عندما ينطق الرويبضة
تجد هذا المأفون وهو متكئ على أريكته يتبجح بكل صفاقة فيعمد إلى مسائل لا يُحسن فقهها، فيذكر الأقوال ويختار منها ما أُشرب هواه، ويرد ما شاء بلا حجة ولا برهان
قد بيَّن لنا النبي صلى الله عليه وسلم أنه يأتي زمانٌ يتحدث فيه الرويبضة، فمن هو الرويبضة؟
الرويبضة: هو الرجل التافه يتكلم في أمر العامة، ولا إخال إلا أنه قد أظلنا هذا الزمان، فإنك لتعجب ويشتد عجبك حين تسمع وترى بين الفينة والفينة من هؤلاء الرعاع الذين لا يحسن أحدهم تلاوة كتاب ربه، فضلاً عن أن يعلم فنون الشريعة وعلومها، ويسبر أغوارها، ويتضلَّع من معارفها، كيف يتجرأ ويتكلم الواحد منهم في مسائل وأمور لو كانت على زمن عمر رضي الله عنه لجمع لها أكابر الصحابة رضي الله عنهم أجمعين ليستشيرهم فيها؟!
ثم تجد هذا المأفون وهو متكئ على أريكته يتبجح بكل صفاقة فيعمد إلى مسائل لا يُحسن فقهها، فيذكر الأقوال ويختار منها ما أُشرب هواه، ويرد ما شاء بلا حجة ولا برهان -وأنَّى له ذلك؟!- وكأنه قد حاز قصب السبق، ونال القدح المعلى في هذا العلم، ولسان حاله يقول: أنا ابن بجدتها، وأنا جذيلها المحكك، وعذيقها المرجَّب، ولا أجد مثالاً أكثر مطابقة لحاله من قوله تعالى: {كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا} [الجمعة:5]، وقد قالت العرب فيمن هذا حاله: أضل من حمار أهله.
ولا ينقضي عجبك حين تشاهد هذا الأرعن كيف يخنس أمام معلومة طبية أو اقتصادية أو غيرها، ولا يجرؤ أن ينبس ببنت شفة، مخافة أن يُلام بأنه قد تكلم فيما لا يُحسِنه، وهذا يبين أن حِمى العلوم الشرعية أصبح مستباحًا لأمثال هؤلاء الذين يهرفون بما لا يعرفون، وهذا والله نذير شؤم، وناقوس خطرٍ، يوجب على أهل الحل والعقد أن يتداركوا الأمر، فيأخذوا على أيدي هؤلاء السفهاء -سفهاء الأحلام- ويأطروهم على الحق أطرًا، فإنهم أصبحوا من حيث يعلمون أو لا يعلمون معول هدم في هذه الأمة، في تضييع دينها، وإفساد أخلاقها.
فاللهم احفظ على هذه البلاد أمنها ودينها وأخلاقها، واحفظ ولاة أمورنا، وولِّ علينا خيارنا، واكفنا شر شرارنا.
عبد الله بن غازي الرحيمي
- التصنيف:
- المصدر: