تأمل في عدم التحدي الصريح بآية قرآنية
لم يتحد القرآن البشر بآية واحدة لماذا؟! نظرة تأمل: إن الإنسان إذا فكر في هذا الأمر بسطحية فإنه قد يستنتج أن العالمين قادرون أن يأتوا بآية من آيات القرآن، ولهذا لم يتحدهم الله بالإتيان بها، ولكن مهلاً مهلاً، إن المتدبر في القرآن الكريم يجد أن الآية الواحدة مُعجزة للمُتحدين، وهذا التدبر يقودنا إلى التفكر في سبب أكثر قرباً للعقل السليم من السبب السطحي الأول.
التحدي الصريح المُبْهِت..
لقد تحدى الله عز وجل صراحة في كتابه العزيز أي كائن ذي عقل أن يأتي بمثل هذا القرآن، في شموله للمنهج القويم للبشر في حياتهم، حتى يبلغوا الفلاح بعد مماتهم، وحتى يؤدوا ما أراده الله منهم على النحو الذي أراده الله.
هذا فضلاً عن التحدي بالإتيان بمثل هذا المنهج في كتاب بليغ فصيح، جلي بهي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، قال تعالى: {قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [ الإسراء:88]
ولكن أنَى لمخلوقاتٍ لله أن يأتوا بكلام مثل كلام الله مهما كانت قوة قريحتهم وفصاحتهم؟!
وإمعاناً في تحدي المنكرين أن القرآن الكريم من لدن عزيز حكيم، فقد تحدى الله العالمين أن يأتوا بعشر سور من مثل سور القرآن، قال تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} [هود:13]
فلما كان هذا بعيد المنال عن البشر وأشعرهم بعجزهم فقد تحداهم الله بالإتيان بسورة واحدة من مثل القرآن الكريم مهما صغرت هذه السورة، قال تعالى: {وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ . فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة:23-24].
ولقد فشل العالمون في هذا التحدي بالرغم من نزول القرآن في العصر الماسي للغة العربية لغة القرآن، وما زلنا نطالع فشلهم وخيبتهم على صفحات الإنترنت كل يوم في محاولات بائسة يائسة، يريدون بها أن يكذبوا الله، فما كان منهم الا أن أتوا بكلام أخرق أبعد ما يكون عن أن يُنعت بأنه: "مثل القرآن"، فأثبتوا صدق القرآن الكريم بأنفسهم بدلاً من أن يثبتوا كذبه، فيا لها من خيبة تتبعها حسرة، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ} [الأنفال:36].
لم يتحد القرآن البشر بآية واحدة لماذا؟!
نظرة تأمل: إن الإنسان إذا فكر في هذا الأمر بسطحية فإنه قد يستنتج أن العالمين قادرون أن يأتوا بآية من آيات القرآن، ولهذا لم يتحدهم الله بالإتيان بها، ولكن مهلاً مهلاً، إن المتدبر في القرآن الكريم يجد أن الآية الواحدة مُعجزة للمُتحدين، وهذا التدبر يقودنا إلى التفكر في سبب أكثر قرباً للعقل السليم من السبب السطحي الأول.
إن التحدي هنا يأتي في أشد صوره على عكس المُتوقع، فإنه إذا اتفقنا أن الكلمات هي لبنات بناء اللغة العربية فإن آي القرآن هي لبنات بنائه، وبالرغم من أن هذه اللبنات مُكونة من الكلمات العربية ولكنها لبنات كلام الله وليس كلام البشر. إن المتأمل يجد أن هناك تحدٍ عظيم في عدم التحدي بآية! ما هو؟
كأن الله تعالى يقول للعالمين: "أنا لم أتحداكم بآية لأتيح لكم الفرصة أن تستخدموا لبنات بناء كلامي -الآيات- كما هي في الإتيان بسورة من مثل سور القرآن! فاستخدموا الآيات مفردات كما هي كلبنات بناء بدلاً من الكلمات، ولكن بتصميم مختلف عن تصميم القرآن، وستفشلون أيضاً في إيجاد سورة من مثل سور القرآن"، من حيث خصائصها الإعجازية، إنه تحد فيه تيسير المهمة عليهم، يا له من تحد! إنه ضربة قاصمة لهم عندما يفشلوا فيه بالرغم من هذا التيسير.. فسبحان الله الملك العزيز الحكيم.
تحدى خلق كائن حي مُعقد مثل الذبابة، هل من وجه تشابه؟
بالطبع يوجد اختلاف أساسي هنا بين كلام الله ومخلوقاته، لأن كلام الله منزل ومخلوقاته مخلوقة، ولكننا هنا نتوقف عند وجه التشابه لا الاختلاف، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ} [الحج:73].
ويتكرر السؤال هنا: لماذا لم يتحد الله البشر بخلق خلية حية؟!
قد يثب رداً على هذا السؤال إلى الذهن بأن البشر في عهد نزول القرآن لم يعرفوا كائناً أحقر من الذبابة، ولكني أجد هذا كلاماً مردودًا عليه، لأن الله تعالى نزل كتابه ليهدي به كل البشر في كل العصور حتى قيام الساعة، ويستطيع ربنا حتماً أن يلمح بمعنى الخلية حتى يفهمها من هم في عصرنا، وقد حدث ذلك في القرآن الكريم عندما تحدث القرآن عن شيء أصغر من الذرة -أصغر شيء يعرفه البشر في أي عصر-.
قال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} [سبأ:3].
هنا نجد معنى مشابه جدًا لعدم التحدي بآية مفردة، فكأن الله تعالى لم يتحد العالمين بخلية مفردة ليقول لهم: "استخدموا لبنات بناء الكائن الحي الذي خلقه الله -الخلايا- مفردة كما هي في بناء كائن حي في معاملكم، من مثل الكائنات المخلوقة -(الذبابة كمثال)- لكن بتصميم مختلف وإلا فإنكم حينئذ لم تفعلوا إلا التقليد! ولن تستطيعوا".
الاستنتاج:
لم يتحد الله العالمين بآية إمعاناً في إشعارهم بالعجز عن إنشاء سورة من مثل أصغر سور القرآن، ولكن باستخدام الآيات المفردة كما هي كلبنات بناء للسورة المفتراة، ولكن بالطبع بترتيب مختلف.
والله أعلم.
- التصنيف: