بالهدية جرّب أن تعالج مشاكلك الأسرية
جاسم بن محمد المطوع
فليس العبرة بحجم الهدية ولا بثمنها أو مصدر شرائها، إنما المهم معنى الهدية ومضمونها والذي يفيد أنك فكرت فيمن تحب أن تهدي له الهدية
- التصنيفات: قضايا الزواج والعلاقات الأسرية -
عرضت عليّ مشكلة زوجية وجلست مع الطرفين من أجل الإصلاح بينهما، ثم اقترحت على الزوج أن يأتي في الجلسة القادمة ومعه هدية ليفاجئ بها زوجته ويقدمها لها أمامي أثناء الصلح حتى يذيب الجليد الذي بينهما وتكون دليلا على المحبة والرغبة بالاستمرار وقد نفذ ما طلبت منه، فتفاجأت الزوجة من موقفه وتأثرت بالهدية فدمعت عيناها ثم رجعت المياه إلى مجاريها والحمد لله.
فقال لي بعدما انتهى الخلاف بينهما كيف فكرت بهذه الفكرة؟ فقلت له أنا لم أفكر بها من نفسي وإنما تعلمتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: «
» فالهدية طريق المحبة، فعلى الرغم من كبر المشاكل العائلية وتعقيدها إلا أن الحل قد يكون بسيطًا ويفعل الأعاجيب، فلا نستهين بالابتسامة أو العطية أو كلمة الاعتذار أو حتى الهدية، فالهدية لها معان كثيرة ويكون وقعها أكبر عندما تفاجئ بها من تهديه كما فعلت أنت مع زوجتك.ثم قلت له: وإذا أردت لهديتك أن تكون ذات تأثير وتحقق هدفها فلا بد أولا أن تقدم في الوقت المناسب أو أن تقدمها لمن هو بحاجة لها. أعرف رجلا أهدى زوجته سيارة جديدة وبعد شهرين أهداها وردة حمراء بمناسبة زواجهما إلا أنه لاحظ أنها تحدثت عن الوردة الحمراء شهرًا كاملًا ولم تتحدث عن السيارة سوى يوما أو يومين وذلك لأن الوردة لمست الجانب العاطفي لديها فتأثرت بها كثيرًا.
وأعرف زوجة أهدت زوجها عشاء على حسابها بمطعم فاخر وبعد شهر أهدته عشاء رومانسيًا في بيتهم فظل يمدح الهدية الثانية شهرا كاملا، فقالت له: ولكن الهدية الأولى كانت تكلفتها عالية فلماذا لم تتحدث بها كثيرًا فرد عليها ولكني كثير السفر ودائم الأكل بالمطاعم. فكانت الهدية الثانية هي التي هو بحاجة لها.
فالهدية لغة عالمية ولها أساليب ومعان كثيرة ففي المجال السياسي أهدت بلقيس سليمان عليه السلام لتختبره هل هو نبي أم ملك، وفي الجانب الإيماني أهدى الحسن البصري رحمه الله رجلا طبقًا من تمر لأنه علم أنه اغتابه فقال له: "أحببت أن أهديك تمرًا لأنك أهديتني حسناتك وإن زدت زدنا"، وفي الجانب السلوكي قال عمر الفاروق رضي الله عنه: "رحم الله امرأً أهداني عيوبي" فقدم لنا زاوية جديدة للهدايا، وفي الجانب الاجتماعي أهدت سارة زوجة ثانية لإبراهيم عليه السلام عندما علمت حاجته للطفل، وفي المجال الأخلاقي كان رسولنا الكريم يهدي صويحبات خديجة رضي الله عنها بعد وفاتها من الشاة بعد ذبحها محبة لها.
والهدية قد تستخدم بطريقة سلبية فتكون رشوة إذا قدمت لصاحب وظيفة أو ذي منصب، وأذكر أن مطلقة كانت تعطي ولدها هدايا كثيرة من أجل أن يخبرها عن طليقها وزوجته الجديدة عندما يزورهم للرؤية الشرعية، فلما كبر الولد صار لا ينجز معاملات الناس بالدولة إلا بهدية أو رشوة!
فالهدية الأصل فيها أن تكون مادية ولكن لا يعني ذلك أن لا تكون معنوية ولهذا فإننا نقترح على الزوجين أن يهدي بعضهم البعض خمس هدايا يوميًا وهي أولًا: الاحترام والتقدير، وثانيًا: الثقة وحسن الظن، وثالثًا: عدم الصراخ والتقليل من الغضب، ورابعًا: حسن التدبير وعدم التبذير، وخامسًا: الاهتمام بالأبناء تربيةً وتعليمًا وتهذيبًا.
فالرجل يحب الهدية والطفل يسعد بالهدية والمرأة كذلك تحب الهدية ولو كانت غنية كما قيل بالأمثال (أنا غنية وأحب الهدية) إلا أن هناك فرقًا بين الرجل والمرأة في الحفاظ على الهدايا وتقديرها، فغالبًا المرأة تعتنى بالهدية أكثر فهي تهتم بها كثيرًا لأنها تراها مشاعر وعواطف بينما الرجل يرى الهدية شيئًا يستفيد منه كقلم أو ساعة أو غيرها.
وأذكر أن أحد الأصدقاء أهديت له هدية صغيرة منذ زمن بعيد وكلما زرته في بيته قال لي هذه هديتك أعتز بها، وأنا أسعد بسماع هذه الكلمة منه وأعتبر كلامه هدية منه لي. فليس العبرة بحجم الهدية ولا بثمنها أو مصدر شرائها، إنما المهم معنى الهدية ومضمونها والذي يفيد أنك فكرت فيمن تحب أن تهدي له الهدية، وهذا الأمر يسعد الإنسان المهدى له لأنه يشعره أن في الدنيا من يفكر به ويحبه ويهديه.