فلسطين العربية الإسلامية (2)

منذ 2015-01-06

إن سقوط الآلاف من الشهداء برصاص العدو الإسرائيلي لم يثنِ هذا الشعب عن عزمه أبدًا، بل يزداد كل يوم عزيمة وإصرارًا، ولن تتوقف المواجهة حتى يستعيد هذا الشعب حقوقه كاملة بإذن الله.

المحور الثاني: أشكال مواجهة العدوان الإسرائيلي

لقد واجه الشعب الفلسطيني العدو المحتل مواجهة شرسة نفذ خلالها أعمالًا فدائية باسلة، مما أدخل الرعب والفزع في قلوب كل يهودي، بحيث إنهم فقدوا الاطمئنان في منازلهم ومكاتبهم ومطاعمهم ومجمعاتهم وأماكن تجمعاتهم.

إن سقوط الآلاف من الشهداء برصاص العدو الإسرائيلي لم يثنِ هذا الشعب عن عزمه أبدًا، بل يزداد كل يوم عزيمة وإصرارًا، ولن تتوقف المواجهة حتى يستعيد هذا الشعب حقوقه كاملة بإذن الله.

لقد سجل التاريخ انتفاضات كثيرة وقعت على أرض فلسطين أثناء الانتداب البريطاني وبعد الاحتلال الصهيوني لفلسطين، فيجدر بنا أن نذكر بعضًا منها:

1 - انتفاضة 1920م:

إن أول انتفاضة ذكرت هي انتفاضة عام 1920م وحدث ذلك في شهر إبريل عام 1920م، حيث قام بها عرب فلسطين للتعبير عن رفضهم لسياسة بريطانيا صاحبة وعد بلفور والمؤيدة للولايات المتحدة الأمريكية، حامية الحركة الصهيونية.

فقد جرت أحداث هذه الانتفاضة عند الاحتفال بموسم النبي موسى في الرابع من أبريل من سنة 1920م، حيث ألقى عدد من قادة الحركة الوطنية الفلسطينية خطباً حماسية فهتف الشعب على أثرها بشعارات ضد الصهيونية وبريطانيا.

وقد جرت خلال تلك الانتفاضة اشتباكات ومشادات بين العرب المتظاهرين واليهود، ومن ثم مع البريطانيين الذين سارعوا كالعادة لنجدة اليهود.

وكانت تلك الانتفاضة العربية إيذانًا بتوالي الانتفاضات طيلة عهد الانتداب البريطاني.

2 - انتفاضة يافا 1921م:

لقد جرت حوادث هذه الانتفاضة، في مطلع مايو أيار 1921م بين المواطنين العرب والجنود البريطانيين الذين كانوا يطاردون خمسة وخمسين عربيًّا كانوا قد اصطدموا بمظاهرة صهيونية عمالية بتل أبيب.

وقد فسر اعتداء الجنود البريطانيين على العرب على أنه بداية هجوم صهيوني على حي المنشية العربي المجاور لتل أبيب، مما أثر غضب عرب فلسطين كافة فهبوا من مختلفة المناطق المجاورة للاشتراك في الانتفاضة.

وقد طلب العرب خلال انتفاضتهم بإحلال قوات هندية محل القوات البريطانية، كما طالبوا بتسليحهم ليدافعوا عن أنفسهم أمام اليهود المسلحين.

وقد كان رد القوات الحكومية استعمال العنف لفك تجمعات العرب المتظاهرين الذين ألحقت بهم إصابات بالغة.

3 - انتفاضة عام 1929م:

حدثت هذه الانتفاضة في القدس الشريف على إثر تظاهرات يهودية تطالب بحائط البراق الشريف وتطلق شعارات استفزازية، وقد أدت تلك المظاهرات التي قام بها العرب إلى اشتباكات عنيفة تدخلت على إثرها قوات الشرطة الحكومية، وبلغ الحماس أوجه عندما عقدت جماهير نابلس والجنين وطولكرم مؤتمرًا في نابلس توجهوا بعده إلى مركز شرطة المدينة، واستولوا على السلاح ورفعوا علم فلسطين المفدى فوقه.

فاستخدمت الحكومة خمسة آلاف جندي بريطاني لصد هذه الانتفاضة، كما هاجم عرب مدينة صفد المستوطنين اليهود وأصابوا (45) صهيونيًّا مستوطنًا.

وامتدت الثورة إلى كافة أنحاء الريف الفلسطيني، واستخدم الإنكليز المدفعية والدبابات والطائرات والغازات ضد العرب الثائرين، وسيق مئات العرب إلى السجون والمعتقلات، وأصدرت محاكم حكومة الانتداب (20) حكمًا ضد العرب بالإعدام وبالحبس المؤبد لثلاثة وعشرين عربيًّا، وقد نفذ حكم الإعدام بحق ثلاثة من أبطال انتفاضة 1929م في سجن عكا يوم (17) يونيو 1930م وهم فؤاد حجازي وعطا الزير ومحمد جمجوم.

4 - انتفاضة 1981 و 2000م:

وتوالت الانتفاضات والثورات والمقاومة المسلحة منذ ذلك الوقت حتى يومنا هذا، ومن أهم الانتفاضات التي سجلها التاريخ بعد الاحتلال الإسرائيلي انتفاضة عام 1981م حيث استشهد فيها المئات من الشعب الفلسطيني الباسل، وانتفاضة نوفمبر 2000م التي اندلعت على إثر انتهاك شارون حرمة المسجد الأقصى بالدخول فيها مما آثار غضب الشعب الفلسطيني.

فقد استشهد منذ بداية الانتفاضة الأخيرة حتى الآن أكثر من (800) فلسطيني، وجرح ما يقارب من ثلاثين ألف شخص، ومازالت المواجهات مستمرة بين النظام الصهيوني والشعب الفلسطيني البطل، وما من يوم إلا وتقوم القوات الإسرائيلية بتوغل داخل المدن الفلسطينية الواقعة تحت الحكم الفلسطيني بالدبابات والجرافات وتدمير المساكن والمزارع والقصف بالطائرات، ومازال الشعب الفلسطيني يسجل العديد من الشهداء، ولم يتوقف النظام الصهيوني عن اعتداءاته، وأعلن المقاتلون الفلسطينيون بأن الانتفاضة سوف تستمر رغم الاتفاق الذي توصل إليه عرفات وبيريز؛ لأنهم يرون أن الاتفاق الأخير يسمح لإسرائيل بكسب مزيد من الوقت لتستمر في مشروعها التوسعي.

التفاوض واتفاقيات السلام:

لقد جرت مؤتمرات ومفاوضات واتفاقيات سلام عديدة من أجل إيجاد حل للقضية الفلسطينية، ولكن الطرف الإسرائيلي الذي تدعمه الولايات المتحدة الأمريكية استمر في عجرفته وعناده، ورفض تنفيذ كل الاتفاقيات المبرمة ومنها اتفاقية طابا عام 2001م.

فلا يمكن لأية اتفاقية أن تنجح ما لم تكن هناك رغبة صريحة من إسرائيل في الانسحاب من الأراضي العربية.

قواعد وأركان إقامة سلام عادل:

إنه لمن المنطقي بأنه لا يمكن إقامة سلام دائم في فلسطين إلا بتسوية عادلة للقضية الفلسطينية، ولا تتم هذه التسوية إلا باستجابة إسرائيل لقرارات الأمم المتحدة والهيئات الدولية، ونذكر من هذه القرارات:

قرار رقم (242) لعام 1967م.

قرار رقم (338) لعام 1973م.

قرار رقم (465) لعام 1980م.

قرار رقم (476) لعام 1980م.

قرار رقم (478) لعام 2000م.

إن كل هذه القرارات تدعو إسرائيل إلى الانسحاب من جميع الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة، بما فيها القدس الشريف والجولان السوري والمناطق المتبقية من جنوب لبنان، وتمكين الشعب الفلسطيني من تحقيق حقوقه الوطنية الثابتة، بما فيها حقه في العودة إلى دياره وممتلكاته وإقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني وعاصمتها القدس الشريف.

إن رفض إسرائيل لتنفيذ هذه القرارات لدليل واضح على أن لها رؤية خاصة في معنى السلام.

إن هدف إسرائيل الكبرى الذي يمتد من النيل إلى الفرات، وهذه الفكرة هي ضمن الثوابت الرئيسية الاستراتيجية الصهيونية، فقد قيل بأنه مكتوب على مدخل الكنيست عبارة: (أرضك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل)، ذكر بأن بعض اليهود العرب من أعضاء الكنيست طالب بإزالة هذا الشعار، لكن الكنيست أجاب بأن هذا من الثوابت في قناعات المنظمة الصهيونية.

فيجب على الأمة العربية والإسلامية أن تستحضر صراعها مع الصهاينة من قبل الحديث عن السلام والمفاوضات، فقد مر الشعب الإسلامي المسلم بأربع مراحل من الصهاينة ولكل مرحلة خصائصها، واستهدافاتها.

واليهود الصهاينة عباقرة في اختراع المصطلحات وترويجها، ومن ذلك مصطلح عملية السلام التي تتحدث اليوم بشأنها، فهذا المصطلح قام اليهود الصهاينة بنحته وتشكيله، فهذه المصطلحات لها آثارها المنطقية والنفسية والإعلامية.

ولنبدأ باستعراض المراحل:

المرحلة الأولى: مرحلة التحضير السياسي والدبلوماسي لإقامة الكيان الصهيوني، فقد دأبوا خلال سنوات عديدة يحضرون العالم ويهيئونه لتقبل قيام كيان سياسي يمثل الحركة الصهيونية في فلسطين.

المرحلة الثانية: تبدأ بقيام الكيان الصهيوني وتثبيته تمهيدًا للاعتراف به، وهذه خطوة تحتاج إلى عمل دؤوب لتحصين الكيان من الاعتداء العسكري، واستطاعوا في هذه المرحلة أن يحصلوا على اعتراف من القوى والدول الكبرى في العالم والاتحاد السوفيتي سابقًا.

وما إن استقر الكيان الصهيوني وترسخت أرضيته حتى شرعوا في مرحلة ثالثة:

المرحلة الثالثة: تتمثل في توسيع هذا الكيان باتجاه إسرائيل الكبرى، وكذلك فإن اليهود لا يتكلمون في أية مرحلة من المراحل عن الحدود لدولتهم، وإنما يذكرون (الحدود الآمنة) للكيان الصهيوني، ففي عام 1948م كانت حدودهم عند خط معين، وفي حرب 1956م انتقلت إلى حدود جديدة، وفي عام 1967م ابتلعت سيناء والضفة والقدس، فكل حالة تاريخية لها حدودها الآمنة.

لذلك نرى في المرحلة الثالثة توسيع دائرة الاغتصاب واحتلال القدس والضفة الغربية وسيناء ككل في 1967م.

 

المرحلة الرابعة: هي التي نعيشها الآن، وقد بدأت بعد حرب 1973م عندما استطاعت القوات المصرية ضرب خط بارليف وأن تفاجئ الصهاينة في سيناء، واستطاعت تلك الانتصارات أن تحقق في سياق التعامل العربي الإسرئيلي إنجازًا عسكريًّا كبيرًا كان له أثره النفسي الهائل على الصهاينة، واكتشف اليهود من هذه الحرب أن للعرب طاقات هائلة مخزونة تمكنهم من تحقيق الانتصارات.

يتضح لنا من هذا بأن المفاوضات التي تعنيها إسرائيل تتعارض تمامًا مع أهداف ومبادئ الشعب الفلسطيني، لأن الشعب الفلسطيني يطالب إسرائيل بالانسحاب من أرضه التي اغتصبتها ظلمًا وعدوانًا، وتمكين الشعب الفلسطيني من إقامة دولته.

أما المفاوضات على حسب المنظور الإسرائيلي فهو التفاوض على أساس الاحتفاظ بأجزاء من الأراضي الفلسطينية بما فيها القدس الشريف، وإجبار الشعب الفلسطيني على قبول الأمر الواقع، ولكن الشعب الفلسطيني البطل الصامد عبر عن رفضه لهذا المخطط بواسطة وقفاته البطولية التي يقفها كل يوم وبواسطة الضحايا الذين يسقطون كل يوم، وكل ذلك يدل على عزم وتصميم واستعداد الشعب الفلسطيني بمختلف شرائحه الاجتماعية والسياسية والعمرية لمواصلة التضحية حتى يتم استعادة أرضه وخاصة القدس الشريف.

إن الأحداث التي هزت الولايات المتحدة الأمريكية مؤخرًّا وزرعت الرعب في قلوب حكام وشعوب الدول التي تدعم إسرائيل، جعلتهم يعيدون حساباتهم ويدركون خطورة استمرار الوضع الفلسطيني كما هو، فعمدوا الآن يغيرون لهجتهم تجاه هذا النزاع ويصرحون بأنه يجب إحياء عملية التفاوض بين الفلسطينيين وإسرائيل، وبضرورة إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية.

لقد تعود الرأي العام العالمي سماع مثل هذه التصريحات منذ الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية وحتى الآن لم يتغير إلا القليل، لأن الأساس الذي ترتكز عليه عملية السلام غير سليم.

التمسك بالحقوق العربية الإسلامية في فلسطين هو الطريق الوحيد لتحقيق السلام العادل:

لا يمكن تحقيق أي سلام عادل إلا باسترداد كافة الأراضي العربية الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشريف، وباعتراف إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني في تحقيق مصيره، وذلك بإقامة دولة مستقلة ذات سيادة في الأرض الفلسطينية، وأن يكون عاصمتها القدس الشريف، وبعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أرضهم واستعادة جميع حقوقهم المسلوبة.

 

كما لا يمكن أن يكون أي سلام ما لم يتم حل مشكلة القدس، وما لم يتم إعادة المدينة للفلسطينيين.

فلا يمكن أن يكون هناك تنازل عن شبر من الأراضي العربية الفلسطينية، لأن أي تنازل فلسطيني عن حقوقه يعني الاستسلام لليهود.

المحور الثالث: دعم الجهاد في صوره المختلفة

فإذا كانت القضية الفلسطينية هي قضية دولية تهم الأمة العربية والإسلامية والقوى المحبة للسلام فلأن الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين والأراضي العربية احتلال ظالم.

ثم إن احتلال اليهود للقدس الشريف الذي يعتبر إحدى المقدسات الإسلامية الهامة أمر لا يمكن قبوله من المسلمين والسكوت عنه.

وبما أن إسرائيل ترفض جميع مساعي السلام التي بذلت منذ بداية الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية وحتى الآن، وتصر على استمرارها في احتلال فلسطين والقدس والأراضي العربية فإنه يتوجب على جميع الأمة الإسلامية والعربية أن تستنفر من أجل تحرير القدس، وأن تدعم الجهاد الفلسطيني بكل ما تملك من قوة.

ومن هذا المنطلق يتوجب على الأمة العربية والإسلامية القيام بالعمل التالي:

- السماح للمتطوعين للالتحاق بالجيش الفلسطيني.

- توفير الأسلحة والعتاد اللازم لمواجهة العدو المحتل، لأن الله - تعالى -يقول: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ [الأنفال: 60].

- توفير الدعم المادي للشعب الفلسطيني الصامد داخل الأراضي المحتلة واللاجئين الفلسطينيين إلى الدول الأخرى.

- توفير التدريبات اللازمة للمقاتلين.

دور المؤسسات الإسلامية في دعم الجهاد ونصرة القضية الفلسطينية:

توجد بالفعل مؤسسات إسلامية سياسية واقتصادية وإعلامية في الدول العربية والإسلامية، وكل هذه المؤسسات تؤدي دورها في عدم القضية الفلسطينية ماديًّا ومعنويًّا واقتصاديًّا وإعلاميًّا، ولا ننكر بأن هذه المؤسسات فعلت الكثير في تحويل الرأي العام العالمي لصالح القضية الفلسطينية، وجعل النضال الفلسطيني نضالًا شرعيًّا، وفي إجبار إسرائيل على الاعتراف بالحقوق الفلسطينية وضرورة الانسحاب من الأراضي الفلسطينية.

كما عملت المؤسسات في دعم الجهاد الفلسطيني ماديًّا، حيث تقدمت بكثير من الدعم المالي للشعب الفلسطيني الصامد داخل الأراضي المحتلة والذي يواجه صورًا مختلفة من الاضطهاد، والتي نشأت عنها أنواع من الظروف الاجتماعية القاسية مثل المرض والفقر والمجاعة.

كما تقوم المؤسسات الإعلامية بالجهاد بالقلم، حيث سخرت أقلامها لإظهار الصورة الحقيقية للعدو الإسرائيلي الظالم، ولما يقوم به من ممارسات بشعة ضد الشعب الفلسطيني من اعتقالات وتعذيب وقتل وسلب وتشريد ودمار شامل للمباني والمزارع وتخريب البقاع المقدسة وتدنيسها، كما تقوم الأقلام الإسلامية بشرح القضية الفلسطينية وإظهار صورتها الحقيقية وشرعية نضال الشعب الفلسطيني وجهاده ليتمكن القارئ والسامع البعيد عن المنطقة من تقييم الوضع واتخاذ موقف عادل تجاه هذه القضية.

 

دور الأفراد والشعوب:

يمكن لأفراد المسلمين في كل بقعة من بقاع الأرض أن يدعموا هذه القضية ويقدموا لها الدعم الكامل بما في ذلك التطور للجهاد حتى يتم النصر إن شاء الله.

وكما يمكن للشعوب الإسلامية أن تهتم بالقضية الفلسطينية عبر حكوماتها ومؤسساتها الإسلامية المحلية.

المحور الرابع: حماية الطابع العربي الإسلامي لفلسطين

حماية الأوقاف الإسلامية وتوثيقها دوليًّا:

لقد تعاونت الدول العربية والإسلامية مع دول عدم الانحياز، واستصدروا من منظمة اليونسكو قرارًا بتسجيل مدينة القدس الشريف وأسوارها إلى قائمة التراث العالمي الذي لا يجوز المس به أو تغييره، وذلك في سبتمبر 1981م.

وجاء في قرار التسجيل الذي تم إقراره في ديسمبر 1982م أنه لما كانت اتفاقية حماية التراث العالمي تحسبت إلى الأخطار التي قد تهدد ممتلكات التراث، ومن بينها خطر الزوال أو الاندثار الناشئ عن مشاريع عمرانية كبرى خاصة أو عامة أو عن التهديم نتيجة تغيير استخدام الأرض أو تبديل ملكيتها أو النزاع المسلح أو التهديدية، أو عن الكوارث والنكبات كالحرائق الكبرى أو انهيار الأراضي، فإن المجموعة العربية والإسلامية عملت على إدراج القدس الشريف وأسواره ضمن قائمة التراث العالمي المهدد بالخطر، ورغم هذا القرار وعشرات غيره فإن عمليات الحفر لا تزال قائمة سواء تحت المسجد الأقصى أو حوله، ولا يزال اليهود العنصريون منقسمين على أنفسهم، بعضهم يشجع ذلك لكي يعثر على ما يشير إليه حق اليهود في فلسطين …

إن الأمر المطلوب باستمرار هو أن يعمل العالم الإسلامي والعربي على حماية سكان القدس العرب والمسلمين بتقديم شتى وسائل الدعم لصمود السكان العرب هناك، ولحماية بيوت المدينة القديمة ورموزها المقدسة، وهي مهمات تحتاج إلى كثير من التضحيات ولابد منها.

حماية القدس دوليًّا:

هناك نظام قانوني دولي يكفل الحماية لمدينة القدس ويرفض ضم القدس العربية لإسرائيل، وقد تدخل القانون الدولي في توفير الحماية للمقدسات الدينية، فالأماكن المقدسة تحظى بحماية قانونية واسعة في القانوني الدولي، وقد أقرت إسرائيل بهذا المبدأ، وإن كانت تخالفه عن عمد، والذي يجب أن نؤكده أن القانون يحتاج إلى قوة وما تقوم به إسرائيل تجاه القدس والمسجد الأقصى أمر باطل وغير قانوني، وواجب الأمة أن تجاهد للإبقاء على مدينة القدس عربية إسلامية، ولا تسمح بأن تكون عاصمة لإسرائيل.

ولا يفوتنا أن نذكر هنا البناء الذي قامت به (لجنة القدس) التي تم إنشاؤها بتوصية من منظمة المؤتمر الإسلامي، والتي كانت تحت رعاية العاهل المغربي السابق الملك الحسن الثاني، حيث سارعت تلك اللجنة إلى إنشاء (وكالة بيت مال القدس الشريف) حيث تعاهدت جميع الدول الإسلامية عبر قرارات مجالس وزراء خارجية دول المؤتمر الإسلامي في دوراتها المتعاقبة، وعبر قرارات قمتى طهران والدوحة على الوصول بهذه اللجنة إلى أهدافها النبيلة والمقدسة وهي: الحفاظ على الطابع الديني والحضاري والتاريخي والثقافي والعمراني لأولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين.

الخلاصة:

نستخلص مما سبق أن فلسطين كانت دولة للعديد من الأمم السابقة كالفينيقيين والعرب الكنعانيين والفراعنة والبابليين والآشوريين والفرس والرومان، وأنها تميزت عن باقي بلاد العالم بأنها كانت مهدًا للديانات السماوية.

ويثبت التاريخ بأن العنصر العربي ظل عبر مختلف الحقب في تاريخ فلسطين يمثل الغالبية العظمي، في حين أنه على امتداد التاريخ المعروف الذي يقترب من (50) قرنًا قبل الإسلام لم يعرف لليهود دولة قوية في فلسطين، إلا في تلك الفترة التي بدأت بحكم داود - عليه السلام - عام 1015 - 950 ق. م.

وفي القرن السابع الميلادي كانت فلسطين خاضعة لحكم الإمبراطورية البيزنطية، وبحكم وقعها وجوارها لمهد الإسلام كانت من البلاد الأولى التي تطلع المسلمون إليها في فتوحاتهم، إذ تؤكد كتب التاريخ الإسلامية أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أعد قبل وفاته عام 11 هـ جيشًا بقيادة أسامة بن زيد، وأمره أن تطأ خيوله تخوم البلقاء والداروم من أرض فلسطين، وبعد أن بسط المسلمون سيادتهم على ربوع فلسطين تم فتح بين المقدس 635 م على يد أبي عبيده، وتسلم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - مفاتيح المدينة وكتب العهدة العمرية المشهورة لأهل إيلياء.

ثم وقعت مدنية القدس بعد فترة في سلطة الصليبين، ولكن القائد صلاح الدين الأيوبي استعادها بعد معركة حطين عام 1187م، فبقيت فلسطين بما فيها مدينة القدس عربية مسلمة منذ ذلك التاريخ، حتى سقطت بيد الصهاينة في أعقاب عدوان الخامس من يونيو 1967م.

فبعد أن رفض الشعب الفلسطيني هذا الاحتلال قام العدو الإسرائيلي بانتهاج أقصى العمليات القمعية ضده؛ بما فيها الاعتقالات والتعذيب والسجن والقتل والتشريد، وبالاعتداءات المتكررة على مدينة القدس الشريف والأماكن المقدسة.

ولقد واجهت المقاومة الفلسطينية هذا العدوان ببسالة مما أجبر الهيئات الدولية بالاعتراف بحقوق هذا الشعب الفلسطيني، واتخاذ عدة قرارات تدعو إسرائيل للانسحاب من الأراضي الفلسطينية، وتمكين هذا الشعب من إقامة دولته المستقلة وعودة اللاجئين واستعادة حقوقهم المسلوبة.

لكن إسرائيل تمادت في عنادها وتعنتها، واستمرت في احتلال الأراضي الفلسطينية والعربية بالرغم من المفاوضات والاتفاقيات العديدة التي تمت بين الكيان الصهيوني والمقاومة الفلسطينية، لأن إسرائيل تزعم أن حدودها تمتد من النيل إلى الفرات.

لكن الشعب الفلسطيني الباسل لم يتنازل عن شبر واحد من أرضه المحتلة ظلمًا وعدوانًا، واستمر في نضاله لاستعادة حقوقه، وقد كان للمؤسسات الإسلامية والدول الإسلامية وشعوبها دور كبير في دعم القضية الفلسطينية ماديًّا ومعنويًّا، مما حمل الرأي العام العالمي على اتخاذ صورة واضحة عن القضية الفلسطينية والاعتراف بشرعية النضال الفلسطيني ضد إسرائيل لاستعادة حقوقه المسلوبة.

إن من واجب الأمة العربية والإسلامية أن تنهض لنصرة الشعب الفلسطيني واستعادة القدس الشريف من اليهود، لأن احتلال إسرائيل للقدس ولأرض فلسطين العربية الإسلامية يعتبر تحد للمسلمين.

فنحن أمة إسلامية واحدة بنص القرآن الكريم، حيث قال الله - تعالى -: إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ [الأنبياء: 92].

فلا بد من عمل جماعي يمكننا من استعادة فلسطين والقدس الشريف.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


تيجاني صابوني محمد

  • 16
  • 4
  • 13,071

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً