شرح وأسرار الأسماء الحسنى - (40) اسما الله الشاكر والحميد
معنى الاسم في اللغة: الشاكر اسم فاعل للموصوف بالشكر، فعله: شكرَ، يشكر، شُكرًا. وقد تقدّم أن الشكر هو الثناء على الفعل الجليل ومجازاة الإحسان بالإحسان. والحميد سبحانه وتعالى دال على ذاته الموصوفة بصفة الحمد، واسمه الحميد يلزم منه أن يكون الله حيٌّ، قيُّوم، سميعٌ، بصيرٌ، غنيٌ، كريمٌ، حليمٌ، عزيزٌ، عظيمٌ، إلى غير هذا من أوصاف الجمال والجلال.
ورد اسم الله تعالى الشاكر في القرآن في موضعين:
الأول: في سورة البقرة في قوله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ} [البقرة:158].
الثاني: في سورة النساء؛ في قوله تعالى: {مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ وَكَانَ اللّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا} [النساء:147].
معنى الاسم في اللغة:
قالوا: الشاكر اسم فاعل للموصوف بالشكر، فعله: شكرَ، يشكر، شُكرًا. وقد تقدّم أن الشكر هو الثناء على الفعل الجليل ومجازاة الإحسان بالإحسان.
روى الإمام أحمد وصححه الألباني من حديث أبي سعيد الخدري أن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما دخل على النبي صلى الله عليه وسلم وقال: "يا رسولَ اللهِ رأَيْتُ فلانًا يشكُرُ، ذكَر أنَّك أعطَيْتَه دينارينِ، فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: « »، قال: قُلْتُ: يا رسولَ اللهِ لم تعطهم؟ قال: « »".
ومحل الشاهد هنا.. هو قول عمر للنبي: "رأيت فلانًا يشكر" يعني أنه يثني على النبي وعلى فعله الجميل.
وهذا حديث عظيم يتناول قضية اجتماعية صارت تُمثِّل مشكلة حقيقية للمجتمع؛ وهي قضية المتسولين. فانظروا إلى فعل النبي صلى الله عليه وسلم وانظروا إلى الحكم الفقهي الذي أشار به إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث.
« »، دليل على أن من يسأل وليس له حاجة فكأنه أخذ جذوة من النار. لأنه بذلك يحرم من له حاجة حقيقة، فالناس يأخذون هذا بذنب ذاك ويمتنعون عن العطاء بسببهم. ولكن وجود هذه الفئة من المتسولين كذبًا لا ينبغي أن يمنعك عن التصدق عليهم حتى تنفي عن نفسك الشح. ففي الحديث المذكور قال عمر: "يا رسول الله فلم تعطيهم؟". فكانت الإجابة إنهم: « ». فالنبي يعطيهم حتى لا يقع في البخل. إلا إذا كان شخصًا معروفًا بتسوّله الكاذب.
فإذا سألك سائل فأعطيه إلا أن يتبيّن لك كذبه، وإن لم تفعل فلا تغلظ معه في القول امتثالًا لقوله تعالى: {وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ} [الضحى:10].
الفرق بين الشاكر والشكور:
قالوا: الشكور أبلغ من الشاكر، لأن الشكور صيغة مبالغة يعني كثير الشكر، فهو المبالغ في الشكر بالقلب واللسان والجوارح.
قال المناوي في التوقيف: "الشكور هو الباذل وِسعه في أداء الشكر بقلبه ولسانه وجوارحه اعتقادًا واعترافًا".
وقيل: الشاكر من يشكر على الرخاء والشكور من يشكر على البلاء.
وقيل الشاكر من يشكر على العطاء والشكور من يشكر على المنع.
وكان رسول الله إذا سرّه أمر حمد الله جلّ وعلا فإذا أصابه بلاء حمد وقال: الحمد لله على كل حال. فنحمد في البلاء لأن البلاء في طياته رحمة لأنه ولا شك أن الله سبحانه وتعالى ابتلاه لكي يوقظه من غفلته فيقول: اللهم لك الحمد.
ونأتي لهذا المعنى في حق الله جل وعلا:
قالوا: فالله شاكر عباده على أعمالهم فيزيدهم من فضله في الأجر فيزيد أجورهم، ويقابل شكرهم بزيادة النعم؛ وهذا يعني أن الله من أطاعه حال الرخاء كان الله له شاكرًا ومن أطاعه ولم يتعدّ حدوده حال البلاء ولم يتسخط على قدر ربه كان الله له شكورًا.
ولنتأمّل هذا المعنى في ضوء الآيات:
* الموضع الأول: يقول الله جل وعلا: {مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ وَكَانَ اللّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا} [النساء:147].
أي: إن شكرتم حال الرخاء وحال العطاء وآمنتم واستشعرتم بمدى فضل الله فلم يُعذِّبكم؟!
فالجزء الأول من هذه الآية يقطع على كل صاحب شبهة شبهته: فالذي لا يعجبه قضاء الله عليه وتدبيره له ويتسخط على حاله وبيئته ورزقه، وإن وفق نسب التوفيق والنجاح لإمكانياته ومهاراته.
فكأنها تقول له: يا أيها المتسخط يا أيها الجاحد الظلوم لنفسك الكافر بأنعم ربك ما يفعل الله بعذابكم؟ خلقك من أجل أن يُعذِّبك؟ ماذا سيفعل بعذابك؟
سبحانه مُنزّه عن مثل ذلك..!
لكن الذي يترك نفسه لوساوس الشياطين، وتسويل النفس الأمّارة يقع في مثل هذا ويتصور أن ربنا لا يريده ويريد له الشر وأنه كتب عليه هذه الأمور ويرى الأمر بسوء الظن بالله، فيقول الله لهم: {ما يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ}؟
ليس المطلوب منك أكثر من ذلك، فقط اشعر بالنعمة واشكرها ليكون هذا الشكر هو مفتاح قربك من الله.
{وَكَانَ اللّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا} وكان الله شاكرًا لمن يشكره على نعمائه له، عليمًا بالطائع من العاصي.
وذكره سبحانه لاسمه العليم يشير إلى أمرين: (الباطن والظاهر).
فإذا كان الباطن خرِب فهذا يعني أنه لا يستقبل النعمة بشكلٍ صحيح فتنزل عليه ولا تؤثر فيه فلا يشكرها.. ولهذا في هذه الآية لافتة لأهمية القلوب.. لأن الشكر بالقلب واللسان والجوارح ولكن أهم ما في الأمر الاعتراف والتصديق الباطن. أهم ما في ذلك القلب لأن به سوف ينتج عنه أن اللسان يثني والجوارح تشرع في تصريف النعم في مرضاة الله عز وجل.
قال البيضاوي رحمه الله: "{مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ} أيتشفى به غيظًا أو يدفع به ضررًا أو يستجلب به نفعًا! فهو الغني المتعالي عن النفع والضر وإنما يعاقب المُصِر بكفره.
{وَكَانَ اللّهُ شَاكِرًا} مثيبًا يقبل اليسير ويعطي الجزيل. {عَلِيمًا} بحق شكركم وإيمانكم.
الموضع الثاني: يقول الله عز وجل: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ} [البقرة:158].
وأيضًا قرن في هذا الموضع بين اسمه تعالى الشاكر واسمه العليم.
فأولًا: على نفس القول بالفرق بين اسمه الشكور واسمه الشاكر فالموضع هنا يتناسب مع اسمه الشاكر. لأن هذا المقام في حال العطاء والرخاء. ومعنى أنه ذيل الآية باسمه الشاكر فهذا دليل على خصوصية الاصطفاء لمن حج البيت أو اعتمر؛ أن يصطفي لك بيته ويمنّ عليك بأداء هذا النُّسك فإنها لمِنّة عظيمة.
فالله يقول في هذه الآية: {وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا} أي من يتابع بين الحج والحج والعمرة والعمرة ويكثر من الطواف {فَإِنَّ اللّهَ شَاكِرٌ}.
وهنا {فَإِنَّ} على التوكيد، وقد ذهب أهل البلاغة أن التوكيد يكون على ثلاثة أنواع:
1- إما أن يكون تأكيدًا خفيفًا.
2- أو يزيد في التوكيد بـ (بإن) و(اللام) مثلًا: فإن الله لشاكر عليم.
3- أو يأتي بنون التوكيد {لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ}.
وهذا مناسبًا للمخاطب عندما يكون هناك معنى يحتاج إلى مزيد من التوكيد حتى لا يكون هناك أدنى شك. فمثلًا: إذا اهتز القلب وشكَّ في أن الله شاكر فالتوكيد هنا يلغي هذه الشبهة ويؤكد شكر الله لعباده على شكرهم له. وهنا في هذه الآية لأنه مقام عطاء ناسبت هذه الآية أن تختم باسم الله الشاكر مع توكيده.
كيف نتعبّد الله تعالى باسمه الشكور؟
لم يرد الدعاء باسم الله الشكور، لكن ورد الدعاء بمقتضاه كما في قوله تعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ} [البقرة:152] فأمرنا الله عز وجل بالشكر.
ومنه قول إبراهيم عليه وعلى نبينا السلام: {رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} [إبراهيم:37].
وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أرشدنا إلى طريقة جميلة في الاجتهاد في الدعاء يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الامام أحمد والحاكم وصححه الألباني: « » والدعاء هو العبادة فالاجتهاد في الدعاء اجتهاد في العبادة.
حظ المؤمن من هذا الاسم:
- قالوا: توحيد المؤمن لربه في اسمه الشاكر يوجب عليه شكر الله تعالى على نعمه السابغة. إذ قلنا أن الشكور هو من يحمد الله في الضراء ويطيعه أيضًا في السراء. وهذا يتوافق مع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: « »[1]؛ لأن هذا من مقتضى الشاكر. فالله الذي أنعم عليك بالنعم وأسداها إليك يوجب بهذا محبته.
- ومن شكر الله شكر الناس، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « » (حسّنه الترمذي).
فإذا أسدى أحد إليك معروفًا إليك فكافئه، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « »، وليس أقل من أن تدعو لمن أعطاك أي شيء.
وروى أبو داود وصححه الألباني من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « ».
وعند الإمام أحمد وصححه الألباني من حديث عبد الرحمن بن شبل أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: « »، قيل: يا رسول الله، ومن الفُسّاق؟ قال: « »، وهذا الحديث في المسند وفي السلسلة الصحيحة قال الرجل يا رسول الله: أولسن أمهاتنا وأخواتنا وأزواجنا؟! قال: « ».
والشاهد في الحديث: أن الرسول فسَّر لنا معنى الفسق وهو التجاوز في العصيان والتمادي في المخالفة. ودرجة الفسوق هذه تقترب من درجة الزندقة وهي بريد الكفر والعياذ بالله. فهنا فسّر رسول الله معنى الفسق أنه عدم الشكر عند العطاء وعدم الصبر عند البلاء.
وفي الحديث زجر النبي النساء زجرًا شديدًا لكفرانهن العشير. وكثير من الناس رجالًا وتساءً يستحقون هذا الزجر أيضًا.. إذ يُحسِن الله إليهم الدهر كله ولا تجد منهم شاكرًا لأنعم الله.
الشكر خير من الذهب والفضة:
ففي سنن الترمذي وصححه الألباني من حديث ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لما نَزَلَتْ: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ. قال: كُنّا مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في بَعْضِ أسفارِه، فقال بعضُ أصحابِه: أُنْزِلَت في الذهبِ والفِضَّةِ لو عَلِمْنا أَيُّ المالِ خيرٌ فنتخذَه. فقال: « »".
فانظر ماذا يسألونه وبماذا يجيب؟!
اسم الله الحميد:
ورد في القرآن في أكثر من موضعٍ؛ من ذلك:
1- قوله تعالى: {وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ} [الحج:24].
2- ومنه قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [فاطر:15].
3- ومنه قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ} [الشورى:28].
واقترن باسمه المجيد كما في سورة هود: {قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ رَحْمَتُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ} [هود:73].
واقترن باسمه تعالى الحكيم كما في قوله تعالى: {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت:42].
وفي الحديث الذي رواه البخاري من حديث كعب بن عجرة أنه قال: "سألنا رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فقلنا: يا رسولَ اللهِ، كيف الصلاةُ عليكم أهلَ البيتِ، فإنَّ اللهَ قد علَّمنا كيف نُسلِّمُ عليكم؟ قال: « »".
معنى الاسم في حق الله تعالى:
الحميد سبحانه هو المستحق للحمد، سمّى نفسه الحميد علا شأنه وارتفع، حمد نفسه وحمده الموحدون فله الحمد كله. وهو سبحانه المحمود على ما أعطى ومنع وضر ونفع ووهب ونزع.
قال ابن القيم رحمه الله: "{الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2]، أنه المحمود على ما خلقه وأمر به ونهى عنه، فهو المحمود على طاعات العباد ومعاصيهم ومحمود على خلق الأبرار والفجار".
وهي مسألة تشكل على الناس ولا يدرك عدل الله وحكمته فيها إلا المؤمنون حقًا الذين يعرفونه سبحانه، أما من سواهم فيرون هذا ظلمًا والعياذ بالله ولا يدركون رحمة الله فيه.
وهو المحمود على عدله في أعدائه كما هو المحمود على فضله في إنعامه على أوليائه، فكل ذرة في الكون شاهدة بحمده لهذا سبح بحمده السموات السبع والأرض ومن فيهن.
كذلك فإن الله عز وجل هو الحميد الذي يحمده عباده الموحدون لأنهم يعلمون أنه خلق الدنيا للابتلاء وخلق الآخرة للجزاء، فهم يحمدونه في السراء والضراء ويوحدونه في العبادة والاستعانة والدعاء حتى يكرمهم بجنته عند اللقاء؛ فإن ابتلاهم صبروا وإن أنعم عليهم شكروا.
لذلك قال الله في وصفهم: {وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ} [الأعراف من الآية:43].
وقال أيضًا سبحانه: {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ} [فاطر:34].
قالوا: {أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ} وهذا يعني أن الدنيا دار شقاء وعناء ومن ابتغى فيها السعادة فهو خاسر، وأن أعظم البلاء حرمان القلوب من علّام الغيوب، وحرمان الجنان من الرحيم الرحمن.
وذكر "غفورٌ شكور" في هذا الموضع وقدم الغفور لأنه هو الذي يستر العيوب والذنوب العظام. فكأن أهل الجنة عندما أمسكوا صحائفهم ورأوا أعمالهم وذنوبهم وعاينوا أهوال الحشر، ثم يرون هذه القبائح العظام قد محيت وضوعفت حسناتهم على ما فيها من تقصير وشوائب، عرفوا وشعروا بمعني الله الغفور الشكور حقًا.
ونحن نحتاج في الدنيا إلى الشعور بهذا المعنى، حسناتك تكثرها وتشكره عليه، وذنوبك تستغفر منها وتشكره وتحمده تعالى على فضله وغفرانه.
الحميد سبحانه وتعالى دال على ذاته الموصوفة بصفة الحمد، واسمه الحميد يلزم منه أن يكون الله حيٌّ، قيُّوم، سميعٌ، بصيرٌ، غنيٌ، كريمٌ، حليمٌ، عزيزٌ، عظيمٌ، إلى غير هذا من أوصاف الجمال والجلال.
وفي قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ} [الشورى:28].
وهنا وقفة.. لماذا ذكر في هذه الآية اسمه تعالى الوليّ؟
في هذه الآية أخبرنا الله عز وجل أنه يفرج وينزل الغيث عندما يشعر الانسان القنوط واليأس، فمثلًا: متزوج له سنوات ولم يرزق بأولادٍ فيرزقه الله حينما يقنط وينقطع أمله في الإنجاب. حتى تفرح بفضل الله وتتعلم أنه لا قنوط مع قدرته سبحانه..
وأيضًا قال تعالى في الآية: {وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ}:
قال: ينشر لأن هذه الرحمة لا تنفع من تنزل عليه فقط بل هي تعم، فالله عز وجل ينشر للمستحق ابتداءً ثم من لا يستحق كما قال النبي صلى الله عليه وسلم عمّن يجالس أهل الذكر: « » فيغفر له الله كما يغفر لهم فبذلك ينتفع بمجالسته؛ وقِس على هذا أي شيء.
{وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ} ذكره للوليّ هنا لأن منعه ولاية وعطاؤه ولاية، لأنه لا يمنع بخلًا سبحانه وإنما يمنع تربية ومحبة وحماية، فهو الذي يُدبِّر الأمر ففوِّض أمرك إلى الله واجعله وليك وارضى عن أفعاله.
حظ العبد من اسم الله الحميد:
أولًا: أن نُكثِر من حمد الله سبحانه وتعالى على سائر الأحوال ونسبح بحمده كما يسبح كل شيء في الكون بحمده سبحانه: {وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} [الإسراء من الآية:44] وكلمة {شَيْءٍ} أي: الموجود، تطلق على سائر الموجودات، أي ما من مخلوقٍ موجودٍ إلا ويسبح بحمد الله.
واعلم أن حمد الله سبحانه وتعالى يستوجب رضاه فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: « » (صححه الألباني).
والحمد مستوجب لغفران الذنوب وعلو المكانة عند الله وبلوغ مقام الرضا. ولا أفضل من مقام الرضا فلنحمد الله بالقلب وباللسان وبالجوارح بالتعبُّد والخضوع لله.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « -أو: - » (رواه مسلم).
والحمد لله من أحب الكلم إلى الله، كما جاء في الحديث: « » (رواه مسلم).
وقال سليمان عليه السلام: {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ} [النمل من الآية:19]، يطلب من الله عمل صالح يرضيه لأنه ليس كل عمل صالح يرضيه. فالغني الذي يتصدّق بخمس جنيهات ليس كالفقير الذي يتصدّق بتلك الخمس ولا يقارن هذا بذاك. فإذا ليس كل عمل صالح يرضيه.
وقال الله عز وجل: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ من الآية:13].
وفي الحديث الذي رواه الإمام أحمد وصححه الألباني من حديث مطرح رضي الله عنه قال: "قال لي عمران: إني لَأُحدِّثُكَ بالحديثِ اليومَ، لِينفعَك اللهُ عزَّ وجلَّ به بعدَ اليومِ، اعلمْ أنَّ خيرَ عبادِ اللهِ تبارك وتعالى يومَ القيامةِ الحمَّادونَ".
وقال صلى الله عليه وسلم: « » (صححه الألباني).
فأول معنى في اسمه تعالى الحميد: أن تشكر ربك على كل أحوالك في الرخاء والبلاء.
الأمر الثاني: اسمه تعالى الحميد مستوجب لمحبته لا محالة فيزداد لله حبًا بهذه اللطائف والمنن.
والأمر الثالث: هو الحياء.. أن يستحي من ربه فالله سبحانه فهو حميدٌ وشاكرٌ ومحمودٌ من كل الخلق فهذا يستوجب الحياء ولا شك.
والحياء يبعث على مقامٍ رابع.. وهو الذل والانكسار وهذا هو المعنى الرابع (الذل والانكسار لله الحميد) فالكل يقوم بمقام العبودية، وأنت مُقصِّر فتذل وهذا يبعث على الأنس بالله والشوق إليه.
----------------------------------------------------
[1]- (أخرجه ابن رجب في جامع العلوم والحكم؛ وقال: "حسنٌ جيد") .
- التصنيف: