الأسباب ومشيئة الله المطلقة
لا يجوز لعاقل أن يترك التداوي ويقول سيشفيني ربي، ولكن العاقل من يدرك أنه يجب عليه تعاطي الدواء احتراماً لسنن الله في كونه، وفي الوقت ذاته يجب عليه التسليم بأن الدواء ليس بشافٍ ولكن الشافي هو الله تعالى.
إن المتأمل في سنن الكون يجدها تشير بكل جلاء إلى وجود الواحد القهار الله عز وجل.
فالعلم الحديث يخبرنا كل يوم -لمن يريد مزيداً من الاطلاع عليه دراسة ميكانيكا الكم- أن ظواهر الكون وأحداثه إنما تحدث بطبيعة احتمالية لا يستطيع الإنسان أن يجزم فيها بمعرفة الدقائق، -وذلك يظهر أيما ظهور على المستوى الذري الميكروسكوبي- ولكن الله برحمته سن لنا على مستوى معيشتنا العادية قوانين للكليات الظاهرة لنستطيع أن نبني الحضارة الإنسانية.
وعلى هذا فالعلم لا يستطيع يقيناً إخبارنا هل النار ستحرق القطن الذي سنلقيه فيها اللحظة القادمة أم لا؟!
ولكن المشاهدة تخبرنا بأن احتمال حرق النار لهذا القطن كبير جداً، يكاد يصل إلى الواحد الصحيح، ولذلك لا أظن أن أحداً من القراء رأى من قبل ناراً لا تحرق..
وتتجلى هنا مشيئة الله المطلقة فهو يستطيع -لا غيره- اختيار الأحداث دون حد أو قيد، وهذا ما حدث في معجزة عدم حرق النار لنبي الله إبراهيم عليه السلام، ويخبرنا القرآن الكريم عن هذه الحادثة الفريدة التي اختارها الله بقدرته في هذا الموقف العصيب، الذي وُضع فيه نبي الله: قال تعالى: {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ} [الأنبياء:69].
ومن هنا يأخذ المسلم العبرة أن الأسباب التي نراها هي أسباب، ليست لها اتصال متين بالنتائج التي تليها، ولكن الله بقدرته يريدها كذلك في معظم ما نتعامل معه من شئون الحياة، تيسيراً لنا للمضي قُدماً في هذه الحياة، وعلى المسلم ألا ينسى يوماً هذه الحقيقة، وهي أنه إن من شيءٍ إلا بقدر الله وقدرته، يقول الله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ . أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ} [الواقعة:63-64].
وكذلك كل شئون الحياة لا سبب لها فعلي إلا إرادة الله المطلقة، وإنما ما ندعيه أسبابًا إنما جعلها الله متلازمة في أغلب الأحوال مع النتائج رأفةً ورحمةً بنا, فلا شفاء إلا بإذنِ الله الذي يجعل تعاطي الدواء المناسب ملازماً للشفاء، إن أراد هو ذلك لا غير، يقول الله تعالى: {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [الشعراء:80].
وبالطبع لا يجوز لعاقل أن يترك التداوي ويقول سيشفيني ربي، ولكن العاقل من يدرك أنه يجب عليه تعاطي الدواء احتراماً لسنن الله في كونه، وفي الوقت ذاته يجب عليه التسليم بأن الدواء ليس بشافٍ ولكن الشافي هو الله تعالى.
والله أعلم.
- التصنيف: