صيف من نوع آخر
انتصر إيمانه وانتصر صيفه الذي وجهه لأمته ودينه وغايته ورسالته والذي شعر فيه بدوره في هذه الأمة في مواجهة المخاطر والصعوبات، فخرج يلحق النبي - صلى الله عليه وسلم - وجاءته البشارة من بعد بما أثنى به عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وفي أجواء هذه المعركة والغزوة العظيمة تنزلت آيات كثيرة شغلت مساحة واسعة من سورة التوبة وقالوا لا تنفروا في الحر قل نار جهنم أشد حراً..يا أيها الذين آمنوا مالكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل.
"صيف من نوع آخر" موضوع حديثنا، ونحن في أوائل هذا الصيف وإجازته الممتدة لأشهر متعاقبة، ولعل أظهر وأبرز ما في الصيف من الناحية الحسية الملموسة، حرّه الشديد الذي يفزع منه الناس إلى الهواء البارد من المكيفات، أو إلى السفر إلى بلاد فيها اعتدال من الطقس، ولا شك أنه لو تأملنا وأردنا أن ننتقل إلى صور أخرى ونمط آخر فإن ثمة ما سيدعونا إلى التأمل والتفكّر والتدبر، سنرى ما يجعلنا نعيد حساباتنا، ونصحح مساراتنا، ونجمع ونطرح أرقامنا، حر شديد أنتقل بكم إلى صيف آخر كان فيه سيد الخلق - صلى الله عليه وسلم -، وكانت معه الكوكبة المشرقة المنيرة من أصحابه رضوان الله عليهم، وكان الوقت في شدة حر الصيف، في مدينة الرسول - عليه الصلاة والسلام -، حين يشتد الصيف يحين أوان نضج الثمار، ويكون الأمر الذي يقعد الناس إلى الأرض ويجذبهم إلى الزرع، ويربطهم إلى التجارة، وإلى نعم الله - عز وجل -، وهناك في هذه الظروف والملابسات، كان خروج النبي - صلى الله عليه وسلم - للجهاد في أبعد شقة وأطول مسافة، وفي أشد أوقات العام حرا وحرارة، وفي أكثر الظروف المادية صعوبة وضراوة، وهنا نجم النفاق المخذل، والضعف الظاهر، فقال المنافقون قولتهم: وقالوا لا تنفروا في الحر، قل نار جهنم أشد حراً.
انظروا إلى ذلك الصيف كيف كان الخروج من حرّه إلى حر أشد في مواجهة أعظم قوة توجهت إليها جيوش النبي - صلى الله عليه وسلم -، انظروا إلى التصوير الذي يرويه لنا أبو خيثمة - رضي الله عنه - عندما تجهز المسلمون وبدءوا في الانطلاق والمسير، في أول الصيف، وكان هو له زوجتان، وعندهم بستان، وقد دنت القطاف وتدلت الأعذاق، واستوت ثمار النخيل، وإذا به يتأخر في التجهز، وإذا بالجواذب تشغله عن الانطلاق، وإذا بمراعاة الزرع والثمار يجعله يسوف في تلك الأوقات حتى جاء يوم قد اشتد حره وأقبل أبو خيثمة إلى بستانه، وإذا كل امرأة من امرأتيه قد هيأت له ماء باردا ورشت له عريشا من الشجر المخضر المظلل، وقف ينظر إلى ذلك وهنا جاءت المفاضلة بين صيف وصيف، وبين حال وحال، فقال: "رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع أصحابه في الضح أي في شدة الحر- مجاهدين في سبيل الله وأبو خيثمة مع زوجتيه في الماء البارد، والله لا أدخل حتى ألحق برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ".
انتصر إيمانه وانتصر صيفه الذي وجهه لأمته ودينه وغايته ورسالته والذي شعر فيه بدوره في هذه الأمة في مواجهة المخاطر والصعوبات، فخرج يلحق النبي - صلى الله عليه وسلم - وجاءته البشارة من بعد بما أثنى به عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وفي أجواء هذه المعركة والغزوة العظيمة تنزلت آيات كثيرة شغلت مساحة واسعة من سورة التوبة وقالوا لا تنفروا في الحر قل نار جهنم أشد حراً..يا أيها الذين آمنوا مالكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل.
تأمل هذه الصورة القرآنية البليغة وهي تعبر عن الجواذب الأرضية المقعدة عن الانطلاقة الإيمانية السماوية، وهي تصور لنا ذلك في أحداث السيرة كما في قصة هذا الصحابي الجليل.
ونرى حينئذ صورا كثيرة من صيفنا هذا بحره لا في المكيفات ولا في أجواء السياحات، بل هناك في أرض الإسراء تتجدد مرة أخرى صور صيف من المواجهة لأعداء الله والثبات على دين الله، والإعلاء والإعزاز لدين الله، وصور تجدد لنا ذلك الموقف وتلك الصور، كأنما تحي فينا هذه المعاني، صيف مواجهة واستمرار مجابهة ومضي على جهاد ومقاومة في ظل ظروف صعبة مجتمعة في كل ما يمكن أن يبلغ بها الغاية العظمى في شدتها وقسوتها وضراوتها، غير أنها بإذن الله - عز وجل - لم تنل من إيمانهم ويقينهم وثباتهم، ليجددوا لنا تلك الصورة ولنسمع مرة أخرى من يقول لا تنفروا في الحر، ومن يقول أو يصور لنا تلك الصورة: أثاقلتم إلى الأرض.
ويوم نرى تلك الجواذب وهي تتخطف الناس يمنة ويسرة في هذه الصورة نرى صيفاً - كما قلت - من نوع آخر.
ولعلي أنتقل بكم كذلك إلى صورة صيفية أخرى، صور الشواطئ وما أدراك ما الشواطئ التي تمتلئ في بقاع الأرض إلا ما رحم الله! تمتلئ بالمصطافين ونرى ذلك في بلاد إسلامية وغير إسلامية، ونرى ما يقولونه من راحة واستجمام، ونرى معه ما في ذلك من عري وفسق وما فيه كذلك من حفلات ماجنة وعورات مكشوفة وغير ذلك، ويقترن هذا مع الصيف بل ويدعى إليه ويروج له ويرغب فيه ويتكرر ذلك لنرى مرة أخرى صيفا آخر في الواقع، وشواطئ أخرى في الواقع، شاطئ غزة حدثتكم أحداث الأمس القريب والأيام الماضية، كيف هو مشتعل لا بحر الصيف بل بنيران القذائف، كلكم ربما سمع أو شاهد الطفلة هدى، وهي ترى أباها وأسرتها تموت بين يديها على تلك الشواطئ التي لم تكن راحة واستجمام؛ بل كانت في صورة أخرى تمثل صورة قصف وإجرام، وبغي وظلم، وصور مؤلمة محزنة، كأن الذين يعيشون على الشواطئ الأخرى لم يسمعوا بها، أو لا يريدون أن يذكرهم أحد بها ليبقوا في غفلتهم أو متعتهم أو لهوهم كما يشاءون، ولكني أحدث نفسي وأحدثكم بلسان تلك الطفلة قائلة:
يا من مررتم فوق جرحي
فوق أشلائي
كأني لست من باقي البشر
شكرا لكم
يا من رأيتم ما أعاني
في حصاري واحتضاري
ثم نمتم تحت أنغام القمر
ماذا جنيت لكي أعيش على العذاب
ونداء جرحي في عواصف صمتكم صوت وغاب
قد كنت أحسب أنكم مني
ولكن ليس مني من سباني
ليس مني من بكاني في ثواني
ثم عاد للوسائد والأماني
لابد أن نستحضر المقارنة، لا لنجرم أو نحرم الراحة أو المتعة المباحة، ولكن لنعيش آلام وآمال أمتنا ولنعيش واقع عصرنا، ولندرك الحقائق والسهام المصوبة نحو أمتنا، وليس ذلك فحسب بل لنتذكر أيضا آيات ربنا وأحاديث نبينا - صلى الله عليه وسلم -: وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق.
ونستحضر حديث المصطفى - صلى الله عليه وسلم -: (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يسلمه).
أسلمناهم للعدو وبقينا نتفرج، بل ونهرِّج، بل ونستعد لمتع هنا وهناك تتوالى صورها المختلفة وأنماطها المتعددة، أنتقل بكم مرة أخرى إلى صورة ثالثة، صورة الإنفاق المالي في الصيف وما أدراك ما الصيف، خذوا هذه الأرقام حديثة عهد منشورة في هذا اليوم عن صيف العام الذي مضى في بلادنا هذه، ومرة أخرى ليس من تحريم ولا تجريم ولكن انظروا للمقارنة والاعتبار، تقول إحصائية الهيئة العليا:
"إن مجمل ما كان في الصيف الماضي داخل البلاد شكل ثلاثين مليون رحلة جوية واستؤجرت فيها مائة وستة وتسعون مليون ليلة وكان إجمال المبالغ التي أنفقت واحد وثلاثون مليار ريال، وأما في السياحة الخارجية فكانت نحو أربعين مليون رحلة وخمسة وخمسون مليون ليلة وشكلت في مصاريفها أربعة عشر مليار ريال، والمجموع خمسة وأربعون مليار ريال أنفقت ".
وأكرر رابعة وخامسة: ليس من تجريم ولا تحريم، لكني أقول احسبوا واحدا بالمائة من هذا الرقم فستجدونه يشكل أربعمائة وخمسون مليون ريال، ولو قلتم عشرة بالمائة لكانت أربعة مليارات ونصف مليار مليون ريال، فلعلي أقول لكل أحد ينفق قليلا أو كثيرا، احسب هذه النسبة واحد بالمائة أو عشرة بالمائة، كلما أنفقت مائة أخرج مقابلها ريالا أو عشرة ريالات اجعلها لمن يعيشون الصيف في حال أخرى غير حالك، لنجسد الصورة المثلى لحقيقة الإيمان والأخوة الإيمانية والرابطة الإسلامية إنما المؤمنون إخوة.
والصورة البديعة الرائعة المشرقة التي لم يسجل التاريخ لها مثيلاً: والذين تبوؤوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون.
صنعها أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ملحمة خالدة وصفحات ناصعة من الإيثار الذي اقتسموا فيه أموالهم، الذي فتحوا فيه دورهم، التي شكلت أعظم امتزاج روحي معنوي ومادي حسي جعل كل مسلم أخا حقيقيا لأخيه المسلم حتى في آخر رمق من رمق الحياة وتلك الأخوة تتجدد وتتجذر في واقع المسلمين يوم كانوا بإيمانهم وبدينهم مستمسكين، أفليس حقا علينا في صيفنا هذا أن نعطي مثل هذه النسبة؟! لا أقول لا تنفق ولا تذهب، ولكن أقول: لا تنس ولا تغفل، إن القذائف المرسلة إلى هناك لا تنال من إخواننا فحسب، إنها تنال من كرامتنا وعزتنا ومكانة أمتنا، بل في الحقيقة تنال من حقائق ثباتنا على ديننا وتمثيلنا لإسلامنا، وهي التي يمكن أن تكون معادلة كما أشرت من قبل مرارا تغير الواقع تغييرا جذريا بمقاييس الإيمان، كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله، وما ذلك على الله بعزيز.
والتاريخ يجدد نفسه، والسنن الربانية الماضية لا تتغير ولا تتبدل ولن تجد لسنة الله تحويلا، ولن تجد لسنة الله تبديلا.
وألتفت في مجال الإنفاق كذلك، إلى الإنفاق في حفلات الزواج التي تمتلئ بها أيام وليالي الصيف من أوله إلى آخره، ولست أملك إحصائية لكن الأرقام أكثر مما ذكرناه في هذه الأحوال، ومرة أخرى ما عسى أن ينقص من فرحنا ومن سعادتنا لو وفرنا قليلا من المال بدلا من الطعام الذي يلقى في أماكن النفايات، بدلا من المباهاة والمفاخرة والمظاهر الكاذبة، بدلا من الأموال التي تصرف في غير محلها، وهناك من يتضور جوعا، أو يموت من مرض من إخواننا قريب منا هنا أو هناك، ولعلي أعيد تجديد الصيف مرة أخرى في الصيف الآخر في يوم تبوك الذي أسلفنا الحديث عنه سابقا، يوم جاء عثمان - رضي الله عنه - وتكفل وحده بتجهيز جيش كامل سمي إذ ذاك جيش العسرة، لأنه جاء والمسلمون في قلة ذات يد وعدم قدرة على تجهيز أنفسهم بأدنى الوسائل والإمكانات فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لعثمان القولة الشهيرة التي لو تأملنا فيها لكان كل واحد من وبالأخص كل ثري من أثريائنا يتمنى لو ينفق ماله كله لينال مثل هذه الشهادة النبوية: (ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم).
قالها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليجسد لنا الحقيقة التي ينبغي أن نقارن فيها دائما وأبدا، وفي رواية الترمذي قصة الشيخين الجليلين والصحابيين الكبيرين العظيمين أبي بكر وعمر..
يوم دعا النبي إلى الإنفاق فقال عمر اليوم أسبق أبا بكر فأخذ شطر ماله كله، وجاء به إلى النبي - عليه الصلاة والسلام -، قال: فوافيت مقدم أبي بكر، ورسول الله يقول: ماذا أبقيت لأهلك يا أبا بكر، فيقول: أبقيت لهم الله ورسوله، فيقول عمر: والله لا أرزأك شيئا بعد اليوم يا أبا بكر..
فليتذكر الذين يتسابقون في الإنفاق الذي يقرب أحيانا من حد السفه في تلك الأعراس فليتذكروا المنافسة الصحيحة التي تسجل لهم في صحائف الحسنات، والتي تذخر لهم في العرصات يوم القيامة: يوم لا ينفع مال ولا بنون * إلا من أتى الله بقلب سليم.
كثيرة هي صور الصيف وكثيرة هي صور من صيف في نوع آخر قد لا نستطيع أن ننتقل إليه قد لا نجدد أو نعجز الآن أن نجدد صورة عثمان أو نحقق منافسة أبي بكر وعمر، لكنا نقول فتشبهوا بالصالحين إن لم تكونوا مثلهم، على الله - عز وجل - أن يدركنا برحمته، ولو لم نستطع فعل شيء فلا أقل من أن نشعر بوخز الضمير وضيق الصدور وشيء من حزن وألم، ونحن بين أبنائنا وأزواجنا وفي نعمة ربنا ووفرة أموالنا ورغد عيشنا، وكثرة رزقنا، فأين نحن في ذلك كله من شكر نعم ربنا وأداء واجبنا نحو إخواننا، ليس في أرض فلسطين فحسب بل في كل مكان.
ولعلي أمضي هنا وهناك فآتي بكثير وكثير، وأستحضر معكم حديث المصطفى - صلى الله عليه وسلم -: (من بات آمنا في سربه، معافى في بدنه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها).
وكأني بكل واحد منا يصدق فيه هذا الحديث بحمد الله ونعمته، أمان في السرب، ومعافاة في البدن، ووفرة في الرزق، فالدنيا كلها مجتمعة، وأي شيء سنفعل لو جاءتنا أضعاف مضاعفة من هذه الدنيا، هل سيأكل أحد أكثر من معدته، وهل سينام في أكثر من طول جسمه، ماذا سيصنع بالمال؟ من الذي سيأخذ شيئا من المال معه إلى قبره؟ ليحسن من حاله، أو ليكيف أجواءه أو لينير ظلمته أو ليبدد وحشته، كلنا يوقن بأن شيئا لن يكون من ذلك، فأين هذا اليقين من واقع الحياة، وأين هذه المقارنات التي نقارن فيها مع سيد الخلق - صلى الله عليه وسلم - وصحبه الكرام وتاريخ أمتنا بل وواقعها المعاصر المشرف في كثير من بقاعها وكثير من رجالاتها، أفليس حري بنا أن نبحث عن صيف من نوع آخر؟
أحسب أني أثرت السؤال وأثرت الشجى والشجن، وذلك ما أحسب أنه هدف الحديث لعله يعتمل في النفوس وفي العقول ما يدفعنا إلى تغير في السلوك.
ولست بذاكر هذه الصور في صيف آخر في الجوانب التي فيها بعض ما قد ينتقد أو يعاب ويذام، بل كذلك أنتقل في إيجاز سريع إلى بعض ما يمدح ويثنى عليه ويدعى إليه، أنتقل إلى الدورات القرآنية وإلى حلق القرآن في المساجد، وأقول اجعلوا كذلك صيفكم صيفا آخر، اجمعوا مع القرآن تدبر آياته ومعانيه: أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها.
والله وضح الغاية من هذا الكتاب فقال: ليدبروا آياته.
واجعلوا ما يمر بكم من الآيات يرسم صورة الواقع الحي متحركا فإن القرآن هو روح الحياة وهو نورها الذي نبصر به الطريق: وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء.
والله يقول كذلك: أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نوارا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها.
أحيوا بالقرآن القلوب وذكروا به العقول وقوموا به السلوك واجعلوا منه محركا جديدا يبعث فينا روح عزة ربما ضعفت وروح يقين ربما تزعزع أو تضعضع، واجعلوا ذلك صيفا آخر لا نقتصر فيه على التلاوة ولا التجويد ولا الحفظ ولا المراجعة والتمكين، بل نتجاوزه إلى التدبر والتأمل و العمل والحياة والتأثر والدعوة حتى نحقق ذلك الوصف أو نتشبه به يوم أوجزته أم المؤمنين عائشة في وصف سيد الخلق - صلى الله عليه وسلم - (كان خلقه القرآن).
وأنتقل إلى دورات علمية شرعية، فأقول إن علم الشرع ليس مجرد مسائل تحفظ وإنما هو كما قال الحق - عز وجل -: إنما يخشى الله من عباده العلماء.
وعندما سئل الشعبي عن العالم قال: " إنما العالم من يخشى ".
فنريد أن نجعل هذه العلوم علوما مؤثرة مغيرة تجعلنا نعيش هذا الدين ونعيش لأجل هذا الدين، ونعيش مع أنصار وأتباع هذا الدين العظيم، الذي امتن الله به علينا، ونعرف قدر العلم وفضله وتدبره وتأمله كما قال الحق - سبحانه وتعالى -: وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون
أصحاب العلم ليسوا أصحاب محفوظات، أصحاب بصيرة تذكر وتنير الطريق وتحمل الراية وتتقدم الصفوف كما كان الأئمة كلهم، كما كان الصحابة قبلهم كما كان العلماء إثرهم، كما هو تاريخ أمتنا في منظومتها الخالدة التليدة الفريدة، ولو مشينا لوجدنا ذلك كذلك في كل شيء، في كل مركز صيفي أقيموا شيئا يعرف بأحوال المسلمين عموما وفي فلسطين خصوصا، اربطوا أنفسكم بأمتكم، اجعلوا محور حياتكم في أعمالكم كلها، يرتبط بهذا المحور العظيم كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -..
نسأل الله - عز وجل - أن يردنا إلى دينه رداً جميلاً..
- التصنيف:
- المصدر: