الله بها طيلة يومك، يحفظك الله بها من شياطين الأنس ومن شياطين الجن، ثَمَ فارقٌ بينك يا ذاكر وبين نائم مضطجعِ خامل، اصبر حتى تطلع الشمس تذكر الله، اصبر حتى تطلع الشمس تتلو كتاب الله، ترتفع لك الدرجات ؛ بكل حرف حسنة والحسنة بعشر أمثالها، يالها من خسارة إذا تركت جزءاً من كتاب الله لم تقرأه في هذا البكور المبارك، فكم في الجزء من آيات وكم في الآيات من كلمات وكم في الكلمات من حروف وبكل حرفٍ عشرُ حسنات، فياله من أجرٍ يُحْرَصُ عليه، يا لها من أذكار مباركة تكون سبباً في حفظك طيلة يومك.
افتتح صباحك المبارك بأربع ركعات، قال الله عز وجل في الحديث القدسي: « » (صحيح الترغيب:672)، يحفظك ربُك إلى آخر النهار، يرزقك ربك، فربنا يقول: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقاً نّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتّقْوَىَ} [طه:132].
استفتح اليوم المبارك بأربع ركعات ركعتين بعد ركعتين، واتجه إلى آل بيتك فلآل بيتك عليك حق وكم منها من ضيع هذا الحق، لآل بيتك عليك حق وأنت مسئول عن رعيتك، فأدي الحقوق التي عليك لأهل بيتك، انظر مطالبهم واسعى في تحقيقها مادامت في مرضاة الله، لا تقصر في هذا الديوان -ديوان حقوق آل بيتك عليك- ولقد قال النبي الأمين عليه الصلاة والسلام: « » (صحيح ابن حبان:4177)، ذكِّرهم عظهم، اقض لهم الحاجات.
واخرج من بيتك قاصداً عملك، احرص على أن يكون عملا حلالاً طيباً، لا ينتابه غش، لا ينتابه حرام، احرص على أن يكون عملك بعيداً عن الغش بعيداً عن الحرام حتى تأكل لقمةً طيبة، تدعو الله فيستجابُ دعاؤك، تدعو لأولادك فيستجابُ الدعاء، تدعو بتيسير أمورك فتيسر الأمور،انظر إلى طيب الأعمال فاعمل، وإلى طيب الكسب فاكتسب فالكسب الحلال الطيب يبارك فيه، ولا تغتر بكثرة من حرام، فبها يحجب دعاؤك وبها تتسلط عليك الأمراض، وبها يعقك أبنك وتعقك إبنتك.
احرص على أن تكون اللقمة من الحلال فهذا أمر الله قال تعالى: {يَأَيّهَا الرّسُلُ كُلُواْ مِنَ الطّيّبَاتِ وَاعْمَلُواْ صَالِحاً} [المؤمنون:51]، قال تعالى: {يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة:172].
في طريقك للعمل أكثر من ذكر الله، لا تخض مع الخائضين في القيل والقال، بل أمسك عليك لسانك، احفظ لسانك وأعرض عن اللغو فأهل الإيمان عن اللغو معرضون، إذا مروا باللغو مروا كراماً، امتثل حديث نبيك ومناشدة نبيك لك: « » (صحيح البخاري:6019)، لا تتكلم كثيراً، صحيفتك ستسَوَّد بكثرة الكلام الكثير، أكثر من ذكر الله فبه تبيَّض صحيفتُك به تنوَر وتشرِق يوم تلقى الله، فأمسك عليك لسانك، فهل يكب الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم؟ فلا تحصد سيئات بلسانك، بل اكتسب بلسانك الطيبات فـ{لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ}، وإلا فما وراء ذلك مذمومٌ إلا ذكر الله، {لاّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مّن نّجْوَاهُمْ إِلاّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَآءَ مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً} [النساء:114].
إياك وأن تغتاب المسلمين، إياك ثم إياك أن تأكل الجيف -لحوم إخوانك الموتى- باغتيابك وبطعنك في أعراضهم، استر على المسلمين، لا تفضحهم فتفضح، لا تهتك سترهم فيهتك سترك، فرج كروباتهم يفرج الله عنك الكروبات، سدد وقارب، ففارقٌ بين من يستر على الناس وبين من يفضحهم، فارقٌ بين من يسعى لسد حاجات الناس وبين من ينهبهم ويسلبُ أموالهم، انظر أين أنت؟ هل أنت من المحسنين؟ أم أنك من اللصوص؟ وربك عليك شاهد ونفسك عليك شاهدة.
امشي في الطريق لا تمشي متكبراً ولا مختالاً، فعباد الرحمن يمشون على الأرض هوناً، بتواضعٍ، بعدم كبرٍ ولا اختيالٍ ولا تعالٍ على الناس، امشي في الطرقات متواضعاً.
أدي عملك على الوجه الذي يحبه الله ويرضاه، راقب الله في عملك قبل أن تراقب رئيس العمل، راقب الله في عملك فعملك سيسألك عنه ربك {وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدّونَ إِلَىَ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشّهَادَةِ فَيُنَبّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [التوبة:105]، اعمل العمل وأيقن أن الله يراقبك.
انتهي من عملك بحسن خلق مع زملاءك في العمل، فهؤلاء من الجيران وقد أوصى الله بالجار؛ بالجار الجنب، بالجار ذي القربي، والصاحب بالجنب، وابن السبيل، فالجار أوصى الله به وأوصى بالجار الجنب فضلاً عن الجار الذي هو قريبكم، أوصى بالجار الذي لا تربطك به قرابة، والصاحب بالجنب وهي الزوجة والصاحب بالسفر والصاحب في العمل، وابن السبيل.
فكن حسن الخلق مع زملاءك في العمل، لا تكن نماماً، لا تكن غشاشاً، إذا وجدت خلالاً فانصح لله مبتغياً وجه الله، ولا تكن نماماً فإن النمام الذي ينقل حديث الناس لبعضهم على سبيل الإفساد رأه النبي يعذب في القبر قال: « » (صحيح البخاري:6052)، حافظ على حقوق الجيران، وكذلك ارجع من عملك سمعت عن جنازة فاتبعها يكتب لك قيراط من الأجر، فإذا صليت عليها واتبعتها إلى القبر كتب لك قيراطان.
إذا سمعت عن مريض فعده تأخذ العبر من عيادته، وتسلم يوم الدين من سؤال الله لك، فربكم يقول يوم القيامة: « » -ربنا يقول ذلك- « -أنت تتعجب وتقول- -فيقول- » (صحيح مسلم:2569)، وفي رواية « »، فتفقد أحوال المرضى من أهلك وجيرانك وأقربائك والمسلمين.