نقض أوهام المبتدعين

منذ 2015-01-13

سوف أرد على ما جاء به أصحاب مذهب الإباحة بنداً بنداً بإذن الله سبحانه، لعل الأستاذ مأمون يطلع عليه، فيأخذ به، أو يفند ما كتبت فيردني إلى ما يرى، والله سبحانه ولي التوفيق.

الرد على أصحاب مذهب إباحة الاحتفال بالمولد النبوي كما أوردها الأستاذ مأمون بارك الله سبحانه فيه. وقد توصل في نهاية بحثه إلى قوله بالإباحة فقال: "بعد عرض أدلة الفريقين يتبين أن ليس هناك دليل خاص يمنع من الاحتفال بالمولد النبوي، وأن جميع الأدلة العامة التي يقدمها المعارضون مردود عليها".

سوف أرد على ما جاء به أصحاب مذهب الإباحة بنداً بنداً بإذن الله سبحانه، لعل الأستاذ مأمون يطلع عليه، فيأخذ به، أو يفند ما كتبت فيردني إلى ما يرى، والله سبحانه ولي التوفيق.

ولا بد للبدء في الرد من مقدمة صغيرة في معنى البدعة:

المعنى اللغوي: البدعة لغة: الشيء المخترع على غير مثال سابق.
المعنى الشرعي: البدعة شرعاً: طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية، يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله تعالى.

مذهب الإباحة
1 – نفي نفي أدلة مذهب المنع:

* دحض الرد على الدليل الأول: خدعة البدعة الحسنة والبدعة السيئة

"كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ في خطبتِه يحمَدُ اللهَ ويُثني عليه بما هو أهلُه ثمَّ يقولُ: «من يهْدِ اللهُ فلا مُضلَّ له، ومن يُضلِلْ فلا هاديَ له، إنَّ أصدقَ الحديثِ كتابُ اللهِ، وأحسنَ الهديِ هديُ محمَّدٍ، وشرُّ الأمورِ مُحدثاتُها، وكلُّ محدثةٍ بِدعةٌ، وكُلُّ بدعةٍ ضلالةٌ، وكلُّ ضلالةٍ في النَّارِ». ثمَّ يقولُ: «بُعِثتُ أنا والسَّاعةِ كهاتَيْن»، وكان إذا ذُكِرت السَّاعةُ احمرَّت وجنتاه، وعلا صوتُه، واشتدَّ غضبُه، كأنَّه مُنذِرُ جيشٍ صبَّحتكم مسَّتكم، ثمَّ قال: «من ترك مالًا فلأهلِه، ومن ترك ضِياعًا أو دَيْنًا فإليَّ -أو عليَّ- وأنا أوْلَى المؤمنين».

إن كل من يقول بأن في الإسلام بدعة حسنة (بالمعنى الشرعي) هو خاطئ معارض لصريح قول رسول الله صلى الله عليه وبارك: «كل بدعة ضلالة» وإني لأعجب أشد العجب ممن يسمع كلمة "كل" التي تعني "الكل" ثم يستثني منها بهواه.

ولو كان الأمر كما يفهم الخاطئون المبتدعون لما كان لحديث رسول الله صلى الله عليه وبارك قيمة أو فائدة والعياذ بالله سبحانه.

فأصغوا معي إلى ما سيؤول إليه حديث: «كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار» عند أصحاب هذا الفهم الخاطئ
سيصبح المعنى: "كل بدعة ضلالة أو ربما هداية، و كل ضلالة في النار أو ربما في الجنة".
هذا هو الفهم الممجوج لكلمة "كل" في اللغة العربية، وهو ما يفقد الحديث معناه وقيمته ويجعله بلا هدف، وحاشى أن يكون كلام من آوتي جوامع الكلم على مثل هذا، ولكنها الأهواء التي تهوي بمن يريد التفلت من الدين.

ولو كان كما يهوون لرأيت كل ناعق يقول هذه بدعتي وهي حسنة، ومن منا يتهم زيته بالعكر! ويتناسى أصحاب الهوى والبدع قول رسولهم صلى الله عليه وبارك في الحديث ذاته:  «شر الأمور محدثاتها» ويتناسون قوله صلى الله عليه وبارك:  «خير الهدي هدي محمد» وقوله في حديث آخر:  «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» 

الاستشهاد بقول الشافعي: أما عن قول الشافعي: "البدعة بدعتان: بدعة محمودة وبدعة مذمومة فما وافق السنة فهو محمود وما خالف السنة فهو مذموم".

فلا أدري كيف يتخذه أصحاب الأهواء دليلاً لبدعتهم، وإنما هو دليل على ضلالهم، فاستخدام الشافعي لفظة "بدعة" هنا على المعنى اللغوي، لا كما جاءت في حديث رسول الله صلى الله عليه وبارك بالمعنى الشرعي، وهذا واضح من تفسير الشافعي لقوله في ذات الجملة: "فما وافق السنة فهو محمود وما خالف السنة فهو مذموم" أي ما وافق الشرع فهو محمود وما خالف الشرع فهو مذموم، فقول الشافعي رحمه الله تعالى عليهم لا لهم ولكنهم لا يفقهون.

وليعلم أصحاب البدع أنه بعد أن أنزل الحق سبحانه وتعالى هذه الآية الكريمة:  {الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا} [المائدة:3].
سبحان الله ... وعجباً ... لقد يئس الذين كفروا ولم ييأس المبتدعون من العبث بهذا الدين الكامل.
واعلم أن أي محاولة للزيادة في العبادات والطاعات هي كفر بهذه الآية الكريمة.

الاستشهاد بقول عمر رضي الله عنه

وأما في اسشهاد أصحاب الأهواء من المبتدعة بقول عمر رضي الله عنه: "نعمت البدعة هذه" فهو دليل جلي على سوء فهمهم عن عمر رضي الله عنه وغير عمر، وهذا ديدنهم فهم قد أساؤوا الفهم عن رسول الله صلى الله عليه وبارك.

وإليكم حديث عمر في التراويح لنفهمه فهماً بعيداً عن الهوى دون اجتزاء أو تأويل: "أنَّ عبدَ الرَّحمنِ بنَ عبدٍ القاريَّ -وَكانَ في عَهْدِ عمرَ بنِ الخطَّابِ معَ عبدِ اللَّهِ بنِ الأرقمَ علَى بيتِ المالِ- أنَّ عمرَ خرجَ ليلةً في رمضانَ فخرجَ معَهُ عبدُ الرَّحمنِ بنُ عبدٍ القاريُّ فطافَ بالمسجِدِ وأَهْلُ المسجدِ أوزاعٌ متفرِّقونَ، يصلِّي الرَّجلُ لنفسِهِ، ويصلِّي الرَّجلُ، فيصلِّي بصلاتِهِ الرَّهطُ، فقالَ عُمَرُ:" واللَّهِ إنِّي أظنُّ لَو جمعنا هؤلاءِ علَى قارئٍ واحدٍ لَكانَ أمثلَ"، ثمَّ عزمَ عمرُ علَى ذلِكَ، وأمرَ أُبيَّ بنَ كعبٍ أن يقومَ لَهُم في رَمضانَ. فخرجَ عمرُ علَيهم والنَّاسُ يصلُّونَ بصلاةِ قارئِهِم، فقالَ عمر: "نِعمَ البدعةُ هيَ، والَّتي تَنامونَ عنها أفضلُ منَ الَّتي تَقومونَ" -يريدُ آخرَ اللَّيلِ- فَكانَ النَّاسُ يقومونَ أوَّلَهُ".

الراوي: عروة بن الزبير المحدث: الألباني -المصدر: صحيح ابن خزيمة- خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح
لقد بتروا الاستشهاد بقول عمر فقالوا: "نعمت البدعة هذه" وسكتوا، ثم زعموا زوراً وبهتاناً أن البدعة هي صلاة التراويح في جماعة، وهذا والله سبحانه هوعين التحريف وهو الفهم الخاطئ وهو الاجتزاء في الدليل.

ولكن إذا أتممنا الجملة التي قالها عمر: "نِعمَ البدعةُ هيَ، والَّتي تَنامونَ عنها أفضلُ منَ الَّتي تَقومونَ" ثم نظرنا إلى تعقيب الراوي الذي فهم فهماً بعيداً عن الهوى عن عمر بقوله: "يريد آخرالليل"، سنستنتج ما يلي:

- أن البدعة التي قصدها عمر هي ليست صلاة التراويح في جماعة، بل هي اقتصارهم على صلاة أول الليل وترك صلاة آخر الليل التي فيها الأجر الأكبر.
- أن عمر استعمل لفظة "البدعة" بالمعنى اللغوي، فصلاة أول الليل وآخره ثابتة في الدين وليست زيادة فيه، فمن الصحابة من كان يقوم أول الليل ومنهم أبو بكر ومنهم من كان يقوم آخر الليل ومنهم عمر رضي الله عنهم أجمعين.
- أن مرتكب البدعة (على المعنى اللغوي الذي أراده عمر) ليس عمر رضي الله عنه بل هم المصلون الذين اختاروا العبادة الأقل ثواباً، وزهدوا في العبادة الأكثر ثواباً، ولامهم عمر على ذلك رضي الله عنه.
وقد بين عمر رضي الله عنه هذا في حديثه أيما بيان، وعقب الراوي بالفهم ذاته، ولكن الذي يريد الضلال يجتزئ ويسيئ الفهم ويحرف، ويكون الهوى هو المهيمن على فهمه فيضله، ولا نملك له شيئاً إلا حسن البيان والدعاء بالهدى.

* دحض الرد على الدليل الثاني: الاحتفال بالمولد ليس تشبهاً بالنصارى

إن قول المبتدعين أصحاب الأهواء: "إن الاحتفال بمولد الرسول لا يشترط أن يكون من باب التشبه بالنصارى، فقد يكون من باب محبة الرسول وتعظيمه".
وهذا قول واه في ذاته، فما معنى قولهم (فقد يكون)؟ لقد كان وانتهى الأمر، هو تشبه بالمسيحيين، وإن لم يكن فبمن يتشبهون؟؟

ألم يحذركم رسول الله صلى الله عليه وبارك من هذا: «لتتَّبعنُّ سَننَ الَّذين من قبلِكم. شِبرًا بشبرٍ، وذراعًا بذراعٍ. حتَّى لو دَخلوا في جُحرِ ضبٍّ لاتَّبعتموهم» قُلنا: "يا رسولَ اللهِ! اليهودُ والنَّصارَى؟" قال: «فمَن؟».

إن إنكار التقليد والتهرب بالحجج الواهية لن ينجي الضالين المبتدعين من النار، فإن في هدي الرسول صلى الله عليه وبارك ما لا يترك لهم مهرباً، إذ لم يأمرنا عليه الصلاة والسلام بعدم اتباع المشركين وأهل الكتاب بل أمرنا فوق ذلك بمخالفتهم، فأين تهربون؟؟ قال صلى الله عليه وبارك: «خالِفوا المُشركين. أحفوا الشَّواربَ وأوفوا اللِّحَى»، «خالِفوا اليَهودَ وصلُّوا في خفافِكم ونعالِكم، فإنَّهم لا يصلُّونَ في خفافِهم ولا في نعالِهم»، «خالِفوا اليَهودَ وصوموا التَّاسِعَ والعاشِرَ».
"خرجَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّمَ علَى مَشيخةٍ منَ الأنصارٍ بيضٌ لحاهم، فقالَ: «يا معشرَ الأنصارِ! حمِّروا وصفِّروا، وخالِفوا أَهْلَ الكتابِ»، قالَ: فقُلنا: "يا رسولَ اللَّهِ! إنَّ أَهْلَ الكتابِ يتسرَوَلونَ ولا يأتزِرونَ!" فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّمَ: «تسَروَلوا وائتزِروا وخالفوا أَهْلَ الكتابِ»، قالَ: فقُلنا: "يا رسولَ اللَّهِ! إنَّ أَهْلَ الكتابِ يتخفَّفونَ ولا ينتعِلونَ"، قالَ: «فتخفَّفوا وانتعِلوا وخالفوا أَهْلَ الكتاب»، قالَ: فقُلنا: "يا رسولَ اللَّهِ إنَّ أَهْلَ الكتابِ يقصُّونَ عثانينَهُم ويوفِّرونَ سبالَهُم"، قالَ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّمَ: «قصُّوا سبالَكُم، ووفِّروا عثانينَكُم، وخالفوا أَهْلَ الكتابِ».

فيأيها المبتدعون ... إن لم تكونوا كما تدعون زوراً وبهتاناً مقلدين متبعين لسنن اليهود والنصارى، فهلا خالفتموهم في هذا الأمر الذي سبقوكم إليه، كما أمركم رسولكم صلى الله عليه وبارك!

الاحتفال بالمولد إظهار الحب لرسول الله صلى الله عليه وبارك
إن ادعاءكم حب رسول الله صلى الله عليه وبارك، هو فرع عن حبكم لمن أرسله سبحانه وتعالى، وقد جعل الله سبحانه لمن يحبه دليلاً لا تملكون تحويله ولا تبديله: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [آل عمران:31].

لقد جعل الله سبحانه وتعالى اتباع رسوله صلى الله عليه وسلم دليل حب عباده له، فهل تجعلون أنتم عدم اتباع رسول الله دليلاً على حبكم له، ألا ساء ما تحكمون.

ومن ادعى من المسلمين حب محمد صلى الله عليه و بارك أكثر من حب أصحاب محمد محمداً فهو كاذب، ومن ادعى أنه سبق أصحاب محمد إلى حبه بقول أو عمل فهو دعي أفاق ما قدر تربية رسول الله صلى الله عليه وبارك لأصحابه حق قدرها، ولا قدر أصحابه حق قدرهم رضي الله عنهم.

فاعلم أنه نجاة لمسلم يعمل وينصب في طلب جنة عرضها السماوات والأرض ويخاف ناراً وقودها الناس والحجارة إلا باتباع سيد المرسلين، ولا مناص لمسلم من مخالفة أهل الكتاب والمشركين. فأين تذهبون؟ إن هو إلا ذكر للعالمين لمن شاء منكم أن يستقيم.

ملاحظة هامة:
لنفرض أن مسلماً لم يعلم بيوم ميلاد نبيه، فلم يحتفل به يوماً في عمره قط، فهل ينقص هذا من حسناته شيء أو يزيد في سيئاته؟

الجواب: أبداً.

وليأتنا أصحاب البدع بدليل واحد على أنهم مأجورون فيما يفعلونه من طبل وزمر وغناء، وسنشاركهم، ولكن هيهات هيهات.

2- نفي إثبات أدلة جواز الاحتفال:
- الدليل الأول (إظهار محبة الرسول صلى الله عليه وسلم)
كما ذكره الأستاذ مأمون، وقد سبق دحضه أعلاه.
- الدليل الثاني (تعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم ليوم مولده)
دليل داحض بنفسه لا تقوم له قائمة، فإن كان صلى الله عليه وبارك قد عظم يوم مولده، فقد كفاكم الله سبحانه شر الجدال فعظموه كما عظمه وصوموا كما صام (وقد كتبت مقالاً مطولاً في ذلك).
- الدليل الثالث (الاحتفال بالمولد استحسنه العلماء وعم وانتشر حتى صار عرفاً)
وهو دليل أوهى من بناء خرب على جرف هار، إن انتشار البدعة لا يجعلها سنة. بل يكون شاهداً على شدة تخلف الأمة ومخالفتها أمر نبيها، وتصديق نبوءته فيها: «لتتَّبعنُّ سَننَ الَّذين من قبلِكم. شِبرًا بشبرٍ، وذراعًا بذراعٍ. حتَّى لو دَخلوا في جُحرِ ضبٍّ لاتَّبعتموهم» قُلنا: "يا رسولَ اللهِ! اليهودُ والنَّصارَى؟" قال: «فمَن؟».

أفبعد هذا التحذير يصر المبتدعون على التمادي في الضلال.
{قُل لاَّ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُواْ اللّهَ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة:100].

ثم إن حديث ابن مسعود رضي الله عنه لا يُرد به حديث صحيح لرسول الله صلى الله عليه وبارك، كما لا يعقل أن يأمر ابن مسعود بخلاف ما فهم عن رسول الله صلى الله عليه وبارك، وحاشاه وهو الذي أنكر على من رآهم يذكرون الله سبحانه بغير طريقة رسول الله صلى الله عليه وبارك:

عن عمرو بنِ سلَمةَ الهمْدانيِّ قال كنا نجلسُ على بابِ عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ قَبل صلاةِ الغداةِ فإذا خرج مَشينا معه إلى المسجدِ فجاءنا أبو موسى الأشعريُّ فقال: "أخَرَجَ إليكم أبو عبد الرحمنِ بعدُ" قلنا: "لا" فجلس معنا حتى خرج فلما خرج قُمْنا إليه جميعًا فقال له أبو موسى: "يا أبا عبد الرَّحمنِ إني رأيتُ في المسجدِ آنفًا أمرًا أنكرتُه ولم أرَ والحمدُ للهِ إلا خيرًا" قال: "فما هو؟" فقال: "إن عشتَ فستراه" قال: "رأيتُ في المسجدِ قومًا حِلَقًا جلوسًا ينتظرون الصلاةَ في كلِّ حلْقةٍ رجلٌ وفي أيديهم حصًى فيقول كَبِّرُوا مئةً فيُكبِّرونَ مئةً فيقول هلِّلُوا مئةً فيُهلِّلون مئةً ويقول سبِّحوا مئةً فيُسبِّحون مئةً" قال: "فماذا قلتَ لهم؟" قال: "ما قلتُ لهم شيئًا انتظارَ رأيِك" قال: "أفلا أمرتَهم أن يعُدُّوا سيئاتِهم وضمنتَ لهم أن لا يضيعَ من حسناتهم شيءٌ" ثم مضى ومضَينا معه حتى أتى حلقةً من تلك الحلقِ فوقف عليهم فقال: "ما هذا الذي أراكم تصنعون؟" قالوا: "يا أبا عبدَ الرَّحمنِ حصًى نعُدُّ به التكبيرَ والتهليلَ والتَّسبيحَ" قال: "فعُدُّوا سيئاتِكم فأنا ضامنٌ أن لا يضيعَ من حسناتكم شيءٌ ويحكم يا أمَّةَ محمدٍ ما أسرعَ هلَكَتِكم هؤلاءِ صحابةُ نبيِّكم صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ مُتوافرون وهذه ثيابُه لم تَبلَ وآنيتُه لم تُكسَرْ والذي نفسي بيده إنكم لعلى مِلَّةٍ هي أهدى من ملةِ محمدٍ أو مُفتتِحو بابَ ضلالةٍ" قالوا: "والله يا أبا عبدَ الرَّحمنِ ما أردْنا إلا الخيرَ" قال: "وكم من مُريدٍ للخيرِ لن يُصيبَه، إنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ حدَّثنا أنَّ قومًا يقرؤون القرآنَ لا يجاوزُ تراقيهم يمرُقونَ من الإسلامِ كما يمرُقُ السَّهمُ منَ الرَّميّةِ وأيمُ اللهِ ما أدري لعلَّ أكثرَهم منكم" ثم تولى عنهم فقال عمرو بنُ سلَمةَ فرأينا عامَّةَ أولئك الحِلَقِ يُطاعِنونا يومَ النَّهروانِ مع الخوارجِ".
الراوي: عبدالله بن مسعود المحدث: الألباني -المصدر: السلسلة الصحيحة- خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح.
إذن يجب فهم حديث ابن مسعود على أن الأمر الحسن إنما يكون في غير الدين من أمور الحياة، وهو موافق للمعنى اللغوي للبدعة، كما ذكر أعلاه في معنى البدعة.

أما قولهم بأن الأمر أصبح عرفاً فنقول لهم:
لو حضرتم في أول احتفال للمبتدعين الأوائل بمولد رسول الله صلى الله عليه وبارك فهل كنتم منكرين عليهم فعلهم، ومتهمين لهم بالبدعة؟
فإن أجابوا (بنعم) فقد أقروا بأن الأمر بدعة.
وإن أجابوا (بلا) فنقول لهم: إذن لا معنى لاتخاذكم (العرف) دليلاً على الجواز، إذ تهاونتم في البدعة حتى صارت عرفاً. وهذا هو عين الضلال، لقول الحق سبحانه: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُونَ} [المائدة:104].
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ} [لقمان:21].
{بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ} [الزخرف:22].
{وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ} [الزخرف:23].

واعلم أخي المسلم أن العرف لا يعتد أبداً به في شرع الله سبحانه في حال وجود نص من نهي أو أمر، كما لا يعتد باجتهاد ولا قياس ولا غيره مع وجود النص.

3 – أصحاب المذهب الثالث (مذهب التفضيل)
لا حاجة للرد عليهم فهم كما ذكر الأستاذ مأمون حفظه الله سبحانه في مقاله، "لا يصدرون حكماً كلياً" وقد رددنا على من أصدر حكماً كلياً في أعلاه، وأحسب أن فيه الكفاية، والله سبحانه أعلم.

وأخيراً، لا بد أن يلاحظ المسلم أن لأدلة المبتدعين سمات عامة في كل أمر يبتدعونه، من أهمها:

- الاجتزاء من النص قرآناً أو حديثاً شريفاً.
- تحريف النص.
- تحريف فهم النص.
- تقديم الرأي على النص.
- الكذب واللف والدوران.
- ترك الأًولى والراجح والتمسك بالأوهى والمرجوح.
- التقليد الأعمى.

{وَلَوْ نَشَاء لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ} [محمد:30].
وأستغفر الله العظيم لي ولكم، والحمد لله رب العالمين. 

 

عماد الدين السمان

  • 1
  • 0
  • 4,016

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً