حدود الخيال ونعمة الرياضيات
إن الخيال مرتبط دائمًا بما في ذاكرة الإنسان وخبرته من أشياء وأحداث، وخيال الإنسان يمكنه أن يمزج بين أشياء وأحداث لم يرها تمتزج في الواقع، فيكون شيئًا خياليًا، ولكنه في الواقع مزيج مما يعرفه الإنسان، فمثلاً تخيل القدماء قدرة الإنسان على الطيران، وهذا كان أمرًا خياليًا قديمًا، ولكن هذا التخيل ينبع من رؤية الإنسان للطير..
هل هناك حدود للخيال؟
إن الإجابة على هذا السؤال بسيطة، وهي: نعم يوجد حدود للخيال، فإنه توجد حدود لكل شيء خلقه الله، والخيال من صفات الإنسان المخلوق، قال الله تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر:49].
حدود الخيال:
إن الخيال مرتبط دائمًا بما في ذاكرة الإنسان وخبرته من أشياء وأحداث، وخيال الإنسان يمكنه أن يمزج بين أشياء وأحداث لم يرها تمتزج في الواقع، فيكون شيئًا خياليًا، ولكنه في الواقع مزيج مما يعرفه الإنسان، فمثلاً تخيل القدماء قدرة الإنسان على الطيران، وهذا كان أمرًا خياليًا قديمًا، ولكن هذا التخيل ينبع من رؤية الإنسان للطير..
فهل إذا لم ير الإنسان أي شيء يطير فهل يمكنه أن يتخيل الطيران؟
الإجابة هي: كلا. الإنسان لا يمكنه تخيل ما ليس له علاقة بأي شيء يعرفه أو رآه.
فلا يمكن للإنسان مثلاً أن يتخيل جسمًا خماسي الأبعاد كيف شكله؟ ما مواصفات التفاصيل بهذا الجسم؟
ذلك أن الإنسان كل خبرته في رؤية الأجسام ثلاثية الأبعاد تلك هي حدود الخيال، وهي ما رآه الإنسان أو عرفه بأي حاسة من حواسه
ويمكننا أن نرى ذلك في الحديث القدسي: يقولُ اللَّهُ تعالى: « {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [السجدة من الآية:17]» (رواه البخاري)، فإن ما لا يعرفه الإنسان بحواسه كالرؤية والسمع لا يمكن أن يخطر على قلبه، أي لا يمكن أن يتخيله.
الرياضيات:
إن الله تعالى قد علم الإنسان الحساب وهو أساس الرياضيات، فقد قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ . إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ} [يونس:5-6]، {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا} [الإسراء:12]ـ
إن الرياضيات آداة علمها الله للإنسان فمكنته أن يخرج خارج حدود الخيال..
فالجسم خماسي الأبعاد يمكن تمثيله رياضيًا بمجموعة من النقاط، كل نقطة لها خمسة إحداثيات، بل ويمكن عمل كثير من العمليات الرياضية على هذا الجسم مثل حساب مساقطه المختلفة على ثلاثة أبعاد، وعمل حسابات لمعرفة إحداثيات نقط هذا الجسم إذا دار حول محور معين..
إن الرياضيات تخرج بنا خارج حدود الخيال لنتعامل وببساطة شديدة مع مبادئ لا يمكن تخيلها..
ولعل من أبرز هذه الأمثلة على استخدام الرياضيات للتعامل مع ما لا يمكن تخيله هي نظرية الكم..
فهي نظرية رياضية لا يمكن تخيل قواعدها بالخيال وحده، ولعل هذا ينبع من أن الجسيمات متناهية الصغر لم يراها الإنسان ولم يتعامل معها، وبذلك لا يمكنه تخيلها، ولطالما تخيلها الإنسان مثل الأجسام الكبيرة التي يراها، ولكن ثبت خطأ هذا التخيل عمليًا..
مزج الرياضيات بالخيال..
ولكن ليس هذا فقط ما نستفيده من الرياضيات، ولكن الرياضيات يمكنها تقديم كميات جديدة لا أصل لها سوى الرياضيات، ليتعامل معها الإنسان ويمزجها مع خياله، ليكون خيالاً جديدًا من تصرفات هذه الكميات بطريقة مماثلة لتصرفات الكميات المعروفة للإنسان..
وإليكم هذا المثال:
فإن الاحتمالات مبدأ رياضي، ولكن في نظرية الكم يمكنك أن تسمع أحيانًا كلمة تيار من الاحتمالات، أو
(probability current) ويتم التعامل مع هذا التيار رياضيًا..
إن هذا مثالاً على المزج بين الخيال والرياضيات، فالإنسان يتخيل تيار من الماء ويتخيل أيضًا تيار من الإلكترونات، على الرغم أنه لا يستطيع تخيل الإلكترون نفسه تفصيلاً، ولكنه عندما يتخيل تيار الإلكترونات يتخيل ضمنيًا أن الإلكترون جسم صغير مثل أي جسم.
أما تيار الاحتمالات هذا فهو مزيج بين المبادئ الرياضية والخيال، فالرياضيات يمكنها أن تقدم كمية جديدة ليتخيلها عقل الإنسان بأن لها حركة ومسار وتيار مثل الكميات التي يعرفها الإنسان عمليًا، وهذا المزيج من الرياضيات والخيال أيضًا يمكنه الخروج خارج حدود الخيال التي عرفناها سابقًا.. فسبحان الله الذي علم الإنسان ما لم يعلم، والله أعلم.
- التصنيف: