مؤسسات الطوافة في الفقه الإسلامي
قبل الكلام عن مؤسسات الطوافة، يحسن أن نعرف من هو المطوف وما هي مهنته، ومتى ظهرت، وكيف انتهت إلى عمل مؤسسي، ثم ما هو تكييف هذا العمل المؤسسي وهو صلب المطلوب، وكل ذلك حتى يكمل تصور هذه المهنة؛ لأن الحكم عن الشيء فرع عن تصوره.
- التصنيفات: فقه الحج والعمرة -
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه.
أما بعد: فبين يدي القارئ بحث بعنوان (مؤسسات الطوافة) ببيان صورتها عند المتقدمين وحكمها، وصورتها المعاصرة وحكمها.
فأقول مستعيناً بالله - تعالى -:
قبل الكلام عن مؤسسات الطوافة، يحسن أن نعرف من هو المطوف وما هي مهنته، ومتى ظهرت، وكيف انتهت إلى عمل مؤسسي، ثم ما هو تكييف هذا العمل المؤسسي وهو صلب المطلوب، وكل ذلك حتى يكمل تصور هذه المهنة؛ لأن الحكم عن الشيء فرع عن تصوره.
أولاً: مما يوضح عمل المطوف.
يقول الأمير شكيب أرسلان: " إن في الحجاز الشريف -حماه الله- طائفتين لا بد لقاصد الحجاز أن يكون له علاقة معهما ولا يكاد يستغني عنهما..وهما المطوفون بمكة المكرمة، والمزورون بالمدينة المنورة. فالحاج يأتي غريباً لا يعرف أحداً، والغريب أعمى ولو كان بصيراً، فلا بد له من دليل يدله، ويسعى بين يديه، ويقضي حوائجه، ويرتب له قضية سفره، ومبيته، ويعلمه مناسك الحج التي كان أكثر الحجاج يجهلونها.. وإن كان منهم من يعلمها جملة و تفصيلاً فهو النادر الذي لا يبنى عليه حكم.. وزد على هذا أن الحجاج ليسوا جميعاً من أبناء العرب، فيمكنهم أن يسألوا عن الطريق والمنازل والمناسك والمناهل ويزيلوا عمى الغربة بطول السؤال لإمكان تفاهمهم مع الحجازيين.. بل حجاج العرب لا يزيدون على خمس حجاج المسلمين، والأخماس الأربعة الباقية هي من أمم تجهل اللسان العربي.. فكيف يصنع حجاج هذه الأمم إذا لم يكن المطوفون؟... إن المطوف يكاد يكون كالجمل في الحج لا يستطاع الحج بدونه، يأتي إلى السفينة بمجرد أن تلقي أبخرها في بحر جدة، فيأخذ حاجه بيده ويضع له حوائجه في الزورق، ويأتي به إلى الميناء، ويخرجه إلى البر ويخلص له معاملة تذكرة المرور ومعاملة المكس وليستا بالشيء الهين؛ نظراً للزحام ولما يجب على إدارة التذاكر وإدارة الجمرك من التدقيق.." ومن مهمات المطوف التي ذكرها أرسلان: "إن المطوف: هو الذي يكفل جميع حوائج الحاج وأغراضه منذ يطأ رصيف جدة إلى أن يصعد سلم الباخرة قافلاً، فيحمله إلى مكة المكرمة، ثم إلى عرفة، ثم إلى المزدلفة، ثم إلى منى، ثم يعود به إلى مكة وإذا أراد الزيارة هيأ له جميع أسباب السفر إلى المدينة، وهناك سلمه إلى المزور الذي هو صاحب هذه المصلحة في المدينة لا يتجاوز عليه غيره فيها... وإذا احتاج إلى أي شيء من الجمل إلى البرغوث فلا بد أن يأتيه به، وإذا وقعت له –حاجة- تقتضي مراجعة الحكومة فعلى المطوف أن يرافق الحاج إلى صاحب الشرطة وينهي معاملته.. ومما يدهش العقل أن المطوفين والمزورين يعرفون جميع لغات العالم، وأكثرهم يعرفون التركي، ومطوفو الفارسي، ومطوفو الهند يجيدون لسان الأوردو، ومطوفو الجاوى يعرفون لغة الملايو.. وهكذا.. فإذا مرض الحاج فالمطوف هو الذي يعلله ويأتي له بالطبيب والدواء ويسهر عليه، وإذا مات فهو الذي يخبر الحكومة ويأتي بأناس من قبلها ويضب في حضورهم حوائجه لو سمي المطوف كافلاً للحاج لما كان في هذه التسمية أدنى مبالغة(1) ومع هذه الكفالة الشاملة التي فيها من الركض والعناء وتعب الفكر والمسئولية ما فيها يكون آخر الأمر جميع النحلان جنيهاً واحداً عن كل شخص، هذا هو النحلان المقرر، فمن طابت نفسه بأن يزيد فذلك عائد إلى سماحة نفسه" انتهى ملخصاً(2).
ثانياً: ظهرت هذه المهنة.
يقول المؤرخ قطب الدين النهرواني في حج أحد سلاطين الشراكسة حيث قال: "إن السلطان قاتيباي حج عام (884 هـ) ولم يحج أحد غيره من سلاطين الشراكسة... وأن القاضي إبراهيم بن ظهيرة هو الذي تقدم لتطويف السلطان. يعتبر هذا النص أول نص تاريخي في الطوافة والمطوفين"(3).
و ذكر أيوب صبري باشا عام (1318 هـ) "إن خدمات الطوافة -الأدلة- الأتراك يسمون المطوفون دليلاً في صدر الإسلام كانت تختصر على عدة أشخاص مختارين من أهل مكة، ثم فيما بعد توسعت البلدان الإسلامية وتعددت، وبلغ تعيين دليل مخصوص من حجاج كل بلد إلى درجة الوجوب، وعلى هذا عين لكل بلد من البلدان الإسلامية مطوف مخصوص.. و في الحكم العثماني سنة (923 هـ)، فإن الطوافة أخذت طريقها إلى الظهور بشكل منظم... وإذا كانت الطوافة في عهد المماليك قد اقتصرت على القضاة في مكة فإنها في بداية هذا العهد أخذ نطاقها يتسع قليلاً، فخرجت من سلك القضاة إلى سلك الأعيان، يدل على ذلك قصة محمد المياس الذي كان من أعيان مكة وأحد وجهائها، فقد قام بتطويف أمير الترك قانصو باشا سنة(1039 هـ) "(4 ).
ثالثاً: معالم ومفاهيم لمهنة الطوافة(5).
صدر الأمر السامي بتاريخ (3/11/1367هـ) بالموافقة على نظام المطوفين العام والذي تضمن العديد من مفاهيم الطوافة والمطوفين ومنها:
1- الطوافة: عبارة عن وظائف معينة يؤديها كل مطوف سميت معلمانية، وهو دليل الحاج (6) في مناسكه وجميع ما يتعلق بالحج.
2- المعلم: هو الذي توفرت فيه شروط المعلمانية في المهنة وأصبح مطوفاً بموجب نظام المطوفين.
ثم صدر المرسوم الملكي (1398هـ) الذي ينص على وضع قواعد جديدة لهذه المهنة، الذي حول مهنة الطوافة من العمل الفردي إلى العمل الجماعي ليكون عمل الطوافة بأيدي قيادة جماعية تواكب الخدمات التي تقدمها الدولة من أجل رعاية الحجيج، ثم صدر الأمر السامي الكريم بتاريخ (13/6/1399هـ) بالموافقة على إقامة مؤسسات تجريبية لرفع مستوى مهنة الطوافة وخدمات الحجاج.
وتم إنشاء ست مؤسسات تجريبية للطوافة أنشئت على النحو التالي:
1- المؤسسة الأهلية لمطوفي حجاج تركيا ومسلمي أوربا وأمريكا واستراليا.
2- المؤسسة الأهلية لمطوفي حجاج إيران.
3- المؤسسة الأهلية لمطوفي حجاج جنوب آسيا.
4- المؤسسة الأهلية لمطوفي حجاج أفريقيا غير العربية.
5- المؤسسة الأهلية لمطوفي حجاج شرق آسيا.
1- المؤسسة الأهلية لمطوفي حجاج الدولة العربية.(7).
رابعاً: الطوافة في عمل مؤسسي، من خلال نظامها والجهات الأخرى ذات العلاقة:
أولاً: المؤسسات الأهلية للطوافة بمكة المكرمة: "هي مؤسسات تختص بخدمة الحجاج القادمين من خارج المملكة العربية السعودية وعددها ست مؤسسات ترعى شؤون الحجاج التابعين لها حسب التقسيم الجغرافي للجنسيات، وتقدم لهم كافة الخدمات اللازمة(8) في مكة المكرمة والمشاعر المقدسة، وتشرف على متطلبات وراحة الحجاج وتسهيل إجراءاتهم منذ وصولهم إلى الأراضي المقدسة وحتى مغادرتهم إلى بلادهم ".
ثانياً: الجهات ذات العلاقة بمؤسسات الطوافة:
1- مكتب الوكلاء الموحد بجدة: "الجهة الأهلية التي تستقبل الحاج في منافذ الدخول المعتمدة وتستلم جوازه، وتقوم باستلام وتحصيل شيكات أجور الخدمات وأجور النقل، وتعتبر ممثلاً للمؤسسات وللنقابة العامة للسيارات ولشركات النقل ووكيلاً عنهم، والمكتب مسؤول عن ترحيل الحجاج إلى مكة المكرمة أو المدينة المنورة، كما أنه المسؤول عن مغادرة الحجاج إلى أوطانهم بالتنسيق مع إدارة الجوازات وشركات الطيران".
2- النقابة العامة للسيارات: "هي الجهاز المشرف على الشركات المعتمدة لنقل الحجاج، وهي الجهة التي تقوم بالتنسيق بين مكتب الوكلاء الموحد ومؤسسات الطوافة والأدلاء فيما يختص بنقل الحجاج، والنقابة هي المسؤولة عن تأمين وسائط النقل المناسبة للحجاج الدافعين لأجور النقل".
3- شركات النقل: "هي الشركات المعتمدة رسمياً تحت مظلة النقابة العامة للسيارات لنقل الحجاج بين مدن الحج والمشاعر المقدسة منى وعرفات ومزدلفة، وتحرص هذه الشركات على تهيئة وسائط النقل الخاصة بنقل الحجاج الدافعين لأجور النقل وتجهيزها بجميع مستلزماتها".
خامساً: بعض إرشادات وزارة الحج للحاج مما يوضح لنا عمل مؤسسات الطوافة(8):
1- تسليم شيك أجور خدمات أرباب الطوائف وشيك النقل، أو تسديد تلك الأجور نقداً لمندوب مكتب الوكلاء الموحد في منافذ الدخول.
2- تسليم جواز سفره بعد الانتهاء من إجراءات الجوازات والجمارك وتسديد العوائد ومؤسسات الطوافة إلى مندوب مكتب الوكلاء الموحد ليتولى إكمال إجراءات مغادرته إلى مكة المكرمة أو المدينة المنورة.
3- حفظ ما لديه من أوراق رسمية ونقود لدى مؤسسة الطوافة، وإذا ما تعرض الحاج لأي موقف كسرقة أو نحوها –لا سمح الله- فعليه إبلاغ.. مؤسسة الطوافة لاتخاذ اللازم(9).
4- على الحاج استخدام وسائل النقل التابعة للشركات الناقلة للحجاج التابعة للنقابة التي دفع أجورها لصعوده إلى المشاعر المقدسة: عرفات، مزدلفة، منى، لتمكين مؤسسات الطوافة ومجموعة الخدمات التي تختص بخدمته من أداء واجباتها تجاهه ضماناً لأدائه مناسك الحج في يسر وسهولة (10).
5- التعاون مع المؤسسة التي تخدمه في إنجاح خطة تفويج الحجاج إلى جسر الجمرات التي تنفذها المؤسسة وذلك بإتباع التعليمات التي وضعت من أجل راحتهم، ليتحقق قيامهم برمي الجمرات بيسر وسهولة بعيداً عن الازدحام الشديد الذي يصاحب خروج الحجاج إلى الرمي دفعة واحدة.
وأكدت وزارة الحج: على كل من يرغب أداء فريضة الحج الحصول أولاً: على تأشيرة حج من ممثلية المملكة العربية السعودية في بلاده وهناك طريقتان للحصول على التأشيرة:
الأولى: أن يتقدم عن طريق بعثة الحج الرسمية لبلاده.
الثانية: عن طريق المجموعات والمكاتب السياحية المرخصة في البلد الذي يقيم فيه طالب التأشيرة، وعليه في جميع الأحوال أن يرفق عدد (2 شيك) مصرفي مصدقاً مسحوباً على بنك داخل السعودية، ولا تقبل الشيكات الشخصية المسحوبة من قبل أفراد حتى ولو كانت على بنوك محلية مع طلبة.
الأول: يشمل أجور الخدمات التي يقدمها له العاملون في مؤسسات أرباب الطوائف الأهلية.
الثاني: أجور وسائط النقل التي ستنقل الحاج القادم بحراً أو جواً إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة والمشاعر المقدسة ومن ثم العودة لمنفذ الخروج عند حلول موعد المغادرة، ويستثنى من أجور النقل الحجاج القادمون (براً) بسياراتهم إلى داخل الأراضي المقدسة. ولمعلومية الحاج الكريم فان هذه الأجور هي مقابل الخدمات الفعلية التي تقدم له من قبل مؤسسات أرباب الطوائف الأهلية وشركات نقل الحجاج.
وتؤكد وزارة الحج أن حكومة المملكة العربية السعودية لا تتقاضى رسوماً أو ضرائب على الحاج بأي شكل من الأشكال.
وفي جميع الأحوال يتعين على الراغب في أداء فريضة الحج التأكد من الخطوات التالية:
1- أن يدون اسم الحاج ورقم الجواز على الشيك المعتمد الخاص بالأجور المشار إليها.
2- أن يكون الشيك المعتمد فردياً لكل حاج أو جماعياً بحسب الاتفاق مع مكتب الوكلاء.
3- أن يدون رقم الشيك وقيمته وتاريخه على الجواز.
4- تقوم ممثلية المملكة المانحة للتأشيرة بوضع علامة معينة على الشيك عند منح التأشيرة حتى لا يتكرر استعماله.
5- أن يكون الشيك المصرفي مصدقاً بالريال السعودي ومسحوباً على بنك سعودي ويحظر قبول الشيكات الشخصية.
6- أ- أن يكون الشيكان اللذان يصطحبهما الحاج معه حين قدومه لحساب مكتب الوكلاء الموحد بجدة "الأول" لصالح خدمات المؤسسات الأهلية لأرباب الطوائف، و"الثاني" لصالح النقابة العامة للسيارات الممثلة لشركات نقل الحجاج المعتمدة مسحوبين على أحد البنوك المعتمدة بالمملكة، ويقوم بتسليمها إلى مكتب الوكلاء والتأكد أيضاً من إصدار تذكرة النقل المسدد قيمتها ضمن شيك الأجور محدداً بها نوع الوسيلة المستخدمة وجهات النقل، مع الحرص على الكوبونات المكونة لهذه التذكرة بحيث يسحب منها كوبون كل مرحلة حال استخدامها والمراجعة على أساسها.
ب- للحاج الحق في استرجاع أقيام الكوبونات "تذكرته" التي لم يستخدمها، ما عدا كوبون المشاعر "باعتبار أن النقابة حجزت له مقعداً للمشاعر المقدسة"، حال مراجعة النقابة أو من ينوب عنه.
ج - إذا لم يتمكن الحاج من السفر للمدينة المنورة فان له الحق في استرجاع أجرة الدليل وقدرها (35) خمسة وثلاثون ريالاً، وأجرة النقل المبينة في جداول النقل على أن يقدم ما يثبت ذلك لوزارة الحج.
7 - إذا تعذر على الحاج إحضار شيكي أجور الخدمات والنقل بسبب قيود نقدية طارئة في بلده فان عليه سداد المبالغ المشار إليها بمكتب الوكلاء الموحد في منافذ الدخول "نقداً" بالريال السعودي أو بالشيكات السعودية السياحية المعتمدة.
سادساً: التكييف الفقهي لهذه المؤسسات عند المتقدمين وعند المعاصرين وحكمها.
تمهيد: فهمت من ما مضى أن مهنة المطوف هي كونه دليلاً ومشرفاً ومرشداً ومطالباً بكل ما للحاج من خدمات في مكة والمشاعر المقدسة، وأن هذه المهنة جعلت من باب الضبط لها ولما يحصل فيها من تجاوزات تحت مظلة العمل المؤسسي كما تقدم، وهنا لن أخص مؤسسة من المؤسسات الست بل الكلام يعمها، بحكم أنها يحكمها نظام واحد.
فمؤسسة الطوافة: تتكون من مجموعة من المطوفين المختصين ببلاد محدد لهم مجلس إدارة يشكل بموجب انتخابات بينهم يقومون بهذه المهنة من غير أن يكون بينهم رأس مال، وتشرف الإدارة عليهم وتوزع عليهم الحجاج بحسب متوسط كل مطوف؛ لما كان العمل فردي والإدارة مسئولة أمام الجهة المختصة ممثلة بوزارة الحج وما يحصلون عليه يخرج منه ما صرفته إدارة المؤسسة من إيجار مقرها ورواتب موظفين وغير ذلك وما زاد يوزع على المطوفين كل بحسب حصته من الحجاج.
وعند تكيف هذه المهنة من خلال تأمل عمل المطوف كفرد ظهر لي أنه أجير مشترك لمجموعة من الحجاج وقد نص الفقهاء على جواز استئجار الدليل الذي يدل على الطريق (11)؛ ((لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر-رضي الله عنه- استأجرا عبد الله بن أريقط هادياً خريتاً - وهو الماهر بالهداية - ليدلهما على طريق المدينة)) (12).
مهنة المطوف عند المتقدمين:
ولم أجد أحد من المتقدين من نص مهنة المطوف إلا أنه جاء في المهذب للشيرازي بعد أن قال: "ويجوز عقد الإجارة على المنافع المباحة" ثم ذكر هذا الأثر " وروى أبو أمامة التيمى قال: سألت ابن عمر –رضي الله عنهما- فقلت: إنا قوم نكرى في هذا الوجه، وإن قوماً يزعمون أن لا حج لنا، فقال ابن عمر: ألستم تلبون وتطوفون بين الصفا والمروة، إن رجلاً أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فسأل عما تسألونني عنه فلم يرد عليه حتى نزل (ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم) فتلاها عليه". (13).
ويفهم منه جواز العمل في موسم الحج (14).
وجاء أيضاً وفي مصنف ابن أبي شيبة "باب من كان يأمر بتعليم المناسك وفيه أن النبي -صلى الله عليه- استخلف أبا بكر على مكة وأمره أن يعلم الناس المناسك".
وعلق عليه المحقق بقوله: " ولذلك يخرج من أيامنا المعرف أو المطوف مع الناس يعلمهم ويقودهم في قضاء مناسكهم وليس كل الناس ممن يعرف مواضع المناسك وأوقاتها"(15).
قلت: كون المطوف يعلم الحاج مناسكه صحيح، ولكن لا يصح أن يكون هذا دليل على مشروعية عمله، بل عمله مشروع بغير هذا الدليل، فأبو بكر - رضي الله عنه - كان يعلم الناس بلا أجر، والمطوف يأخذ أجراً، ويمكن أن يكيف عمله ويخرج على مسألة الأجرة على القرب كالتعليم، هذا إذا قلنا أن المطوف يعلم الحاج مناسكه!!
مهنة المطوف عند المعاصرين:
أيضاً لم أجد من تكلم عنها، ولكن ليست من النوازل التي التبس أمرها، فتناولها العلماء، بل هي مسألة في غاية الوضوح أنها إجارة على عمل وخدمه.
وإذا عرفنا ذلك سهل علينا معرفة تكييف عمل الطوافة تحت مظلة المؤسسات والتي قلنا: "أن مؤسسة الطوافة تتكون من مجموعة من المطوفين المختصين ببلاد محدد، لهم مجلس إدارة يشكل بموجب انتخابات خاصة بينهم، يقومون بهذه المهنة من غير أن يكون بينهم رأس مال، وتشرف الإدارة عليهم وتوزع عليهم الحجاج بحسب متوسط كل مطوف؛ لما كان عمله فردياً والإدارة مسئولة أمام الجهة المختصة ممثلة بوزارة الحج وما يحصلون عليه يخرج منه ما صرفته إدارة المؤسسة من إيجار مقرها ورواتب موظفين وغير ذلك وما زاد يوزع على المطوفين كل بحسب حصته من الحجاج".
وهي بذلك تنطبق عليها صورة شركة الأبدان بجامع أنه لا مال بينهم وإنهم شركاء في الربح وذلك متحقق بلا ريب في شركة الأبدان، هذا وقد اختلف الفقهاء في شركة الأبدان:
على أقوال:
القول الأول: صحة شركة الأبدان مطلقاً. قال به الأحناف (16) والمالكية (17)والمذهب عن الحنابلة. (18) أدلتهم:
1- رواه أبو داؤد عن ابن مسعود-رضي الله عنه- قال: "اشتركنا أنا وعمار وسعد يوم بدر، فلم أجئ أنا وعمار بشيء، وجاء سعد بأسيرين فأشرك بينهم النبي - صلى الله عليه وسلم –".
2- أن المقصود من عقد الشركة تحصيل الربح على الاشتراك، وهو لا يقتصر على المال بل جاز بالعمل. (19).
القول الثاني: تصح شركة الأبدان إلا في المباح كالاحتطاب والاصطياد، بعض الأحناف (20) وقول للحنابلة (21).
القول الثالث: أن شركة الأبدان لا تصح وفاسدة، قاله الشافعي (22).
أدلتهم:
1- لما روت عائشة -رضي الله عنها- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (( كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل )) وهذا الشرط ليس في كتاب الله - تعالى -. فوجب أن يكون باطلاً.
2- ولأن عمل كل واحد منهما ملك له يختص به فلم يحز أن يشاركه الآخر في بدله، فإن عملا وكسبا أخذ كل واحد منهما أجرة عمله.
3- لأنها شركة على غير مال فلم تصح.( 23).
والقول الأول: "بصحة شركة الأبدان" هو الراجح، وهو مفهوم كلام شيخ الإسلام - رحمه الله تعالى -: "والصواب أن هذه المعاملات من نفس المشاركات لا من جنس المعاوضات؛ فإن المستأجر يقصد استيفاء العمل كما يقصد استيفاء عمل الخياط والخباز والطباخ ونحوهم ،وأما في هذا الباب فليس العمل هو المقصود بل هذا يبذل نفع بدنه وهذا يبذل نفع ماله ليشتركا فيما رزق الله من ربح "(24).
وبهذا يقف بي القلم حول هذا الموضوع شاكراً رب العالمين، ثم شيخي المربي د. خالد الحامد -وفقه الله-، وآخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين.
ملحق:
وللإيضاح فان تفصيل أوجه صرف المبالغ المطلوبة من الحاج عند حصوله على تأشيرة الحج هي على النحو التالي:
يدفع الحاج الذي يرغب في زيارة المدينة المنورة ما قيمته (594) ريالاً سعودياً عوائد الخدمة المخصصة لمؤسسات أرباب الطوائف الأهلية والسكن في المشاعر المقدسة، ويشمل هذا المبلغ الخدمات المقدمة من مؤسسات الطوافة بمكة المكرمة والأدلاء بالمدينة المنورة ومكتب الوكلاء الموحد بجدة ومكتب الزمازمة بمكة المكرمة وفقاً لما نصت عليه التعليمات المنظمة لذلك بقيمة( 294) ريالاً.
أجور سكن الخيمة في عرفات ومنى شاملة الماء والكهرباء والنظافة والحراسة والفرش وتأمين مروحة لكل خيمة في عرفات والتكييف في الخيام بمنى بقيمة (300) ريال.
وللحاج حرية اختيار خط السير الذي يرغبه وذلك حسب الاتجاهات التالية:
- أجور النقل للقادم عن طريق مطار الملك عبد العزيز أو الميناء البحري بجدة ويرغب زيارة المدينة المنورة قبل الحج من جدة إلى المدينة المنورة بقيمة (5. 97) ريالاً، ومن المدينة المنورة إلى مكة المكرمة (5. 127) ريالاً، ومن مكة المكرمة إلى المشاعر(180) ريالاً ومن مكة المكرمة إلى جدة (30) ريالاً والإجمالي (435) ريالاً.
- أجور النقل للقادم عن طريق مطار الملك عبد العزيز أو الميناء البحري بجدة ويرغب زيارة المدينة المنورة بعد الحج من جدة إلى مكة المكرمة بقيمة (30 ) ريالاً، ومن مكة المكرمة إلى المشاعر وإلى مكة المكرمة بقيمة (180) ريالاً، ومن مكة المكرمة إلى المدينة المنورة بقيمة (5. 127) ريالاً، ومن المدينة المنورة إلى جدة (5. 97 ) ريالاً والإجمالي (435) ريالاً.
- أجور النقل للقادم عن طريق مطار الملك عبد العزيز أو الميناء البحري بجدة ويرغب أداء العمرة أولاً ثم زيارة المدينة المنورة من جدة إلى مكة المكرمة بقيمة( 30) ريالاً، ومن مكة المكرمة إلى المدينة المنورة( 5. 127) ريالاً، ومن المدينة المنورة إلى مكة المكرمة (5. 127)ريالاً ، ومن مكة المكرمة إلى المشاعر ثم إلى مكة المكرمة بقيمة (180) ريالاً، ومن مكة المكرمة إلى جدة (30) ريالاً والإجمالي (495) ريالاً.
- أجور النقل للقادم عن طريق مطار الملك عبد العزيز أو الميناء البحري بجدة ويرغب زيارة المدينة المنورة قبل الحج بالطائرة والعودة إلى مكة بالحافلة من مطار الأمير محمد بن عبد العزيز إلى المدينة المنورة بقيمة( 10) ريالات، ومن المدينة المنورة إلى مكة المكرمة(5. 127) ريالاً، ومن مكة المكرمة إلى المشاعر ثم إلى مكة المكرمة بقيمة( 180) ريالاً، ومن مكة المكرمة إلى جدة بقيمة (30 ) ريالاً والإجمالي (5. 347)ريالاً.
- أجور النقل للقادم عن طريق مطار الملك عبد العزيز بجدة ويرغب زيارة المدينة المنورة بعد الحج والمغادرة منها لبلاده من جدة إلى مكة المكرمة بقيمة (30)ريالاً ومن مكة المكرمة إلى المشاعر إلى مكة المكرمة بقيمة (180) ريالاً، ومن مكة المكرمة إلى المدينة المنورة بقيمة (5. 127) ريالاً، ومن المدينة المنورة إلى المطار بقيمة (10) ريالات والإجمالي(5. 347) ريالاً.
- أجور النقل للقادم عن طريق مطار الملك عبد العزيز أو الميناء البحري بجدة ويرغب التوجه إلى الجحفة بالحافلات المكشوفة لنية الإحرام ثم زيارة المدينة المنورة بعد الحج من جدة إلى الجحفة إلى مكة المكرمة (130 ) ريالاً، ومن مكة المكرمة إلى المشاعر إلى مكة المكرمة بقيمة (180)ريالاً، ومن مكة المكرمة إلى المدينة المنورة بقيمة (5. 127) ريالاً، ومن المدينة المنورة إلى جدة بقيمة (5. 97) ريالاً ، والإجمالي (535) ريالاً.
- أجور النقل للقادمين عن طريق مطار الأمير محمد بن عبد العزيز بالمدينة المنورة من المطار إلى المدينة المنورة أو العكس بقيمة (10 ) ريالات، ومن المدينة المنورة إلى مكة المكرمة بقيمة( 5. 127) ريالاً، ومن مكة المكرمة إلى المشاعر إلى مكة المكرمة بقيمة (180) ريالاً، ومن مكة المكرمة إلى جدة بقيمة (30) ريالاً والإجمالي (5. 347)ريالاً.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى أله وصحبه،،
ـــــــــــــــــــ
(1) قد يكون هذا لغة ”فالكفالة الحفظ، والرعاية"، وفي الحديث الشريف: (( الإمام ضامن، والمؤذن مؤتمن ))". قال الخطابي: "معناه أنه يحفظ على القوم صلاتهم، وليس من الضمان الموجب للغرامة، - عند الفقهاء: له إطلاقان: أخص: وهو شغل ذمة أخرى بالحق. وأعم: وهو الحفظ، والصون الموجب تركه للغرم. " القاموس الفقهي - (ج 1 / ص 224)، أما كون المطوف كفيلاً بالمعنى الاصطلاحي غير مسلم به فحقيقة الكفالة: هو الذي ضم ذمته إلى ذمة الآخر. أي: تعهد بما تعهد به الآخر كما في المجلة العدلية (م 618). بل الصواب انه أجير مشترك كما سيأتي.
(2) انظر: كتاب الأعلام بأعلام بيت الله الحرام 70، مرآة الحرمين ص 1163، تاريخ مكة ج2، تاريخ مكة السباعي ج2 /40. وانظر: موقع مؤسسة مطوفي حجاج أفريقيا غير العربية www.africa-sa.com
(3) موقع مؤسسة مطوفي حجاج أفريقيا غير العربية www.africa-sa.com
(4) موقع مؤسسة مطوفي حجاج أفريقيا غير العربية www.africa-sa.com
(5) تطور خدمات الحج في عهد خادم الحرمين الشريفين د. أسامة بن فضل البار عميد معهد خادم الحرمين الشريفين لأبحاث الحج.
(6) يأتي الكلام على كون المطوف دليلاً.
(7) وكانت هذه المؤسسات تجريبية لما يزيد عن (27 ) عام، وقد صدر قرار مجلس الوزراء في (7/2/1428هـ) بتثبيت هذه المؤسسات. انظر: مجلة الحج والعمرة الصادر عن وزارة الحج العدد الرابع ص 6.
(8) من ناحية إشرافية فالمطوف لا يوفر الخدمات بل يشرف عليها ويطالب بها للحاج بدليل وجود جهات أخرى توفر الخدمات ذكرتها بعنوان (الجهات ذات العلاقة بمؤسسات الطوافة)
(9) انظر: موقع مؤسسة مطوفي حجاج أفريقيا غير العربية www.africa-sa.com، وكذا موقع وزارة الحج.
(10) يفهم من هذا أن المطوف من عملة حفظ ما يخص الحاج ويدافع عنه ويطالب له عند تعرضه لأي خطر.
(11) فيه أن من عمل المطوف تنظيم سير الحاج بحكم معرفة الطرق بالتعاون مع النقابة العامة للسيارات.
(12) مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى - (ج 10 / ص 332)، بدائع الصنائع 2/301، مواهب الجليل 7/493، المهذب 2/394.
(13) المستدرك على الصحيحين للحاكم برقم 4241.
(14) المهذب للشيرازي 2/394.
(15) شرح ابن بطال - (ج 8 / ص 7).
(16) مصنف ابن أبي شيبة - (ج 4 / ص 419)
(17) فتح القدير - (ج 14 / ص 24) وتسمى عندهم أيضا شركة الأعمال.
(18) الشرح الكبير للشيخ الدردير - (ج 3 / ص 361) وتسمى عندهم شركة العمل.
(19) الإنصاف - (ج 9 / ص 327)
(20) فتح القدير - (ج 14 / ص 24).
(21) فتح القدير - (ج 14 / ص 36).
(22) الإنصاف - (ج 9 / ص 327)
(23) المجموع - (ج 14 / ص 72)
(24) المجموع - (ج 14 / ص 72)، الشرح الكبير لابن قدامة - (ج 5 / ص 186)
(25) مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 4 / ص 313) وفي (ج 7 / ص 250) قال
وأكثر العلماء على جواز مثل ذلك [شركة الأبدان] وهو مما يعمل به عامة المسلمين في عامة الأمصار.
علي بن ربيع الرويثي