باحث ومفقود
سعيد بدر
إنه باحث عن طريق غبرته الرياح ونسيه أهله وظنوا أنه مضى وراح وركبه غيرهم وأداروه تجاههم وأتقنوا صنعته ووهموا أصحابه بخرابه. إنه يبحث عن العز في أشخاص والمجد في أنفاس والرضا في مكتوب والدنيا أحقر مطلوب وآخرة هي كل المرغوب. يبحث عن منهج وطريق ووصف دقيق لما هو مطلوب وما هو مقدور في ظلمات الملذات ونتن الشهوات ومطلوب النفوس !!
- التصنيفات: الزهد والرقائق -
تدور الأيام والسنون دورتها وتنشر على الأرض أقدارها وتترك بصمتها، ويأخذ الكيس من فعل الزمان عبرتها، وتزرف العين على ما فات من الدروس عبرتها، فهذا الخلد التليد يذكرها بأيام سطوتها ونشوتها، وذاك الأثر البعيد شاهد على سمو مركزها ورفعة مكانتها، وتتعاقب الأجيال والشعوب تتوارث مجد الأجداد أو ذل العبيد، وبين التمكين والسيادة أو الاستعباد والإبادة تدور الأحداث وتتقلب العصور، إنه قادم يحلم بالمجد الموروث والعصر المنشود ورفعة يشهد لها العدو قبل الصديق والبعيد قبل القريب.
لا يزال يبحث عن أمله الذي بدى حلماً وأضحى منه يفيق إنه يبحث عن عهد كان ينظر فيه للسحاب ويقال له "أمطري حيث شئت أن تمطري فلسوف يأتيني خراج زرعك". وآخر يأمر عماله "انثروا الحب فوق رؤوس الجبال حتى لا يقال جاع طير في بلاد المسلمين". وثالث تناديه امرأه مسلمة من سجون الروم فينذر في خطاب شديد اللهجه كلب الروم – حاكمها - ويأخذ جيشه إلى بلاده فيفتحها. ورابع يأمر جيشه بالخروج من المدينة بعد فتحها وإعادتها كما كانت لأنهم لم يعرضوا عليهم الإسلام قبل دخولها فتسلم سمرقند جميعها.
إنه يبحث عن كيان اقتصادي لا يعرف الشحاذة، وقوة عسكرية لا يقودها جبناء، ورفعة علمية علمت العالم كله وداوت أسقامه، وأخلاق تربوية يصير فيها الضعيف آمناً والقوي حالماً واليتيم محفوفاً والسقيم محمولاً.
لا جائع لا عار لا محتاج لا مظلوم مسلماً كان أو من غير المسلمين.
إنه باحث عن طريق غبرته الرياح ونسيه أهله وظنوا أنه مضى وراح وركبه غيرهم وأداروه تجاههم وأتقنوا صنعته ووهموا أصحابه بخرابه. إنه يبحث عن العز في أشخاص والمجد في أنفاس والرضا في مكتوب والدنيا أحقر مطلوب وآخرة هي كل المرغوب. يبحث عن منهج وطريق ووصف دقيق لما هو مطلوب وما هو مقدور في ظلمات الملذات ونتن الشهوات ومطلوب النفوس !!
إنه يبحث عن الحق في رجال وعن رجال الحق والمقال، يبحث عن الذي يشكوه يهودي لقاضيه في درع فيكنيه وينادي اليهودي باسمه فيغضب ثم لا يجد بينة لرأيه - رغم صدق قوله – فيحكم القاضي لليهودي فيسلم اليهودي ويعيد له درعه.
يبحث عن رجل يضحي بنفسه ويقتل صائما على مصحفه ليتناول فطور صوم يومه مع رسول الله، وصاحبيه حقناً لدماء المسلمين وغمداً لسيوفهم.
يبحث عن رجل له مهابة ترتعد لها فرائص الرجال يحمل إلى أطفال وأمهم الدقيق على كتفه ويعجن لهم ويخبز ويطعمهم ولا يغادر إلا والضحكه ملؤ أفواههم ويكتب لها مظلمة لتعرض على صاحب الأمر الذي قام بالعجن والخبز وإدخال السرور وإزالة الغم والهم.
يبحث عن رجل يحمل طريقه إلى الله ولو كان وحده ولا يثنيه عن طريقه شئ ولو اجتمع الناس عليه. ولو قصر المسلمون في عقال بعير كانوا يخرجونه لرسول الله لقاتلهم عليه حتى يقيموا شرع الله.
يبحث عن كل هؤلاء المفقودين في زمان يشعر فيه بالغربة والوحشة، يبحث عن كل هؤلاء الرجال في نفس المقام يبحث عن ما كان عليه الأولون السابقون وخلفاؤهم التابعون ومن يقدر أن يقود إلى هذا الطريق فيوقظ النائمين وينبه الغافلين ويجمع شمل المسلمين.
يبحث عن اسم اشتاقت له الألسن والآذان على مر السنين يبحث عن خليفة المسلمين وشرع رب العالمين، حتى يكون باحثاً ولا يكون من المفقودين.